هوس إشعال الحرائق (بايرومانيا Pyromania) هو اضطراب في السيطرة على الانفعالات، يمنح الأشخاصَ المصابين به رغبة شديدة في إشعال الحرائق عمدًا. قد يكون هذا الهوس للمتعة، أو لتخفيف التوتر، أو للإشباع الجنسي. في بعض الأحيان، يُسمّى أولئك الناس الذين يعانون من هذه الحالة بـ"المصابين بهوس إشعال الحرائق".
ما هو هوس إشعال الحرائق؟
عندما ينحرف الاهتمام بالنار أو الانبهار بها من حالة صحية إلى حالة غير صحية، فقد يقول الناس على الفور إن لدى الشخص "هوس بإشعال الحرائق".
غالبًا ما يتم استخدام هوس إشعال الحرائق بالتبادل مع مصطلحَي الحرق العَمد أو إشعال النار، لكنهما مختلفان، لأنّ هوس إشعال الحرائق هو حالة نفسية. في حين أن الحرق العَمد عمل إجرامي، فإنّ إشعال النار هو سلوك قد يكون متعلقًا بحالةٍ ما، أو لا يكون.
هوس إشعال الحرائق نادر جدًا، ولا يخضع للبحث العلمي، لذلك يصعب تحديد حدوثه الفعلي. تشير بعض الأبحاث إلى أن ما بين 3-6% فقط من الأشخاص في مستشفيات الأمراض النفسية يَسْتَوْفون معايير هذا التشخيص.
ماذا تقول جمعية الطب النفسي الأمريكية عن هوس إشعال الحرائق؟
يُعرَّف هوس إشعال الحرائق في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5) على أنه اضطراب في السيطرة على الانفعالات، ويحدث هذا الاضطراب عندما يكون الشخص غير قادر على مقاومة دافعٍ ما أو دافعٍ مدمر. تشمل الأنواع الأخرى من اضطرابات السيطرة على الانفعالات: المقامرة المَرَضية، وهوس السرقة.
تنصّ معايير DSM-5 على تشخيص هوس إشعال الحرائق عند شخص ما:
- تعمَّدَ إشعالَ الحرائق في أكثر من مناسبة.
- التوتر قبل إشعال النيران.
- إظهار جاذبية شديدة لإشعال النار وأدواتها.
- يستمد المتعة من إشعال الحرائق أو رؤيتها.
لديه أعراض لا يمكن تفسيرها بشكل أفضل من خلال اضطراب عقلي آخر، مثل:
- اضطراب السلوك.
- نوبات جنون.
- اضطراب الشخصية المعادي للمجتمع.
لا يمكن تشخيص حالة الشخص المصاب بهوس إشعال الحرائق إلا إذا لم يُشْعِل الحرائق:
- من أجل كسب المال.
- لأسباب أيديولوجية.
- للتعبير عن الغضب أو الانتقام.
- للتستر على عمل إجرامي آخر.
- لتحسين ظروف المرء (على سبيل المثال، الحصول على أموال تأمين لشراء منزل أفضل).
- استجابةً لأوهام أو هلوسات.
- بسبب ضعف الحكم بسبب السُّكْر مثلًا.
يحتوي DSM-5 على معايير صارمة للغاية فيما يتعلق بهوس إشعال الحرائق، ونادرًا ما يتم تشخيصه.
ما الفرق بين هوس إشعال الحرائق والحَرق العَمْد
في حين أن هوس إشعال الحرائق حالة نفسية تتعامل مع حالة عدم السيطرة على الانفعالات، فإن الحَرق العَمد هو عمل إجرامي، وعادة ما يتم بشكل ضار وبِنِيَّة إجرامية.
هوس إشعال الحرائق والحَرق العَمْد كلاهما متعمَّد، لكنّ هوس إشعال الحرائق مَرَضِيٌّ أو قَهري بشكل صارم، وقد لا يكون الحَرق العَمْد كذلك.
