قدم الخندق.. مع تشريد مئات الآلاف من أهل غزة وبقاء أقدامهم في بيئة رطبة وباردة لفترات طويلة من الزمن، لعدم توفر الظروف المناسبة التي تمكنهم من إبقاء أقدامهم جافة، فإن الإصابة بقدم الخندق واردة للغاية.
ما هي قدم الخندق trench foot؟
عند الوقوف لمدة طويلة من الزمن (ساعات أو أيام) في بيئة باردة ورطبة وغير صحية، فإن تدفق الدم إلى القدمين ينخفض، وإذا بقيت القدم مبللة لردح طويل من الزمن، فإن التلف قد يطاول الجلد والأوعية الدموية والأعصاب، فتكون النتيجةُ الإصابةَ بقدم الخندق التي تظهر بأعراض مثل الخدر والوخز والألم والاحمرار والتورم، وفي الحالات الشديدة قد تتطور الحالة فتظهر البثور والتقرحات والعدوى وموت الأنسجة.
ما سبب قدم الخندق؟
إن السبب الرئيسي لقدم الخندق هو الوقوف لفترة طويلة من الوقت في بيئة رطبة وباردة، وليس ضروريًا أن تكون الظروف قارسة البرودة، كما الحال في قرصة الصقيع، لكي تحدث الإصابة، فهي قد تشاهَد حتى في درجات الحرارة غير المنخفضة التي تصل إلى 16 درجة مئوية.
وعندما تجتمع البرودة مع الرطوبة، تبدأ الشعيرات الدموية في القدمين بالضعف والتشنج والتضيق، الأمر الذي ينتج عنه قلة تدفق الدم، مما يؤثر على الجلد والأعصاب، فيشكو المريض من فرط التعرق وزيادة الحساسية في القدم.
لمحة تاريخية عن قدم الخندق
قدم الخندق، التي تُعرف بأسماء أخرى مثل القدم المغمورة أو القدم الغاطسة، تم وصفها لأول مرة من قبل جراح في جيش نابليون الفرنسي الدكتور دومينيك جان آري في عام 1812 خلال معارك القتال التي جرت بين فرنسا وروسيا، ومن وقتها أصبحت قدم الخندق معروفة، ففي الحرب العالمية الأولى أصيب بها الآلاف من الجنود الذين كانوا يقاتلون في الخنادق، بسبب الظروف الباردة والرطبة التي جعلت أقدامهم مبللة باستمرار، ما أدت إلى قتل العديد من الجنود خلال تلك الحرب.
الفئات الأكثر تعرّضًا لخطر الإصابة بقدم الخندق
تؤثر قدم الخندق بالدرجة الأولى على الجنود أثناء التدريب والعمليات الحربية، ولكن يمكن لقدم الخندق أن تصيب فئات أخرى:
- النازحون والأشخاص الذين لا مأوى لهم، إذ غالبًا لا يمتلك هؤلاء الأشخاص المأوى المناسب، ولا إمكانية تبديل الجوارب والحذاء، فيبقون لفترات طويلة في بيئة يغلب عليها طابع الرطوبة والبرودة.
- الأشخاص الذين يقضون وقتًا طويلًا في الهواء الطلق، مثل متسلقي الجبال الذين يُهملون تغيير جواربهم المبللة.
- الأشخاص الذين يحضرون المهرجانات والعروض الموسيقية وعمال الإغاثة ورجال الأمن.
- الأشخاص الذين يعملون في المياه وفي الأماكن الموحلة أو بالقرب منها، مثل صيادي الأسماك وعمال الموانئ.
أعراض وعلامات قدم الخندق
تتطلب معظم حالات قدم الخندق التعرض لظروف باردة ورطبة لمدة يوم إلى ثلاثة أيام، ولكن هناك حالات تحصل فيها قدم الخندق في مدة تقل عن 10 إلى 14 ساعة. تتطور أعراض قدم الخندق بشكل تدريجي وفقًا للصورة السريرية الآتية:
- الألم والانزعاج: غالبًا ما تبدأ قدم الخندق بالتسبب في الانزعاج والألم وحس الثقل في القدمين، وتكون هذه الأعراض ما بين خفيفة وشديدة.
- التورم: تتورم القدمان بشكل ملحوظ، مما يؤدي إلى الصعوبة في المشي وارتداء الأحذية.
- الخدر والوخز والحكة: يعاني كثير من المصابين بقدم الخندق من الخدر والإحساس بالوخز والحكة في القدمين، وغالبًا ما تكون هذه علامات مبكرة على تلف الأعصاب بسبب قلة تدفق الدم.
- احمرار وابيضاض الجلد: قد تبدو القدم حمراء زاهية في البداية، ولكن مع تقدم الحالة، تصبح القدم شاحبة أو بيضاء أو مزرقة عند عودة الدفء إليها، وتحدث هذه التغيرات في اللون بسبب ضعف التروية الدموية.
- البثور والقروح: مع مرور الوقت تتفاقم حالة قدم الخندق ويظهر النزيف تحت الجلد، وتتشكل البثور المملوءة بالسائل والقروح المفتوحة التي تكون مؤلمة، وتزيد من مخاطر التعرض للعدوى البكتيرية والفطرية، وقد تصبح البشرة حساسة للغاية للتبدلات في درجة الحرارة واللمس الخفيف.
- الغرغرينا: في الحالات الشديدة جدًا من قدم الخندق قد تنسلخ أنسجة القدم وتتموت ويتحول لون الجلد إلى الأزرق الداكن أو الأرجواني أو الأسود، ما يشير إلى بدء الإصابة بالغرغرينا.
مراحل قدم الخندق
تحدث الإصابة بقدم الخندق على 4 مراحل هي:
المرحلة 1. مرحلة الإصابة
وتتضمن هذه المرحلة ضعفًا في تدفق الدم بسبب برودة الأنسجة، وتعطي أعراضًا مثل التنميل والخدر واحمرار الجلد.
المرحلة 2. مرحلة ما قبل ارتفاع ضغط الدم
وتستمر هذه من 6 إلى 24 ساعة، وفيها تكون الأقدام شاحبة وبيضاء اللون وخدرة وباردة مع تصلب في الكاحلين وأصابع القدمين، ما يجعل المشي صعبًا. قد لا يتمكن مقدم الرعاية من جس النبض الطبيعي في القدمين.
المرحلة 3. مرحلة فرط الدم
وتستغرق هذه المرحلة زهاء الشهرين، وفيها نجد الأعراض الآتية: الألم في القدمين، السخونة عند اللمس، التورم الذي يزداد سوءًا بالحركة والحرارة والوقوف. وفي الحالات الشديدة تظهر البثور الصغيرة والنمشات والكدمات.
المرحلة 4. مرحلة ما بعد ارتفاع ضغط الدم
وقد تستمر هذه المرحلة طيلة حياة الشخص، إذ يحصل تضيق وعائي طويل الأمد، يسفر عنه زيادة في الألم، وفرط التعرق في القدم، والتشوش في الحس، وربما تصاب القدم بالبرودة بشكل دائم، وقد تتطور متلازمة رينو الثانوية نتيجة انقباض الأوعية الدموية الصغيرة.
الاختلاطات المحتملة لقدم الخندق
إن اختلاطات قدم الخندق غير شائعة بل نادرة، إلا أنها قد تحدث إذا تُركت من دون علاج، وتضم هذه الاختلاطات:
- التهاب النسيج الخلوي.
- حدوث تغيرات حسية في حال لم يتم العلاج على الفور.
- الإنتان.
- التهاب الوريد الخثري.
- ضمور العضلات.
- إصابة العضلات أو أنسجة الجلد أو الأوعية الدموية أو الأعصاب الطرفية.
- هشاشة العظام.
- ألم الاعتلال العصبي.
- الغرغرينا.
- البتر.
- الموت.
تشخيص قدم الخندق
في سبيل إيجاد تشخيص دقيق لقدم الخندق، سيقوم الطبيب باستجواب المريض عن أعراضه وفحصه بدنيًا، وخاصة فحص القدمين من كثب، للكشف عن التبدلات الطارئة وعن نقاط الضعف فيها. وسيتأكد مقدم الرعاية من أن الأعراض ليست ناتجة عن العدوى أو حالة مَرَضية أخرى، مثل قضمة الصقيع. يمكن للطبيب أن يطلب تحاليل دموية أو صورًا شعاعية في حال وجود تاريخ بالصدمة الرضية، أو الشك بوجود عدوى في مكان ما في الجسم، مثل التهاب العظام والنقي.
