ما هو رأي العلماء بعلاقة الزواج؟
قامت جامعة هارفارد منذ فترة قريبة بنشر دراسة مهمة تمت على مدى 75 عاماً للوصول لأهم العوامل التي تُحدث فرقاً حقيقياً في حياة البشر خلال سنوات حياتهم، تمت الدراسة على عدد كبير وأجيال متتالية من الناس، بواسطة أجيال مقابلة من الباحثين، وكان التصور السائد والإجابة التقليدية لمعظم الناس في أول الدراسة أن المال والشهرة هي أكثر العوامل المتوقع لها أن تُحدث فرقاً في حياتهم.
لكن وبعد خمسة وسبعين عاماً من الاختبارات النفسية المعقدة والتصوير المتتالي بالرنين المغناطيسي، والتحاليل الطبية الدقيقة على المشاركين في البحث وأبنائهم وأحفادهم، توصل الباحثون إلى ارتباط عامل واحد فقط بتحسن الصحة النفسية والجسدية، وطول العمر، والسعادة، والقدرة على مقاومة الأمراض والأحزان وتجنب ضعف الذاكرة والشيخوخة، هذا العامل هو وجود علاقات طيبة مع من حولنا، ولوحظ على المشاركين في الدراسة ممن لم تتوفر لهم علاقات طيبة في معظم فترات حياتهم أنهم كانوا أقصر أعماراً، وأكثر عرضة للإصابة بالأمراض النفسية والجسمية، وأقل قدرة على تحمل الآلام، وأسرع إصابة بالشيخوخة وبضعف الذاكرة ومرض ألزهايمر.
هل الزواج علاقة صحية ؟
العلاقة الطيبة لا تعني إطلاقاً علاقة خالية من المشكلات والخلافات والشد والجذب، بل على العكس، كثير من العلاقات الطيبة تملؤها المشاحنات والخلافات، لكنها في كل مراحلها ودرجاتها وصورها تتميز بأن كل طرف فيها قادر على الثقة بالطرف الآخر، والاعتماد عليه وعلى كونه متاحاً وقت الحاجة مهما حدث بينهما.
العلاقات الطيبة هي أكسير الحياة، وهي الترياق الوحيد ضد الذبول الروحي، والموت النفسي. نفوسنا البشرية، بل وتركيبات ووصلات عقولنا وأدمغتنا، هي عبارة عن شبكة هائلة من العلاقات، لن أتحدث عن الوسواس القهري أو الاكتئاب أو الشخصية الحدية أو غيرها، بقدر ما سأتحدث عما وراء ذلك، وما يؤدى إليه، وما هو أعمق من أبعادها الوصفية الطبية.
ولتسأل نفسك ولتسألي نفسك: هل الزواج علاقة صحية ؟ وأقول لك دون أي حساسيات: لا يا صديقي، لا يا صديقتي، الزواج في حد ذاته ليس معناه على الإطلاق نجاح العلاقة بين اثنين، وليس ضماناً لاستمرار الحب، وقد لا يكون علاقة من الأساس.
الزواج في حقيقته هو فقط إطار لعمل علاقة، بمعنى أن الزواج هو فرصة لعمل علاقة بين طرفين، هو وسط ملائم لتكوين علاقة بين اثنين، وكل ما قبل الزواج من حب أو استلطاف أو معرفة أندية أو غيرها، يستوي ويتشابه في أنه طريق يمهد لوضع الطرفين في المكان والظروف المناسبة لصنع وإنجاح أو إفشال هذه العلاقة، ويتوقف ذلك تماماً على نية وفعل واجتهاد كل من شريكَي الحياة، الذين سيكون أمامهما حينها أحد اختيارين:
إما أن يقوما بخلق وترسيخ ورعاية علاقة حقيقية بينهما، يكون فيها كل منهما نفسه كما هي، بكاملها، دون رتوش أو مخاوف أو حسابات، وبقبول كامل للطرف الآخر، دون شروط أو تعجيزات أو تهديدات. علاقة يشعر كل من طرفيها بالحرية، في نفس الوقت الذى ينتمي فيه للزواج والأسرة والمنزل.
علاقة يحيا كل من فيها ويستمتع بحياته، في نفس الوقت الذي يسمح فيه للطرف الآخر بالحياة والاستمتاع بها.
علاقة يكون لكل من فيها ذاتيته واستقلاله ودوائر عمله ومعارفه وأفكاره وأحلامه، مع بعض خطوط التلاقي والتوازي والتماس، وكذلك الاختلاف، مع الطرف الآخر.
فقد يدخلا في علاقة مريضة وغير حقيقية بالمرة، فيختزل كل منهما الآخر، ويعيش معه بجزء صغير من نفسه، في غياب واختفاء باقي الأجزاء، أو يخنق كل منهما الآخر، بحبل غليظ من الهموم والمشاكل والشكوك، أو يقوم كل منهما بتعجيز الآخر، دون رضا ولا قناعة ولا رحمة، أو أن يعلق كل منهما حياته ووجوده وسعادته ورضاه على الآخر، دون أي مراعاة للضعف والخطأ الإنساني الوارد كل يوم.
نصيحة من موقع صحتك
الزواج هو أن تختار بين تكرار سيناريوهاتك القديمة أو سيناريوهات أسرتك أو أقاربك أو معارفك أو أصحابك، أو أن تكتب سيناريو جديدا تماماً لك ولشريك حياتك، بكامل وعيك وإرادتك ومسؤوليتك. وعند طرح السؤال ذاته مجدداً، هل الزواج علاقة صحية في الأساس؟ فالإجابة ليست نموذجة وثابتة, فسعادتك الزوجية تعتمد على حسن اختيارك لشريك حياتك، وعلى قرارك الداخلي ونيتك الصادقة لإنشاء أسرة سعيدة.
الزواج ونجاحه أو فشله هو قرار يتجدد كل يوم وكل دقيقة وكل لحظة، تماماً كالتنفس ونبض القلب، فالزواج ليس هو النهاية كما في أفلامنا العربية, الزواج بداية الحياة. الزواج إما أرض خصبة لزرع الحب أو أرض وعرة لزرع الكراهية. وكما يقول البعض: الزواج إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار.
