في السنوات القليلة الماضية لاحظ العاملون المهنيون الذين واكبوا الممثل العالمي بروس ويليس تدهورًا في قدراته، وأشاروا إلى أنه كان يمر في لحظات وكأنه في عالم آخر، وأنه ليس بروس ويليس الذي يعرفونه، إذْ كان خلال قيامه بأدواره يبدو مشوشًا، ويعاني من صعوبات في تذكر النص الخاص به.
وتكرر السيناريو السابق مع ويليس عدة مرات، ما دفع عائلته إلى إصدار منشور صادم على انستغرام في 30 آذار/مارس من العام الماضي 2022، أعلنت فيه أن بروس ويليس، البالغ من العمر 67 عامًا، سيعتزل التمثيل بسبب مشكلات صحية، أبرزها "الحبسة"، التي أثّرت على قدراته الكلامية والمعرفية، وقد أسهم هذا المنشور في تسليط الضوء على اضطراب الحبسة، الذي يجهله عامة الناس، مع أنه منتشر ويصيب كثيرين.
ما الحبسة؟
"الحبسة" هي اضطراب مكتسب في التواصل، ناجم عن تلف منطقة أو أكثر من مناطق الدماغ التي تتحكم في اللغة المنطوقة والمكتوبة، وتم وصف الحبسة لأول مرة عام 1962 من قبل طبيب الأعصاب الفرنسي بول بروكا. ووفقًا لجمعية الحبسة الوطنية في الولايات المتحدة الأميركية فإن حوالي مليوني مواطن مصابون بمرض الحبسة.
ويعاني المصابون بالحبسة من صعوبات في التحدث، وإيجاد الكلمات الصحيحة لإكمال أفكارهم، وقد يواجهون مشكلات في فهم المحادثة، وقراءة وفهم الكلمات المكتوبة، وكتابة الكلمات، واستعمال الأرقام، كما تكثر عندهم عادة تكرار الكلمات والعبارات. يتساوى الرجال والنساء في الإصابة بالحبسة، وتُشَاهَد معظم الإصابات عند من قطعوا منتصف العمر وعند المُسِنّين.
أسباب الحبسة:
تحصل الحبسة جراء تلف مناطق الدماغ المسؤولة عن اللغة وفهم الكلام، والتي تقع عادة في الجانب الأيسر من المخ، ومن هذه الأسباب نذكر:
- السكتات الدماغية.
- اصابات الرأس.
- أورام المخ.
- داء الخرف.
- التهاب الدماغ.
- تمدد الأوعية الدموية.
- نقص الأكسجة الدماغي.
- الصرع.
- الصداع النصفي، وهو يؤدي إلى حبسة عابرة.
- التسمم بغاز أول أوكسيد الكربون، أو بالمعادن الثقيلة.
- الشلل الرعاشي.
- العمليات الجراحية على الدماغ.
أعراض الحبسة:
تشمل الأعراض الرئيسية للحبسة ما يلي:
- الصعوبة في التحدث أو فهم اللغة.
- التحدث بجمل قصيرة أو غير مكتملة.
- التحدث بجمل لا معنى لها.
- التحدث بكلمات لا يمكن التعرف عليها.
- استخدام كلمات غريبة أو خاطئة في المحادثة.
- استبدال كلمة بأخرى أو صوت بآخر.
- الصعوبة في العثور على المصطلحات أو الكلمات الصحيحة.
- عدم فهم محادثات الآخرين.
كيف يتم تشخيص الحبسة؟
يقوم مقدم الرعاية الصحية المؤهل بإخضاع المصاب إلى سلسلة من الفحوصات الجسدية والعصبية لاختبار قوته وشعوره وردود أفعاله، وإلى سماع دقات قلبه، وإلى رصد الأوعية الدموية التي تمر في الرقبة. قد يطلب مقدم الرعاية اختبارات مثل التصوير بالرنين المغناطيسي، أو التصوير المقطعي المحوسب، من أجل تحديد سبب الحبسة الكلامية على وجه السرعة. ويمكن لاختصاصيّ أمراض النطق واللغة أن يقوم بإجراء تقييم شامل للغة، بهدف تأكيد وجود الحبسة، ويساعد هذا التقييم في معرفة ما إذا كان المريض يمكنه:
- أن يقرأ أو يكتب.