كيفية علاج قدم الخندق
يمكن علاج قدم الخندق بشكل فعال في حال اكتشافها مبكرًا. ويقوم العلاج بالدرجة الأولى على تدفئة وتجفيف القدمين المصابتين وتحسين سريان الدم فيهما، لمنع المزيد من التدهور. ويتضمن العلاج ما يلي:
- إزالة الجوارب والأحذية المبللة على الفور.
- الراحة من أجل تخفيف العبء الواقع على القدمين.
- تنظيف وتجفيف القدمين بلطف، وتجنب الاحتكاك والفرك المفرط، لأن الجلد يكون هشًا.
- إعادة تدفئة القدمين ببطء، لأن التدفئة السريعة تسبب التورم والألم الشديد. ويمكن تدفئة القدمين بنقعهما في ماء دافئ لمدة 5 دقائق، أو بوضع كمادات دافئة كل 5 دقائق من أجل رفع درجة حرارة القدمين.
- رفع القدمين فوق مستوى القلب كلما أمكن ذلك من أجل تحسين تدفق الدم، ومنع ظهور جروح وبثور جديدة.
- يمكن أخذ مضادات الالتهاب غير الستيرويدية للتخفيف من الألم، وربما أدوية أخرى لعلاج ألم الأعصاب.
- قد يصف الطبيب أحد المضادات الحيوية لمنع أي عدوى.
كيفية الرعاية الشخصية بعد علاج قدم الخندق
إن الاعتناء بالنفس أمر مهم بعد علاج قدم الخندق، وتضم هذه العناية اتخاذ خطوات معينة هي:
- الحرص على ارتداء جوارب نظيفة وجافة وماصة للرطوبة كل يوم.
- تفادي ارتداء الجوارب أثناء النوم للحفاظ على جفاف القدمين.
- تجنب التدخين أو استخدام المنتجات الأخرى التي تحتوي على النيكوتين.
- فحص القدمين يوميًا للتأكد من عدم تفاقم الأعراض، أو عدم الإصابة بأي عدوى محتملة.
- اعتماد نظام غذائي صحي ومتوازن غني بالبروتينات.
- تجنب التعرض للظروف الباردة والرطبة.
- انتعال أحذية مناسبة ومقاومة للماء.
كيفية الوقاية من قدم الخندق
إن الوقاية هي أفضل علاج لقدم الخندق، وتتم هذه الوقاية باتخاذ التدابير اللازمة الآتية، خاصة إذا كنت ستبقى في بيئة رطبة وباردة لفترة طويلة من الزمن:
- ارتداء أحذية وجوارب تحافظ على أقدامك نظيفة وجافة.
- تجهيز زوج إضافي من الجوارب، والتأكد من أن الحذاء مناسب بشكل صحيح.
- تبديل الجوارب يوميًا، وإذا كانت مبللة فإنه يجب تبديلها فورًا مع ترك القدمين في الهواء الطلق لتجفيفهما من الرطوبة والتعرق.
- إذا تطلب العمل الوقوف في الماء لفترات طويلة، فإنه يجب أخذ فترات راحة من العمل كل ساعتين أو ثلاث ساعات.
خلاصة القول
إن قدم الخندق حالة مؤلمة ومنهكة للغاية، تؤثر على القدم بسبب بقائها لفترة طويلة من الزمن في بيئة رطبة وباردة وغير صحية. إذا لم يتم علاج قدم الخندق في الوقت المناسب، فإن مضاعفات خطيرة قد تحصل. إن مفتاح الوقاية من قدم الخندق يكون بالحفاظ على القدمين نظيفتين وجافتين ودافئتين بعيدًا، قدر الإمكان، عن إبقائهما في بيئة باردة ورطبة. إذا حدثت الإصابة بقدم الخندق ولم تظهر بوادر التحسن عليها، فإن طلب الرعاية الطبية يعد أمرًا بالغ الأهمية للحصول على العلاج المناسب.
