يصوم المسلمون الأصحاء جمعاً لمدة شهر قمري واحد في السنة، وهو شهر رمضان، وذلك بأن يمتنعوا عن تناول أي شيءٍ من الشرب أو الطعام من أول الفجر وحتى مغيب الشمس. وقد وجدت دراسات علمية عدة أن صيام هذا الشهر له الكثير من الفوائد التي تنعكس على نفسية الصائم، منها أن هرمون السعادة يزداد إفرازه بشكل كبير مع نهاية الشهر، أكثر من هرمون المتعة. تابع معنا قراءة المقال لتعرف الرابط الكبير الذي يجمع بين الصيام والصحة النفسية لدى الصائم.
ما الفرق بين السعادة والمتعة؟
دعونا نفرّق أولاً بين أمرين: المتعة والسعادة، السعادة مختلفة، فهي إحساس داخلي يسود من خلاله الهدوء والسلام، وقد تكون السعادة ناتجة عن أحداث أو عوامل خارجية، لكنها لا تعتمد عليها، إنها إحساس بالهدوء الداخلي والرضا.
مع أن السعادة تشبه المتعة في بعض النواحي، إلا أنها مختلفة، فأنت عادة ما تشعر بالسعادة عندما يتم حل مشكلة ما، أو عندما تتلقى أخباراً جيدة، أو عندما يتم تحقيق هدف ما، أو عندما تربح مبلغاً كبيراً من المال. إحساسك بالسعادة يعني أنك تشعر بالحرية وكأن الشمس تشرق عليك، ولا تقلق ولا شيء يزعجك، إنها حالة بهجة وسلام لبضع لحظات، تشعر كما لو أنه تم رفع العبء، ولا تشعر بأي مخاوف أو شكوك، ولا تفكر في الشيء التالي الذي ستفعله.
أما المتعة هي حالة تشعر فيها بالرضا وتستمتع بما تفعله لمدة مؤقتة، وتحدث المتعة عادةً بسبب منبهات خارجية، وغالباً ما تشمل الحواس الخمس، وفيما يأتي بعض الأمثلة على ذلك:
- نتمتع بالدفء تحت البطانية في أيام الشتاء الباردة.
- نشعر بالمتعة عندما نأكل شريحة لذيذة من الكعك أو الطعام.
- قد نستمد المتعة أيضاً من قراءة كتاب ومن أحلام اليقظة.
- نستمتع برائحة النسيم اللطيف في يوم حار، أو من رؤية شخص جميل.
ما العوامل التي تربط الصيام والصحة النفسية معاً؟
يحفز الصيام إنتاج بروتين في الخلايا العصبية يسمى عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ (BDNF)، ويقوم هذا البروتين بأدوارٍ مهمة في التعلم والذاكرة وتوليد خلايا عصبية جديدة في الحُصين، ويجعل هذا البروتين (BDNF) الخلايا العصبية أكثر مقاومة للإجهاد، ويحفز الصيام أيضاً عملية تسمى الالتهام الذاتي، إذ تزيل الخلايا الجزيئات التالفة والميتوكوندريا المختلة وظيفياً، وتوقف نمو الخلايا التالفة؛ لذا فإن الخلايا العصبية تقوم بنوعٍ من "الحفاظ على الموارد ومقاومة الإجهاد" أثناء الصيام، وبعد الصيام وعندما يأكل الكائن الحي، تتحول الخلايا العصبية إلى وضع "النمو"، فهي تصنع الكثير من البروتينات وتنمو وتشكل مشابك عصبية جديدة، ويعتقد العلماء أن الانتقال من دورات التحدي الأيضي هذه، سواء كانت تمارين رياضية أو صياماً، إلى فترة التعافي قد تحسن المرونة العصبية والتعلم والذاكرة ومقاومة الدماغ للتوتر.
وكذلك يحفّز الصيام إفراز كلٍ من (السيروتونين) الذي يسمى بهرمون السعادة، و(الدوبامين) الذي يسمى بهرمون المتعة، ولكن هل كل من امتنع عن الطعام والشراب تحفّزت لديه هذه المفرزات؟ ما رأي العلم في ذلك؟
الصيام طريق للسعادة أكثر من المتعة
في دراسة بشرية أجريت عام 2017 وجد الباحثون أن تقييد السعرات الحرارية يمكن أن يساعد في صحة الجهاز العصبي من خلال التأثير على التغذية العصبية والناقلات العصبية والأيض الجذري للأكسجين. وقد أجري فحص لمستويات البلازما من هرمون السعادة (السيروتونين) وهرمون المتعة (الدوبامين) وعامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ بروتين (BDNF) وعامل نمو الأعصاب (NGF) في 29 شخصاً يتمتعون بالصيام الصحي (22 امرأة و7 رجال) خلال شهر رمضان، ثم جرى قياس مستويات هذه العوامل ثلاث مرات، قبل يومين من شهر الصيام كعنصر ضبط، وفي اليومين الرابع عشر والتاسع والعشرين من رمضان كمجموعات اختبار. وحسب الدراسة التي أجراها الباحثون، فقد زادت مستويات البلازما من السيروتونين وبروتين (BDNF) و(NGF) بشكل ملحوظ خلال شهر رمضان مقارنةً بمجموعة الضبط.
ما عوامل التغذية العصبية وما وظائفها؟
عوامل التغذية العصبية هي جزيئات كيميائية حيوية، والتي لها دور مهم في تمايز الخلايا العصبية وبقائها على قيد الحياة، وتُعرف هذه العوامل باسم عوامل النمو العصبي، وهي قادرة على إصلاح الخلايا العصبية التالفة، وبالتالي يمكن أن تمنع الأمراض التنكسية العصبية، وقد أجريت عدد من الدراسات للتحقق من السمات العلاجية لهذه العوامل في الحفاظ على الخلايا العصبية وبقائها على قيد الحياة في السنوات الأخيرة.
على سبيل المثال، يؤدي عامل نمو الأعصاب (NGF) دوراً مهماً في الحفاظ على التفاعل المتوازن بين جهاز المناعة والغدد الصماء والجهاز العصبي، فالدوبامين والسيروتونين، كنواقل عصبية، لها تأثيرات عصبية، وقد ثبت أيضاً أن للدوبامين تأثيرات تغذوية عصبية، ويعتقد أن انخفاض السيروتونين عند الناس هو أحد العوامل المسؤولة عن أعراض الاكتئاب لدى مرضى الفصام.
كما أظهرت بعض الدراسات أن تقييد السعرات الحرارية يمكن أن يخفف من شدة العجز الكيميائي العصبي والخلل الوظيفي الحركي في مرض باركنسون، وأظهرت أيضاً أن مستويات عامل التغذية العصبية المشتق من خط الخلايا الدبقية، والذي له دور مهم في بقاء الخلايا العصبية للدوبامين، قد ازداد بشكل ملحوظ في النواة المذنبة للقرود المقيدة السعرات الحرارية، مما يشير إلى دور هذا العامل في مكافحة مرض باركنسون.
وأفادت مراجعة حديثة على دراسات الحالة المزاجية أن الصيام والصحة النفسية للصائم لهما تأثير بشكل كبير بعد الامتناع عن الطعام لساعات متعددة على الحالة المزاجية، وأن الصيام المعدل لدى البشر خلال الأيام السبعة الأولى يزيد من مستويات الدوبامين في البلازما وبعض النواقل العصبية الأخرى.
الأسئلة الشائعة
هل الصيام والصحة النفسية مرتبطان؟
يُعتبر الصيام أداءً قديمًا جداً يحمل فوائد صحية متعددة، بما في ذلك تعزيز الصحة النفسية من خلال:
- تنظيم الناقلات العصبية.
- تعزيز ضبط النفس.
- تحسين جودة النوم.
- تنمية الشعور بالامتنان.
هل الصيام يحسن المزاج؟
مكن أن يُساهم الصيام في تحسين المزاج، وذلك من خلال عدة آليات بيولوجية ونفسية. أثناء الصيام، يُلاحظ زيادة في إفراز هرمونات مثل الإندورفينات والسيروتونين، والتي تُعزز الشعور بالسعادة والاسترخاء، مما يُحسّن المزاج العام ويُقلل من التوتر والقلق
نصيحة من موقع صحتك
يهلّ شهر رمضان على الأمة الإسلامية كل سنة، حاملًا خيراته البدنية والنفسية، وفي كل سنة تكشف لنا الأبحاث العلمية المزيد من فوائد صيامه، وأحد نتائج هذه الأبحاث هي حصولك على السعادة والرضا في النهار، والمتعة بتناول الطعام في الليل، وهذا على عكس ما يروّج له من أن الصيام ينهك حالتنا البدنية.
أمر آخر نشير إليه يخص طلابنا الأعزاء في المدارس والجامعات، وهو أن الصيام لن يؤثر على قدراتهم في المذاكرة والدراسة، بل على العكس، يزيد منها ويرفعها، لذلك يمكنهم الصيام والتحضير للامتحانات دون خوفٍ أو قلق، إلا إذا كانت هناك حالة مرضية تتطلب استشارة الطبيب، وهكذا تصبح العلاقة بين الصيام والصحة النفسية مترابطة متكاملة ذات تأثير إيجابي على الصحة النفسية والذهنية.