أصبحنا نعيش في عالم رقمي يسهل فيه الوصول إلى جميع الأخبار والمعلومات من مختلف المصادر، فعندما تستيقظ من نومك، تمسك هاتفك لتنهال عليك إشعارات عن آخر أحداث غزة، وعندما تركب سيارتك للذهاب إلى العمل تستمع إلى الراديو، وتسمع خبرًا عن قصف مستشفى أو مدرسة أو بيت، هذا عدا عن أعداد الشهداء. وعند عودتك للمنزل، تجلس أمام التلفاز ولا يطاوعك قلبك مشاهدة أي شيء آخر سوى قنوات الأخبار.
لاحظ كثيرون بعد معايشة الأحداث الراهنة عبر الشاشات حدوث تغيرات عديدة ومتقلبة في مشاعرهم، ففي بداية الأحداث، كان التعبير عن الحزن متمثلاً في البكاء وتدهور المزاج، لكن مع تراكم الصدمات يوماً بعد يوم، لاحظ كثيرون تبلُّداً في المشاعر، إذ أصبح معظمنا عاجزاً حتى عن البكاء، وكل هذا ناتج عن اضطرابات نفسية متعددة، أبرزها اضطراب ما بعد الصدمة.
ما هو اضطراب ما بعد الصدمة؟
اضطراب ما بعد الصدمة هو اضطراب يتطوّر لدى بعض الأشخاص الذين تعرّضوا لحدث صادم أو مخيف أو خطير.
من الطبيعي أن تشعر بالخوف أثناء وبَعد المواقف المؤلمة، فالخوف هو جزء من استجابة الجسم الطبيعية في حالةٍ تُعرف بالكَرّ والفَرّ، مما يساعدنا على تجنب الخطر المحتمل أو الاستجابة له. وقد يواجِه الأشخاص مجموعة من ردود الفعل بعد الصدمة، ويتعافى معظم الأشخاص من الأعراض الأولية بمرور الوقت، أما أولئك الذين لا يزالون يعانون من المشكلات، فقد يتم تشخيصهم باضطراب ما بعد الصدمة.
ولا يُشترط للشخص المصاب باضطراب ما بعد الصدمة أن يتعرّض للمواقف المؤلمة بنفسه، لكن مشاهدَة شخص آخر يتعرض للمواقف الصادمة والمؤلمة، كما يَحدث الآن مع أهلنا في غزة، يمكن أن يسبب الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة.
ما هي أعراض اضطراب ما بعد الصدمة؟
تبدأ أعراض اضطراب ما بعد الصدمة عادةً خلال 3 أشهر من وقوع الحدَث الصادم، لكنها قد تظهر أحياناً لاحقاً. وفي النظر إلى معايير هذا النوع من الاضطراب، يجب أن يعاني الشخص من أعراض لمدة تزيد عن شهر واحد، ويجب أن تكون الأعراض شديدة بما يكفي للتدخل في جوانب الحياة اليومية، مثل العلاقات أو العمل.
ويختلف مَسار الاضطراب من شخص لآخر، إذ يتعافى بعض الأشخاص في غضون 6 أشهر، بينما يعاني البعض الآخر من أعراض قد تستمر لمدة عام أو أكثر، وغالباً ما يعاني الأشخاص المصابون باضطراب ما بعد الصدمة من حالات متزامنة في وقت واحد، مثل الاكتئاب أو تعاطي المخدرات، أو واحد أو أكثر من اضطرابات القلق.
بعد وقوع حدَث خطير، من الطبيعي أن تظهَر بعض الأعراض. على سبيل المثال، قد يَشعر بعض الأشخاص بالانفصال عن التجربة، كما لو أنهم يراقبون الأمور بدلاً من معايشتها. يمكن لاختصاصيّ الصحة النفسية الذي لديه خبرة في مساعدة الأشخاص الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، مثل الطبيب النفسي أو الاختصاصي النفسي أو الاختصاصي الاجتماعي السريري، تحديد ما إذا كانت الأعراض تستوفي معايير تشخيص حالة الاضطراب التالي للصدمة.
تشخيص اضطراب ما بعد الصدمة
ولتشخيص اضطراب ما بعد الصدمة، يجب أن يكون لدى الشخص البالغ كل ما يلي من أعراض لمدة شهر واحد على الأقل:
- ظهور عرَض واحد على الأقل من أعراض إعادة التجربة وكأنها تَحدث من أخرى.
- ظهور عرَض واحد على الأقل من أعراض التجنّب.
- ظهور اثنين على الأقل من أعراض الإثارة والتفاعل.
- ظهور اثنين على الأقل من الأعراض الإدراكية والمزاجية.
وتتضمن أعراض استعادة التجربة ما يلي:
- استعادة ذكريات الماضي، مثل إعادة معايشة الحدَث الصادم، بما في ذلك الأعراض الجسدية، مثل تسارع ضربات القلب أو التعرق.
- وجود ذكريات أو أحلام متكررة تتعلق بالحدَث.
- وجود أفكار مزعجة.
- المعاناة من علامات الإجهاد الجسدية.
يمكن أن تؤدي الأفكار والمشاعر إلى ظهور هذه الأعراض، وكذلك الكلمات أو الأشياء أو المواقف التي تذكّرنا بالحدث.
وتتمثل أعراض التجنّب ما يلي:
- الابتعاد عن الأماكن أو الأحداث أو الأشياء التي تذكّرنا بالتجربة المؤلمة.
- تجنب الأفكار أو المشاعر المتعلقة بالحدث الصادم.
وقد تؤدي أعراض التجنّب إلى تغيير الأشخاص لروتينهم، على سبيل المثال، كتجنّب تصفّح مواقع التواصل الاجتماعي أو تجنّب مشاهدة الأخبار
كيف تحمي نفسك من اضطراب ما بعض الصدمة؟
هناك عدة أساليب للمساعدة في استعادة استقرارك العاطفي بعد وقوع حدَث صادم، وبالتالي الحماية من اضطراب ما بعد الصدمة:
- لاحِظ ما إذا كنت تشعر بالرغبة في تجنّب الأشياء في حياتك، وحاوِل الاستمرار في الروتين مثل العمل والحياة الاجتماعية.
- اقضِ وقتًا مع الآخرين لتجنّب الانطواء، حتى لو كنت لا تشعر بالقدرة على ذلك.
- مارِس الهوايات أو الاهتمامات الأخرى.
- قم بمشاركة تجربتك مع العائلة أو الأصدقاء المقربين أو في مذكرات أو في مجلة عبر الإنترنت.
- امنح نفسك الوقت، وأدرِك أنه لا يمكنك التحكّم في كل شيء.
- اطلب الدعم من الأشخاص الذين يهتمون بك، أو انضم إلى مجموعة دعم محلية أو عبر الإنترنت للأشخاص الذين لديهم تجربة مماثلة.
- ابحث عن مجموعة دعم يقودها متخصص مدرَّب يمكنه تسهيل المناقشات.
- حاوِل اتباع نظام غذائي متوازن وممارسة الرياضة والحصول على قسط كافٍ من الراحة وتجنب المشروبات الكحولية والمخدرات.
- حافظ على روتين يومي مع أنشطة منظمة.
- تجنّب اتخاذ قرارات حياتية مهمة، مثل تغيير مهنتك أو الانتقال إلى مكان آخر، بعد وقت قصير من وقوع الحدث.
المصادر:
