تأثير المطبات الجوية على صحتك.. أنت الآن جالس في الطائرة التي تحلق على علو أكثر من 30 ألف قدم، فجأة شعرت أن كأس العصير القابع أمامك على طاولة الطعام الصغيرة بدأ يتراقص في كل الجهات، وأخذت الطائرة تهتز وتتمايل لأعلى وأسفل، وكأنها ورقة تلعب في مهب الريح: سيداتي سادتي، أنا كابتن الطائرة، الرجاء أن تجلسوا في أماكنكم وأن تشدوا الأحزمة، نحن نمر الآن في مطبات هوائية.
للمزيد من المعلومات تعرّف في السطور الآتية على تأثير المطبات الجوية على صحتك.
تأثير المطبات الجوية على صحتك
تقول خدمة الأرصاد الجوية في بلاد العم سام بأن المطبات الهوائية (الاضطرابات الهوائية) تحدث بفعل حركات الهواء المفاجئة وغير المنتظمة التي تؤدي إلى تيارات/ منخَفَضات جوية هوائية حادة وسريعة تحصل في آن معًا، فتحرك الطائرة بشكل لا يمكن توقعه.
إن المطبات الهوائية تشير بكل بساطة إلى الهواء الذي يتحرك بطريقة غير منتظمة وغير عادية وغير متوقعة، والتي لا يمكن رصدها بالرادار ولا التنبؤ بها، ولكنها يمكن أن تؤثر على ارتفاع الطائرة وحركتها. وتعتبر العواصف الرعدية، والضغط الجوي، والتيارات النفاثة وجبهات الهواء البارد والساخن، والهواء المحيط بالجبال، من أهم الأسباب التي تقف وراء المطبات الهوائية.
تأثير المطبات الجوية على صحتك.. أنواع المطبات الهوائية
تصنف المطبات الهوائية إلى عدة أنواع، وذلك تبعًا لشدة المطب:
- المطبات الهوائية الخفيفة، وفيها يطرأ تبدل بسيط على ارتفاع تحليق الطائرة.
- المطبات الهوائية المتوسطة، وفيها يحدث تغير في ارتفاع الطائرة، إلا أن الأخيرة تبقى تحت السيطرة.
- المطبات الهوائية الشديدة، وفيها تحدث تغيرات مباغتة في ارتفاع الطائرة، بحيث تمر في لحظات لا يمكن فيها للقبطان السيطرة عليها، ويمكن لهذا النوع من المطبات أن يؤدي إلى إصابة الركاب وأفراد الطاقم الجوي، الذين لا يَلزَمون مقاعدهم ولا يربطون أحزمتهم.
- المطبات الهوائية الشديدة جدًا، وفيها تحدث اهتزازات عنيفة في الطائرة، وقد لا يستطيع القبطان السيطرة عليها، وقد تتعرض للضرر.
ما تأثير المطبات الجوية على صحتك؟
عندما تتعرض الطائرة إلى مطبات هوائية، فإنها قد تهبط فجأة أو قد ترتفع فجأة، ولهذا يحذر قبطان الطائرة الركاب بالجلوس وربط الأحزمة، لأن الحركات المفاجئة قد تعرّض الركاب للخطر، وتكمن خطورة المطبات الهوائية في أنها تحصل على حين غرة، فتهتز الطائرة حتى قبل أن يتمكن الطيار من إصدار التحذير إلى الركاب.
وعندما تبدأ الطائرة في الاهتزاز فإن بعض المسافرين يعانون من القلق الشديد خوفًا من سقوط الطائرة، أو خوفًا من وقوع حادث ما، وفي هذا الإطار يقول أليسون سميث، المدير الإداري لبرامج الصحة والرفاهية في شركة دلتا إيرلاين: "إن ما يحدث هو إطلاق طبيعي ووقائي للمواد الكيميائية الناجمة عن حدث مخيف ... تقوم هذه المواد الكيميائية بعملها من خلال إخبار جسمك للاستعداد للخطر، فتزداد دقات قلبك، وتمسك بذراع المقعد، وتتوتر عضلاتك". ويتابع قائلًا: "إذا كان لدى دماغك ميول قلقة في البداية، خاصة فيما يتعلق بالطيران، فقد يستمر إطلاق تلك المواد الكيميائية الخاصة بالقتال أو الطيران، مما يزيد من صعوبة التفكير بعقلانية".
وعند الطيران عبر المطبات الهوائية، فإن الخطر الحقيقي هو احتمالية تعرّض الركاب الذين يتجولون ذهابًا وإيابًا في أنحاء المقصورة لإصابات ناجمة عن السقوط والارتطام المباشر بالأشياء، خاصة الصلبة منها، ومِن تساقط الأشياء من صناديق الطائرة العلوية.
كيف يتفاعل الجسم أثناء المطبات الهوائية؟
في منشور على موقع The conversation، يشرح الأستاذ ومدير مركز تعليم التشريح السريري بجامعة لانكستر البريطانية، كيفية تفاعل الجسم أثناء المطبات الجوية:
- يؤدي المطب الجوي إلى تعطيل التوجه المكاني، أي علاقة الجسم بالأشياء من حيث المسافة والاتجاه، وإلى تشويش المعلومات الحسية التي يتلقاها الدماغ، فيدفع الجسم إلى إعادة المعايرة recalibrate.
- عندما تمر الطائرة في خضم منطقة تشهد المطب الهوائي، يتحرك السائل الموجود في هياكل الأذن الداخلية بشكل غير متوقع، فلا يستطيع الدماغ التمييز بين حركة الطائرة وحركات الرأس، ما يخلق نوعًا من الارتباك إذا صح التعبير.