على الرغم من أن المُشْعِل يمكن أن يكون مصابًا بهوس إشعال الحرائق، إلا أن معظم منفِّذي الحَرق العَمْد لا يعانون منه. مع ذلك، قد يكون لديهم حالات صحية عقلية أخرى يمكن تشخيصها، أو يكونون معزولين اجتماعيًا.
أعراض اضطراب هوس إشعال الحرائق
يبدأ الشخص المصاب بهوس إشعال الحرائق بإشعال النيران كل 6 أسابيع تقريبًا، وقد تبدأ الأعراض -المذكورة أعلاه- خلال فترة البلوغ، وتستمر طوال مرحلة البلوغ.
تقول بعض الأبحاث إنه في حين أن الشخص المصاب بهوس إشعال الحرائق سيحصل على تحرُّرٍ عاطفي بعد إشعال النار، فقد يشعر أيضًا بالذنب أو الضيق بعد ذلك، خاصةً إذا كان يُحارب الدافع لأطول فترة ممكنة. قد يكون شخص ما أيضًا مراقبًا شغوفًا للحرائق، ويَخرج عن طريقه للبحث عنها إلى درجة أن يصبح رجل إطفاء.
تَذكَّرْ أن إشعال النار في حد ذاته لا يشير على الفور إلى هوس إشعال الحرائق، وقد يرتبط بحالات الصحة العقلية الأخرى، مثل:
- اضطرابات أخرى للسيطرة على الانفعالات، مثل القمار المَرَضي.
- اضطرابات المزاج، مثل الاضطراب ثنائي القطب أو الاكتئاب.
- اضطرابات السلوك.
- اضطرابات تعاطي المخدرات.
أسباب هوس إشعال الحرائق
السبب الدقيق لهوس إشعال الحرائق غير معروف حتى الآن. على غرار حالات الصحة العقلية الأخرى، يمكن أن يكون لإشعال الحرائق بشكل عام، دون تشخيص هوس إشعال الحرائق، أسباب عديدة. يشمل بعضها:
- تشخيص حالة صحية عقلية أخرى، مثل اضطراب السلوك.
- تعاطي الكحول أو المخدرات.
- العجز في المهارات الاجتماعية أو الذكاء.
وهناك أسباب أخرى مثل:
- الصدمة: تعتبر اضطرابات التحكم في الانفعالات أكثر شيوعًا بين الأطفال الذين تعرضوا لتجارب مؤلمة، مثل سوء المعاملة والإهمال. تصف بعض تقارير الحالات أيضًا الأشخاصَ المصابين بهوس إشعال الحرائق بعد تجارب مؤلمة. على سبيل المثال، يناقش تقرير عام 2022 حالات جديدة من هوس إشعال الحرائق بين قُدامى المحاربين البالغين. من غير الواضح سبب حدوث ذلك، لكنّ المؤلفين يقترحون أنه قد يكون وسيلة لإعادة تمثيل الحدث الصادم.
- تاريخ العائلة: هوس إشعال الحرائق واضطرابات السيطرة على الانفعالات الأخرى أكثر شيوعًا لدى الأشخاص الذين يعاني أقاربهم من اضطرابات المزاج. يمكن أن يكون هذا بسبب ارتباط وراثي، أو بسبب الآثار التي يمكن أن تُحدِثها الأمراض العقلية لدى مقدّمي الرعاية على البيئة المنزلية.
- العوامل الاجتماعية والاقتصادية: التعرض للعنف المجتمعي، والوضع الاجتماعي والاقتصادي المنخفض، والضغوط الاجتماعية والاقتصادية المماثلة ترتبط بارتفاع مخاطر اضطرابات السيطرة على الانفعالات.
- الأمراض المصاحِبة: الأمراض المصاحِبة هي حالات تحدث في الوقت نفسه. يعد اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD) مرضًا مشتركًا شائعًا عند المصابين بهوس إشعال الحرائق. يمكن أن يجد الأشخاص المصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه صعوبة في التحكم في الدوافع، مما قد يعني أنهم أكثر عُرضة لاضطرابات التحكم في الانفعالات.
