تأثيرات الجوع الصحية على أهل غزة في ظل الحرب

يعاني أهلنا في قطاع غزة من الجوع، ففي تقرير تم نشره مؤخراً من قبل لجنة من الأمم المتحدة، فإن أكثر من 90% من سكان القطاع، البالغ عددهم أكثر من مليونين و200 ألف نسمة، يواجهون أزمة جوع لا سابقة لها، بل هي الأخطر على مستوى العالم، بسبب الهجوم المدمر لجيش الاحتلال على القطاع، وتخريبه البنى التحتية، وإجبار السكان على النزوح القسري، ما حرمهم من إمكانية العثور على الطعام لسد رمقهم وإسكات جوعهم من أجل بقائهم على قيد الحياة. فما تأثيرات الجوع الصحية على اهالي القطاع؟

وفي هذا الإطار؛ قال مدير منظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس غيبريسوس، في منشور له على منصة إكس، إن الجوع يُضعِف دفاعات الجسم، ويفتح الباب أمام الأمراض التي يمكن أن تكون قاتلة، خاصة للأطفال.

ماذا يعني الجوع؟

إن الجوع، وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، هو إحساس جسدي غير مريح أو مؤلم، ناجم عن عدم استهلاك ما يكفي من الطاقة الغذائية للعيش حياة طبيعية ونشطة وصحية، وفي كثير من الأحيان يشار إلى الجوع بأنه نقص في التغذية.

تأثيرات الجوع الصحية

عدم الحصول على الغذاء والتغذية السليمة يعرِّض ضحاياه لسوء التغذية، لأنهم لا يحصلون على كفايتهم من المغذيات والسعرات الحرارية الضرورية لعمل أعضاء الجسم المختلفة، الأمر الذي يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض والآثار الصحية التي قد تكون مميتة. نستعرض في السطور الآتية أبرز الآثار الصحية:

• يؤثر الجوع على الصحة العامة

يمكن أن يؤثر الجوع على الصحة العامة من جوانب مختلفة، فسوء التغذية يمكن أن يضعف ويثبط عمل جهاز المناعة، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام زيادة الإصابة بالعدوى والالتهابات، وفي الحالات القصوى يمكن أن يؤدي الجوع إلى الموت.

ومن تأثيرات الجوع الصحية زيادة الإصابة بالأمراض المزمنة، مثل ارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب، والداء السكري النوع الثاني، وأنواع معينة من السرطان.

وكلما طال أمد الجوع لاحت في الأفق مخاطره الصحية السلبية، مثل الضعف العام، والتعب، وفقدان الوزن، وضمور العضلات، والهشاشة العظمية، وفقر الدم، وضعف المناعة، وعدم القدرة على تحمل البرد، والجفاف، والإمساك، وهبوط ضغط الدم، والدوخة، وعدم انتظام دقات القلب، واضطرابات الدورة الشهرية، وتراجع القدرات الإدراكية والمعرفية، وصعوبات على صعيد النوم والتركيز وأداء المهام الحياتية اليومية، كما يمكن للجوع أن يسبب إعاقات لا رجعة فيها لدى الكبار والصغار على حد سواء.

• تأثيرات الجوع الصحية على مقاومة الأمراض

يؤثر الجوع بشكل كبير ومباشر على قدرة الجسم على مقاومة الأمراض، فسوء التغذية يؤدي إلى نقص الواردات من المغذيات الأساسية التي تدعم جهاز المناعة، ما يجعله عاجزاً عن مواجهة الأمراض المعدية، مثل السل والإنفلونزا والالتهاب الرئوي وسواها.

فمن تأثيرات الجوع الصحية انخفاض مستويات الطاقة، والإصابة بالإرهاق الجسدي، ما يجعل من الصعب على الخلايا المناعية في الجسم مقاومة مسببات الأمراض، ويؤثر على قدرة الجسم على محاربة العوامل الأجنبية، ويزيد من تفاقم الأمراض الموجودة بسبب نقص التغذية وضعف المناعة.

• يؤثر الجوع على الصحة العقلية والنفسية

يُعَد الجوع من أكثر الظروف التي تضر بالصحة العقلية والنفسية لأي شخص كان، لأنه يؤثر على كل جانب من جوانب الحياة تقريباً.

وتعتبر مواجهة الجوع في زمن الحرب شيئاً مرهقاً وقاسياً للغاية، خاصة مع انعدام الأمن الغذائي، ووجود شكوك قوية بعدم إمكانية الحصول على الوجبة التالية، الأمر الذي يولّد مشكلات على صعيد الصحة العقلية والنفسية، مثل القلق المستمر، والاكتئاب، واضطراب ما بعد الصدمة. كشفت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال أن الأمهات اللاتي لديهن أطفال في سن المدرسة ويعانين من الجوع الشديد هم أكثر عرضة للإصابة باضطرابات ما بعد الصدمة بنسبة تزيد عن 56 بالمئة، وأكثر عرضة للاكتئاب الشديد بنسبة تفوق 53 بالمئة.

وإذا استمر الجوع لفترات طويلة فإنه يزيد من احتمال الإصابة بالعصبية والأرق والقلق والاكتئاب، لأنه يولِّد ضغطاً هائلاً على الفرد، ما يجعله في مواجهة أمرين أحلاهما مُرّ، إما العجز أو الهزيمة.

وقد تكون العدوانية إحدى سمات الجوع، خاصة إذا ما دام لفترة طويلة، وفي هذا الإطار تقول البروفيسورة كريستين لي، مختصة أمراض جهاز الهضم بمستشفى كليفلاند كلينيك، بأن هناك سبباً فيزيولوجياً يجعل الناس يصابون بالغضب عندما يكونون جائعين، وتتابع البروفيسورة لي قائلة: عندما لا نأكل لفترة من الوقت ينخفض سكر الدم، وتنطلق سلسلة من الهرمونات في مجرى الدم، من بينها هرمون التوتر الكورتيزون المسبّب للعدوانية، وهرمون الأدرينالين المسبّب للغضب، من أجل رفع سكر الدم وإعادة التوازن الطبيعي له.

وقد يسبب الجوع ضغطاً إدراكياً كبيراً، الأمر الذي يؤثر على قدرات الشخص على اتخاذ القرارات، وإلى زيادة ملحوظة في ارتكاب الأخطاء.

• تأثيرات الجوع الصحية على نمو الأطفال وصحتهم وتطورهم وتحصيلهم المدرسي

يرتبط الجوع بنتائج صحية سيئة في عالم الطفولة وهو من أبرز تأثيرات الجوع الصحية على أطفال غزة، فهو يعرقل النمو الجسدي والنمو المعرفي للأطفال، ما يؤثر سلباً على نتائجهم التعليمية وعلى نوعية حياتهم بشكل عام. تشير دراسات عديدة إلى وجود علاقة بين الشعور بالجوع في مرحلة الطفولة والعديد من المشكلات الجسدية والنفسية والاجتماعية في وقت لاحق من الحياة.

ويظهَر تأثير الجوع على النمو الجسدي عند الأطفال من خلال المعاناة من الهزال والضعف في العظام، وتوقّف النمو، وقصر القامَة، وزيادة مخاطر التعرض للأمراض.

أما تأثير الجوع على النمو العقلي والمعرفي فيتمثل في جَعل الطفل غير قادر على التركيز، فيصبح غريب الأطوار، ومفْرِط النشاط والعدوانية، ما يؤدي إلى تشتيت انتباهه، وإلى تقاعسِه عن أداء واجباته الدراسية والمدرسية، إلى جانب وجود صعوبات على صعيد التعلم والفهم والتفكير وتذكّر المعلومات. هناك معطيات تفيد أن 50 بالمئة من الأطفال الذين يعانون من الجوع يتعرضون للرسوب ويحتاجون إلى إعادة الصف الدراسي.

على أرض الواقع؛ فإن الأطفال قد يتأثرون بالجوع حتى قبل ولادتهم، فقد أظهرت البحوث أن انخفاض مستويات الحديد قبل الولادة يمكن ربطه بالتحديات التي تتعلق بفهم اللغة واتباع التوجيهات خلال السنوات الخمس الأولى من عمر الطفل.

أكثر من هذا وذاك، فقد يكون الجوع في مرحل الطفولة أحد العوامل الأكثر خطورة لتحديات الصحة العقلية، وأنه يمكن أن يلعب دوراً في التعرض لمخاطر الاكتئاب، والاضطرابات المزاجية والسلوكية، والميول الانتحارية في مرحلة المراهقة والشباب.

• يزيد الجوع من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة

يؤدي الجوع إلى عدم حصول الجسم على العناصر الغذائية اللازمة للعقل والعضلات والأعضاء المختلفة، فلا تعمل بشكل جيد، الأمر الذي يترتب عليه زيادة في مخاطر التعرض للأمراض المزمنة.

وفقاً لوزارة الزراعة الأميركية، فإن هناك علاقة قوية ما بين الجوع والإصابة بالأمراض المزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب والأوعية الدموية، وداء السكري.

وإذا أخذنا بنتائج دراسة نُشرت حديثاً في مجلة جمعية القلب الأميركية وشملت أكثر من 27000 من البالغين بين عامي 1999 و2014، فقد وجد الباحثون المزيد من أمراض القلب والأوعية الدموية والوفيات بين أولئك الذين أبلغوا عن تعرضهم للجوع.

• يؤثر الجوع على الحوامل

يؤدي الشعور بالجوع إلى عدم قدرة الأم الحامل على تلبية احتياجاتها الغذائية، ما يعرِّضها إلى مشكلات صحية عديدة مثل فقر الدم، وارتفاع ضغط الدم، والولادة المبكرة، والإجهاض، وانخفاض وزن المولود عند الولادة، وربما إلى تعرض الأم للوفاة.

أدى الحرب المدمرة إلى تجويع أهلنا في قطاع غزة، فأصبحوا غير قادرين على تأمين احتياجاتهم الغذائية الضرورية لقيام أعضاء الجسم المختلفة بوظائفها الحيوية، ما جعلهم عرضة لمضاعفات صحية، جسدية وعقلية، خطيرة للغاية، ولعل أخطرها الموت جوعاً. وجَدت دراسة كندية أجريت عام 2010 وشملت 5800 طفل تراوحت أعمارهم من 10 إلى 15 عاماً، نُشرت نتائجها في مجلة أرشيف طب الأطفال، أن أولئك الذين عانوا على الأقل من نوبتَين من الجوع كان تدهور الصحة عندهم أعلى بخمس مرات تقريباً مقارنة بأطفال آخرين لم يعانوا من الجوع قط، فما بالكم بأطفال غزة الذين عانوا ويعانون من نوبات تُعَد ولا تحصى من الجوع، فتباً للجوع، وتباً لمن يقف خلفه.