- أن يكرر الكلمات والجمل.
- أن يستطيع الانخراط في المحادثة.
- أن يفهم ويستخدم الكلمات بشكل صحيح.
- أن يقوم بتسمية الأشياء المشتركة.
- أن يجيب على أسئلة تتعلق بشيء قرأه أو سمعه، أو أن يجيب بنعم أو لا حول موضوعات شائعة.
- أن يتبع التعليمات الموجهة إليه.
أنواع الحبسة:
هناك عدة أنواع للحبسة وفقًا للجزء المتضرر من الدماغ، وفيما يلي نشير إلى أشهر أنواع الحبسة:
- الحبسة الشاملة، وهي تؤثر على جميع جوانب اللغة، وتتميز بعدم القدرة على القراءة والتحدث والكتابة.
- الحبسة التقدمية الأولية، وتتميز بفقدان تدريجي في القدرة على القراءة والكتابة والتحدث، وفهم ما يتكلم به الآخرون.
- حبسة بروكا، وهي تتميز بصعوبة التحدث بجمل طويلة، وغالبًا ما يتحدث المصاب بذكر كلمة واحدة أو بجملة قصيرة قد يفهمها المحيطون به. قد تتأثر الكتابة في هذا النوع، ولكن القدرة على القراءة والفهم تبقى سليمة.
- حبسة فيرنيك أو الحبسة الاستقبالية، وهنا يعاني المصاب من صعوبة في فهم الكلمات المنطوق بها، ولكنه يستطيع التحدث بجمل طويلة، إلا أنها تكون غير متماسكة. يواجه المصابون بهذا النوع من الحبسة بصعوبات على صعيد الكتابة والقراءة.
- فقدان القدرة على الكلام، وفيها يتحدث الشخص بلغة دقيقة نحويًا، إلا إنه يجد صعوبة في تسمية الأشياء والكلمات، ولكن القدرة على القراءة والاستماع تبقى سليمة.
علاج الحبسة:
إن الحبسة هي دراما نفسية وعائلية، تؤدي إلى تغيير خطير في تواصل المريض مع عائلته وأقاربه، فيعاني من العزلة، والإحباط والاكتئاب والانسحاب. حصلت تطورات مهمة في السنوات الأخيرة ساهمت في فهم الحبسة، وفي فتح آفاق جديدة ومشجعة لإعادة تأهيل وظيفة النطق والكلام عند المريض.
ويعتمد علاج الحبسة الكلامية على فهم السبب الذي أدى إليها إذا كان ذلك ممكنًا. إذا كان تلف الدماغ خفيفًا فإنه يمكن استعادة المهارات اللغوية من دون علاج، وفي وقت قصير. أما إذا كان تلف الدماغ بالغًا فإن العلاج يقوم على إدارة النطق واللغة التي تعد العلاج الرئيس، بل الوحيد للحبسة، ومع ذلك فإن غالبية المصابين بالحبسة لا يستعيدون بشكل كامل مهارات التواصل، إلا أن العلاج يسمح في الحصول على تحسن كبير قد يحتاج إلى سنوات.
ويهدف علاج النطق واللغة إلى تحقيق الأهداف الآتية:
- تحسين المهارات اللغوية عن طريق إعادة تعلمها.
- استعمال أفضل للقدرات اللغوية المتوفرة.
- استعادة القدرة على التواصل بطرائق مختلفة، مع التعويض عن الكلمات المفقودة في الكلام.
ويكون العلاج أكثر نجاعة في حال الشروع به مبكرًا، كما الحال بعد إصابة الدماغ بفترة وجيزة. كما يمكن للعلاج بمساعدة أجهزة الحاسوب أن يعطي نتائج أفضل لإعادة تعلم الأفعال وأصوات الكلمات باستخدام مواقف واقعية. ويمكن لمقدم الرعاية الصحية أن يجتمع مع مجموعة من المصابين بالحبسة من أجل العلاج والتواصل، من خلال إشراكهم في المحادثة، أو من خلال عرض صور أو رسومات يطلب فيها من المشاركين الرد عليها بأي طريقة ممكنة. يجب أن يكون مستوى المحادثة بسيط في البداية، ليصبح أكثر تعقيدًا بمرور الوقت.
هناك أبحاث محدودة شملت علاجيْن غير جراحيين، يقومان على تحفيز خلايا مناطق الدماغ المتضررة، إما مغناطيسيًا أو كهربائيًا، النتائج تفيد أن العلاجيْن ساعدا نوعًا ما في تحسين القدرة على تسمية الأشياء، ولكن لم يتم بعْدُ إجراء بحث طويل بهدف وضع النقاط على الحروف.
الأدوية والحبسة:
يتم اختبار عدد من الأدوية في علاج الحبسة الكلامية، وتضم عقاقير تهدف إلى تحسين التروية الدماغية، وإلى تسريع قدرة الدماغ على التعافي، واستعادة الناقلات العصبية المفقودة. أجريت الاختبارات على مجموعات صغيرة من المرضى، وكانت نتائجها واعدة، ولكن هناك حاجة إلى تأكيدها بإجراء دراسات أوسع قبل التوصية بها.
هل يمكن الوقاية من الحبسة؟
تعتبر السكتة الدماغية من أشهر الأسباب التي تقود إلى الحبسة الكلامية، من هنا فإن تجنبها يقلل من خطر التعرض للحبسة، ويتم ذلك من خلال اتخاذ جملة من الاحتياطات هي:
- تناول الطعام الصحي.
- تقليل استهلاك الملح.
- ممارسة الأنشطة الرياضية بانتظام.
- الابتعاد عن التدخين.
- مراقبة وضبط ضغط الدم.
- الامتناع عن المشروبات الروحية.
- إدارة التوتر.
ملاحظات مهمة حول الحبسة:
- تحدث الحبسة عادة بشكل مفاجئ بعد السكتة الدماغية، أو إصابات الرأس.
- إن الحبسة شائعة لدى البالغين وكبار السن، ولكن الأطفال والمراهقين قد يصابون بها أيضًا.
- إن الحبسة ليست وراثية.
- إن الحبسة لا تحدث نتيجة الصمم، أو ضعف في الحبال الصوتية، أو مرض عقلي أو التلعثم.
- إن الحبسة لا تؤثر على ذكاء الشخص.
- إن الحبسة لا تسبب فقدان الذاكرة.
- إن الحبسة لا تؤثر على السمع.
- إن مظاهر الحبسة ليست واحدة عند الأشخاص المصابين بها، وذلك تبعا للمنطقة المصابة في المخ.
- إن النظام الغذائي ليس له تأثير على الحبسة بحد ذاتها.
- لا يوجد أدوية معروفة تعالج الحبسة.
- الحبسة ليست مرضًا معديًا.
ختامًا"
إن الحبسة تعني بكل بساطة أن شخصًا ما يعاني من مشكلة لغوية مكتسبة، تؤثر في قدراته على التحدث وفهم الآخرين، وعلى القراءة والكتابة، من هنا فإنها، أي الحبسة، مرض مرعب لأي كان، خاصة لأولئك الذين يستخدمون الكلام لكسب لقمة العيش. يحتاج المصاب بالحبسة إلى مختلف أنواع الدعم العائلي والعاطفي والاجتماعي والطبي لمساعدته، قدر المستطاع، لكي يصبح مستقلًا، إذا كان، لا قدَّر الله، أحد أفراد أسرتك مصابًا بالحبسة، فإن أفضل سبيل للتواصل معه يتم بتناول أطراف الحديث معه بطريقة طبيعية، تَسْتعمِل فيها كلمات بسيطة مناسبة، وجملًا قصيرة في جو هادئ، بعيدًا عن الضوضاء، وأن تعطيه الوقت الكافي للتحدث دون التعجل في إنهاء الحوار، ولا تتردد في اللجوء إلى الرسومات والإيماءات والملاحظات المكتوبة، للتشجيع على عملية التواصل.
المصادر:
Aphasia | Johns Hopkins Medicine
Aphasia: Symptoms, diagnosis, and learning to communicate again
Aphasia - Symptoms and causes - Mayo Clinic
Aphasia: Types, Causes, Symptoms & Treatment - Cleveland Clinic