- كيماويات الدماغ: يُنتِجُ دماغك موادَّ كيميائية تتحكم في طريقة تفكيرك وتصرفك وشعورك. قد يكون الأشخاص الذين يعانون من اختلال التوازن الكيميائي في أدمغتهم أكثر عرضة للإصابة بهوس إشعال الحرائق.
- محفزات: في بعض الأحيان، يمكن أن تسبب بعض المحفزات، مثل فكرة أو دواء، تغييرات في المواد الكيميائية في دماغك. قد يقودك هذا إلى ربط اندلاع حريق بالشعور بالرضا.
الوراثة وهوس إشعال الحرائق
في حين أن الأبحاث محدودة في هذا المجال، يعتبر هذا الهوس وراثيًّا إلى حد ما. هذا يعني أنه قد يكون فيه مكوِّن وراثي، وهذا لا يقتصر فقط على هوس إشعال الحرائق؛ إذْ تُعتَبر العديد من الاضطرابات النفسية وراثية.
قد يأتي المكوِّن الوراثي من الجينات أيضًا، فقد يتأثّر بجيناتنا الناقلان العصبيان الدوبامين والسيروتونين، اللذان يساعدان في تنظيم التحكم في الانفعالات.
هوس إشعال الحرائق عند الأطفال
لا يتم تشخيص هوس إشعال الحرائق في كثير من الأحيان حتى سن 18 عامًا تقريبًا، على الرغم من أن أعراض هوس إشعال الحرائق قد تبدأ في الظهور عند سن البلوغ.
يشير تقرير واحد على الأقل إلى أن ظهور هوس إشعال الحرائق يمكن أن يحدث مبكرًا في سن 3 سنوات، كما يمكن أن يحدث بدء إشعال الحريق كسلوك أيضًا عند الأطفال لعدد من الأسباب الأخرى التي قد لا يشمل أي منها الإصابة بهوس إشعال الحرائق.
في كثير من الأحيان، يقوم عديد من الأطفال أو المراهقين بالتجربة، أو لديهم فضول بشأن إشعال النيران أو اللعب بالنيران، وهذا يعتبر تطورًا طبيعيًا. في بعض الأحيان يُطلَق عليه "حالة فضول النيران".
إذا أصبح إشعال الحرائق مشكلة، أو كان لديهم نية لإحداث أضرار جسيمة، فغالبًا ما يتم التحقيق في الأمر باعتباره أحد أعراض حالة أخرى، مثل اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، أو اضطراب السلوك، بدلاً من هوس إشعال الحرائق.
من الأكثر عُرضة لخطر الإصابة بهوس إشعال الحرائق؟
لا توجد أبحاث كافية للإشارة إلى عوامل الخطر التي قد تؤدي إلى إصابة شخص ما بهوس إشعال الحرائق. تشير الأبحاث القليلة التي أُجْرِيت إلى أن الأشخاص المصابين بهوس إشعال الحرائق هم من الذين:
- أعمارهم حول سنّ 18 عند التشخيص.
- أكثر عرضة للإصابة بصعوبات التعلم، أو يفتقرون إلى المهارات الاجتماعية.
- يمكن لأي شخص أن يصاب بهوس إشعال الحرائق، ومع ذلك، مثل العديد من اضطرابات السيطرة على الانفعالات، فإن هوس إشعال الحرائق يؤثّر على الذكور أكثر من الإناث. وليس من الواضح سبب ذلك.
- يذكر الخبراء أن هوس إشعال الحرائق غالبًا ما يحدث مع اضطرابات الصحة العقلية الأخرى، وقد يكون لدى الشخص المصاب بهوس إشعال الحرائق تشخيصات أخرى، مثل اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
- يمكن للأطفال أيضًا أن يصابوا بهوس إشعال الحرائق. في الواقع، غالبًا ما تظهر أعراض هوس إشعال الحرائق واضطرابات السيطرة على الانفعالات الأخرى في مرحلة الطفولة أو المراهقة. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن العديد من الأطفال الذين يشعلون الحرائق يفعلون ذلك بدافع الفضول فقط.