- يتجلى الارتباك المذكور أعلاه في شكل تسارع في ضربات القلب، أو دوخة، أو تعرق، أو تقيؤ، أو مشكلات في جهاز الهضم، وهذا يرجع إلى حرمان الجسم من الرسالة البصرية، فتصبح الرسالة الحسية التي تبعث بها الأذن إلى الدماغ هي الرسالة المهيمنة.
تأثير المطبات الجوية على صحتك.. كيف تقلل الانزعاج؟
- حاوِل أن تجد لك مقعدًا بالقرب من النافذة، فالنظر من خلالها يُعطي الدماغ بعض المعلومات الحسية من خلال المسارات البصرية، ما يساعد على تهدئة استجابة الدماغ للمعلومات الدهليزية التي يتلقاها.
- اختر مقعدك في مقدمة الطائرة أو على مقربة من جناحيها، لأنه يقلل من آثار المطبات الهوائية، ويجعلك في وضع أكثر راحة.
- خذ أنفاسًا عميقة، فهي طريقة رائعة لتهدئة النفس والعقل ومنع التعرض إلى المزيد من القلق والخوف، وحاوِل أن تجعل مدة زفيرك ضِعف مدة شهيقك للمساعدة على الاسترخاء. تحفز الأنفاس العميقة والطويلة العصب المبهم وتحفز الجهاز العصبي المحيطي على إطلاق الناقل العصبي الأستيل كولين الذي يعزز من مشاعر الرفاهية والسلامة.
- إذا عانيت من دوار الحركة أثناء المطب الجوي، فحاوِل أخذ أنفاس عميقة ومنتظمة، لأنها تساعدك على تهدئة جهازك العصبي المتوتر. ويمكن منع دوار الحركة بتناول بعض الأدوية مثل مضادات الهيستامين.
- لا تشرب الكحول لأنه يتداخل في كيفية التعامل مع الرسائل البصرية والسمعية، الأمر الذي يزيد من احتمالية الإصابة بالغثيان والتقيؤ.
- لا تُكثِر من شرب القهوة، فالكافيين قد يجعلك أكثر عصبية خلال الرحلة الجوية.
- قم بتشتيت عقلك، إذا لم يكن المنخفض الجوي شديدًا جدًا، فإنه يمكنك تركيز عقلك على شيء آخر، مثل قراءة كتاب أو الاستماع إلى الموسيقى، أو حل الكلمات المتقاطعة، أو كتابة بعض الأشياء على بطاقة صغيرة من أجل تذكرها وما شابه ذلك، فهذه قد تجعل المطب الجوي يمر من دون أن تدرك به.
- تناول أطراف الحديث مع أحد الجيران، فبعض الدردشة قد يفيد في التغلب على القلق وصرف الانتباه عن المطبات الهوائية.
- سافر ليلًا أو في الصباح الباكر، لأن المطبات الجوية تكون أقل في الصباح الباكر أو في الليل، بسبب وجود نشاط حراري أقل يؤثر على الهواء نتيجة غياب أشعة الشمس.
- استشر طبيبك، إذا كنت تعاني من قلق يتعلق بالمطبات الهوائية في الطائرة، فحبذا لو طلبت مشورة طبيبك الذي بمقدوره أن يقدم لك أفضل النصائح التي ستساعدك في التغلب على القلق، وربما قد يصف بعض الأدوية الضرورية.
- وبالطبع، لا تنس أن تتقيد بتعليمات طاقم الطائرة عند حدوث المطبات الجوية.
يبقى أن نطرح سؤالين:
السؤال الأول: ما مدى شيوع رهاب المطبات في الطائرة؟
أفادت دراسة بحثية نشرت في مجلة لانسيت الطبية، إلى أن رهاب المطبات الهوائية في الطائرة شائع، وأن كثيرين سيعانون منه في وقت ما من حياتهم.
السؤال الثاني: ما احتمال الموت في حادث تحطم طائرة بسبب المطبات الهوائية؟
وفقًا لبيانات المجلس الوطني لسلامة النقل الأميركية، فإن احتمال الوفاة بسبب المطبات الهوائية يساوي الصفر.
تأثير المطبات الجوية على صحتك.. الخلاصة
المطبات الهوائية قد تكون مصدر إزعاج وقلق ورعب للمسافرين خوفًا من وقوع حادث ما يهدد حياتهم، إلا أنها بالمجمل تبقى حدثًا عاديًا في رحلات الطيران، وهي نادرًا ما تُشكِّل خطورة على الطائرة أو على الركاب، ويبقى معدل الإصابات الناجم عنها ضئيل للغاية. قد تعطي اللحظات التي تحدث فيها المطبات انطباعًا بأن الطائرة ستسقط من علو آلاف الأقدام وتتحطم، ولكن الخبراء الضالعين بهذا الأمر يقولون إن هذا غير صحيح، وأن الأمر لا يحدث حتى في المطبات القوية، وينصحون المسافرين بوضع حزام الأمان في كل الأوقات منذ إقلاع الطائرة وحتى هبوطها، لأنه -أي الحزام- هو خط الحماية الأول في الحفاظ على السلامة ومنع الإصابات. من هنا؛ فإنه يتوجب على أصحاب النقل الجوي أن ينقلوا رسالة إلى المسافرين مفادها أنه ينبغي عليهم توقع المطبات الجوية بدلًا من الخوف منها.
