صحــــتك

لماذا تُسمّى بعض الأدوية بالأدوية اليتيمة؟

الصورة
عمرو زيدان

يسعى العلماء جاهدين لاختراع وتطوير أدوية تُمكّننا من محاربة الأمراض الكثيرة المنتشرة، والتي ما زالت في تزايد مستمر، إذْ يتم اكتشاف أمراض جديدة كل عام، لذلك أصبح أمراً حتمياً على شركات الأدوية أن تبذل قصارى جهدها لتطوير أدوية تكفينا خطر تلك الأمراض.

على الرغم من كون جميع الأمراض خطيرة، وتُشكِّل تهديدًا على صحة الإنسان، لكنّ الاهتمام يكون مُنْصَبًّا على الأمراض ذات الانتشار الواسع، فهي تؤثّر على عدد أكبر من الناس، وبالتالي تُوجِّه شركاتُ الأدوية اهتمامَها لهذه الأمراض، وتسعى لتطوير أدوية تعالجها وتقي منها، ولكنْ، ماذا عن الأمراض النادرة الانتشار التي تصيب عدداً قليلاً من الناس؟ هل هناك اهتمام بها وبإنتاج أدوية تعالجها؟ ولماذا تُسمي هذه الأدوية بالأدوية اليتيمة؟ هذا ما سيتناوله هذا المقال.

ما هي الأدوية اليتيمة؟

الأدوية اليتيمة هي أدوية تم تطويرها لتُستخدم في العلاج أو الوقاية أو حتى تشخيص الأمراض النادرة أو "اليتيمة"، وهي الأمراض التي تصيب عدداً قليلاً من الناس، أقل من 200,000 شخص في الولايات المتحدة، وهي عبارة عن حالات مُهمَلة، لا تُعتَبر علاجاتُها غالبًا مربِحة، بسبب التكلفة العالية لتطويرها ومحدودية عدد المرضى.

من أمثلة الأمراض النادرة: التليف الكيسي، ومرض التصلب الجانبي الضموري، ومتلازمة توريت، وتشمل أيضًا أمراضًا مثل العَملقَة، والمرض الغريب Jumping Frenchman of Maine، وهو اضطراب نادر للغاية، يُسبِّب لصاحبه صدورَ ردّ فعل مروّع نتيجة تعرُّضه لأي ضوضاء أو مشاهد مفاجئة.

تُكتَشف أمراض نادرة جديدة كلَّ عام، معظمها وراثي ​​الأصل، ولكن يمكن أيضاً أن تَنتُج تلك الأمراض النادرة عن الظروف البيئية المحيطة.

 

 التصلب الجانبي الضموري

قانون الدواء اليتيم:

قد تكون عملية تطوير دواء لمرض نادر يُستخدم فقط لعلاج عدد قليل من الناس مُكْلِفًة جداً بالنسبة لشركات الأدوية، لذلك لا تَتَشجَّع تلك الشركات للسير في هذا الاتجاه، فقد كانت متوسط ​​التكلفة السنوية لعقار يتيم اعتبارًا من عام 2016 أكثر من 32000 دولار، ولكنّ الأمراض النادرة تُهدِّد حياة كثيرٍ من المرضى، ويُشكِّل الأطفال نسبة تصل لأكثر من نصف المصابين بهذه الأمراض، ولا تتوفر العلاجات المعتمدة من إدارة الغذاء والدواء (FDA) إلا لأقل من 10٪ من جميع الأمراض النادرة.

نظراً لذلك، أصدر الكونجرس في عام 1983 قانوناً يُسمّى قانون الدواء اليتيم، والذي يتضمن منح شركات الأدوية حوافز ضريبية وإعانات خاصة للتجارب والبحوث السريرية اللازمة، بالإضافة إلى حق حصري لتسويق هذه الأدوية لمدة سبع سنوات، وذلك لتحفيز تلك الشركات على تطوير المزيد من الأدوية اليتيمة. أظهر قانون الدواء اليتيم والمحفزات التي نَصّ عليها نجاحاً واضحًا، فقد ارتفع عدد الأدوية اليتيمة بشكل ملحوظ منذ عام 1983، إذْ وافقت إدارة الغذاء والدواء على ما يقرب من 600 دواء يتيم خلال الفترة ما بين عامَي 1983 و2020، وفقًا للمنظمة الوطنية للاضطرابات النادرة (NORD)، وذلك مقارنة بـ 38 دواءً يتيمًا فقط صدرت الموافقة على إنتاجها قبل إصدار قانون الدواء اليتيم.

قد يسيء البعض استخدام القانون لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المرضى الذين يعانون من تلك الأمراض النادرة، فهناك أدوية تُستَخدم في الأساس لعلاج بعض الأمراض ذات الانتشار الواسع، ولكنْ يمكن استخدامها أيضاً بشكل إضافي لعلاج بعض الأمراض النادرة، وهو ما تستغله بعض شركات الأدوية، والتي تقوم بتقديم هذه الأدوية المنتشرة بالفعل على أنها أدوية يتيمة لتحصل على الحقّ الحَصري لتسويقها لمدة سبع سنوات، رافعة السعر لأعلى قيمة لتحقق أعلى المكاسب والأرباح.

أمثلة لبعض الأدوية اليتيمة:

يوجد في السوق اليوم حوالي 552 دواءً يتيمًا يُستَخدم في علاج الأمراض النادرة، من أمثلة تلك الأدوية اليتيمة ما يلي:

  • إيفاكافتور Ivacaftor: يُستَخدم لعلاج التليف الكيسي، وهو اضطراب وراثي يصيب حوالي 30000 أمريكي. يسبب التليف الكيسي مشكلات في الجهاز التنفسي والجهاز الهضمي، وتحدث فيه طَفرة وراثية جينية لأحد الجينات المسؤولة عن تكوين بروتين تنظيم حركة الأملاح داخل الخلايا وخارجها، مما يؤدي إلى تكوين مخاط لزج سميك في الجهاز التنفسي والهضمي.

  • ألجلوسيراز Alglucerase: يُستَخدم لعلاج مرض غوشيه الوراثي، والذي يسبب ألمَ وتلفَ أنسجةِ الكبد والطحال والرئتين ونخاع العظام، نتيجة تراكم بعض الدهون في هذه الأعضاء بسبب عدم عمل الإنزيم المسؤول عن تفتيت تلك الدهون بشكل صحيح.
  • عامل التخثر التاسع: وهو دواء يساعد على منع النزيف لدى المرضى المصابين بالهيموفيليا ب.
  • إيماتينيب Imatinib: يُستخدم هذا الدواء لعلاج أنواع معيَّنة من سرطان الدم.
  • روكاباريب Rucaparib: دواء يُستخدم لعلاج سرطان المبيض.

بعض المعلومات المغلوطة عن الأدوية اليتيمة وقانون الدواء اليتيم:

  1. سبعة أدوية من الأدوية العَشر الأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة هي أدوية يتيمة

الحقيقة، لهذه الأدوية استخدامات متعددة، ولا تُستخدم فقط كأدوية يتيمة، وبالتالي فإن أرقام مبيعاتهم تدل على الاستخدامات الكلية لتلك الأدوية، وليس فقط استخدامها كأدوية يتيمة.

فعلى سبيل المثال: دواء هيوميرا Humira الذي يُستشهد به كثيرًا، له 12 استخدامًا مختلفًا، يمثّل دواءً يتيماً في 4 استخدامات منها فقط، ولذلك فإن نسبة مبيعاته كدواء يتيم هي 3.8% فقط من مجمل مبيعاته البالغة 13.6 مليار دولار في عام 2016.

  1. انفراد بعض الشركات بتسويق دواء موجود بالفعل

يمكن لشركة معيَّنة أن تنفرد بحق تسويق دواء موجود بالفعل يُستَخدم في علاج الأمراض ذات الانتشار الواسع لمجرد حصوله على استخدام إضافي لعلاج مرض يتيم.

الحقيقة: إذا كان أحد الأدوية موجودًا بالفعل في السوق، وحصلت الشركة على موافقة لاستخدامه بشكل إضافي كدواء يتيم، فإن ميزة حصرية التسويق لمدة سبع سنوات، كما يَنص قانون الدواء اليتيم، تنطبق فقط على الاستخدام اليتيم الجديد، وليس على جميع استخدامات العقار ، مما يسمح لباقي الشركات بمنافسته في السوق.

  1. تساهم الأدوية اليتيمة بشكل رئيسي في ارتفاع تكاليف الأدوية والرعاية الصحية

الحقيقة: تُشكّل الأدوية اليتيمة المعتمَدة حوالي 7.9% فقط من إجمالي مبيعات الأدوية، والتي تُقدَّر بنحو 450 مليار دولار في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2016.

  1. يؤثّر قانون الدواء اليتيم ومميزاته التي يَمنَحها لشركات الأدوية سلبًا على السوق، وينأى بالبحث بعيدًا عن الأمراض ذات الانتشار الواسع التي تصيب عددًا أكبر من الناس

الحقيقة: أدَّت دراسة الأمراض النادرة إلى زيادة فَهم المَسارات الكيميائية الحيوية للجسم، وإلى اكتشافات كبيرة في كيفية تفاعل مورثاتنا (جيناتنا) مع العوامل الأخرى التي تُسبب المرض، كما ساعد قانون الأدوية اليتيمة بدفع عجلة الابتكار في العديد من المجالات الطبية، بما في ذلك علاج السرطان.

لماذا تُسمى بعض الأدوية بالأدوية اليتيمة؟

يتم اكتشاف أمراض نادرة جديدة كل عام، لكنها تؤثّر على عدد قليل جدًا من الأشخاص بحيث يَصْعُب العثور على معلومات عنها وأدوية لها، لكن، هل تساءلت يومًا لماذا سُمِّيت هذه الأدوية بالأدوية اليتيمة؟

قبل إقرار قوانين الأمراض النادرة في الولايات المتحدة، حُرِم المرضى الذين تم تشخيص إصابتهم بمرض نادر من الحصول على الأدوية الفعالة، لأن شركات الأدوية نادرًا ما يمْكِنهم تحقيق ربح من تسويق تلك الأدوية لمثل هذا العدد الصغير من المرضى، وبالتالي أَهملت شركات الأدوية تطويرَ وتصنيع الأدوية اليتيمة، على الرغم من الحاجة الصحية الملحَّة لهذه الأدوية، ومن هنا أصبحت تُعرَف بالأدوية اليتيمة؛ لأن الشركات لم تكن مهتمة بتبنِّيها.

ختامًا:

بعد صدور قانون الأدوية اليتيمة، تم تطوير العديد من الأدوية اليتيمة، وأصبح العلاج متوفرًا للأشخاص الذين يعانون من أمراض نادرة، والذين لم يكن لديهم أمل في البقاء على قيد الحياة قبل ذلك. هذا ما يُفسر التأثير الكبير لتلك الأدوية اليتيمة على الصحة العامة، والأمل لتطوير مزيد منها لعلاج الأمراض النادرة التي تتطلب العلاج، كما تجب معرفة أن محنة الأشخاص المصابين بالأمراض اليتيمة تستحق المزيد من الاهتمام.

 

المصادر:

What is an orphan drug?

Orphan Products: Hope for People With Rare Diseases

 

آخر تعديل بتاريخ
17 أغسطس 2023

قصص مصورة

Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.