تشخيص هوس إشعال الحرائق
نادرًا ما يتم تشخيص الإصابة بهوس إشعال الحرائق، ويرجع ذلك جزئيًا إلى معايير التشخيص الصارمة، ونقص الأبحاث العلمية حوله. غالبًا ما يكون التشخيص صعبًا لأن شخصًا ما سيحتاج إلى طلب المساعدة كثيرًا، والكثير من الناس لا يفعلون ذلك.
في بعض الأحيان، لا يتم تشخيص هوس إشعال الحرائق إلا بعد أن يذهب الشخص للعلاج بسبب حالة مختلفة، مثل اضطراب المزاج والاكتئاب. أثناء علاج الحالة الأخرى، قد يبحث اختصاصي الصحة العقلية عن معلومات حول التاريخ الشخصي، أو الأعراض التي يقلق الشخص بشأنها، وربما بدأ بإشعال الحرائق.
من هناك، يمكنهم إجراء مزيد من التقييم لمعرفة ما إذا كان الشخص يناسب المعايير التشخيصية لهوس إشعال الحرائق أم لا.
إذا تم توجيه تهمة الحَرق العَمد إلى شخص ما، فقد يتم تقييمه أيضًا كحالة هوس إشعال الحرائق، اعتمادًا على أسبابه ودوافعه وراء بدء إشعال الحرائق.
علاج الهوس إشعال الحرائق
يمكن أن يكون هوس إشعال الحرائق مزمنًا إذا تُرك دون علاج، لذلك من المهم طلب المساعدة. يمكن أن تتعافى هذه الحالة، ويمكن لمجموعة من العلاجات أن تسيطر عليها.
لا يوجد علاج واحد يصفه الأطباء لهوس إشعال الحرائق. سيختلف العلاج، وقد يستغرق الأمر وقتًا للعثور على أفضل حل، أو مجموعة حلول مناسبة لك. تشمل الخيارات:
- العلاجات السلوكية، مثل العلاج بالنفور.
- مضادات الاكتئاب، مثل مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs).
- الأدوية المضادة للقلق (مزيلات القلق).
إذا تعرض الطفل لهوس إشعال الحرائق، أو تم تشخيصه بهوس إشعال الحرائق، فقد تكون هناك حاجة أيضًا إلى علاج مشترك أو تدريب للوالدين.
أظهر العلاج السلوكي المعرفي تأثيرًا مساعِدًا في معالجة دوافع الشخص ومحفزاته. يمكن للطبيب أيضًا مساعدتك في التوصل إلى تقنيات للتعامل مع الدافع.
قد يشمل العلاج السلوكي المعرفي ما يلي:
- تحديد سبب الدافع.
- تصحيح السلوك أو القضاء عليه.
- تغيير السلوك أو الاندفاع.
- استبدال العادة القديمة بأخرى أفضل.
- إيجاد طرق فعالة للتأقلم.
- المراقبة الذاتية.
- استخدام نظام الأصدقاء في المواقف الخطرة.
- تدريب مهارات حل المشكلات.
- تدريب الاسترخاء.
- التفكير في العواقب السلبية.
- السلامة من الحرائق والوقاية منها.
- العلاج الأسري.
- العلاج الفردي.
الخلاصة
الهوس بافتعال الحرائق هو حالة نفسية نادرًا ما يتم تشخيصها، وهو يختلف عن إشعال النيران أو الحَرق المتعمَّد. في حين أن الأبحاث فيه محدودة بسبب ندرته، فإن الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، الطبعة الخامسة (DSM-5) يعرّفه بأنه اضطراب في السيطرة على الانفعالات مع معايير تشخيصية محددة.
إذا كنت تعتقد أنك، أو أي شخص تعرفه، يعاني من هوس إشعال الحرائق، أو كنت قلقًا بشأن الانبهار غير الصحي بالنار، فاطلب المساعدة. لا يوجد ما تخجل منه، والمغفرة ممكنة.
المصادر:
