التدخين السلبي متهم بزيادة مخاطر التعرض للرجفان الأذيني كما أوضحت الدراسات مؤخراً، وسبق لدراسة نشرت عام 2018 على صفحات مجلة الجمعية الأوروبية لأمراض القلب أنْ أشارت بأصابع الاتهام إلى أن التدخين الفعال يزيد من مخاطر التعرض للرجفان الأذيني، وكشفت نتائج الدراسة التي قادها كبير الباحثين الدكتور "داجفين أونيه" من كلية الصحة العامة بجامعة إمبريال كوليدج اللندنية، بوجود علاقة طردية ما بين عدد السجائر المدخَّنة والإصابة بالرجفان الأذيني، وهذا يعني أن الخطر يرتفع مع كل سيجارة إضافية يتم تدخينها يوميًا.
وإذا كان التدخين الفعال يزيد من مخاطر الإصابة بالرجفان الأذيني، فهل يسبب التدخين السلبي مثل هذا الضرر؟ وجد الباحثون في دراسة حديثة نشرت مؤخرًا، أن هناك بالفعل رابطًا ما بين التدخين السلبي وحدوث الرجفان الأذيني، كيف ذلك؟ تعالوا معنا لنتعرف على حيثيات هذه الدراسة.
الرجفان الأذيني والتدخين السلبي
يعتبر الرجفان الأذيني أحد أهم اضطرابات نظم القلب شيوعًا، ويعطي أعراضًا أشهرها الخفقان وضيق التنفس وصعوبة النوم والشعور بالتعب، أو قد لا يتظاهر بأي أعراض تذكر. وتشير التقديرات أن نحو 40 مليون شخص حول العالم يعانون منه، وأن واحدًا من كل 3 أوروبيين سيصاب بهذه الحالة خلال مرحلة ما من حياته، وتكمن خطورة الرجفان الأذيني بأنه يُعَد السبب الرئيس لحدوث الجلطات والسكتات الدماغية وانسداد الشرايين بجلطات في مواقع أخرى في الجسم.
وهناك عوامل عديدة تساهم بشكل أو بآخر في حدوث الرجفان الأذيني، مثل الزيادة في الوزن، والتقدم في السن، وارتفاع التوتر الشرياني، والداء السكري، وأمراض الكلية، والمشروبات الروحية، والتدخين الفعال، والتدخين السلبي. نعم، إن التدخين السلبي، حتى بكميات صغيرة، متورط في زيادة احتمال الإصابة بالرجفان الأذيني على المدى البعيد، هذا ما أفصحت عنه نتائج دراسة أميط اللثام عنها في المؤتمر العلمي الأخير للجمعية الأوروبية لأمراض القلب للعام 2024.
كيف أجريت الدراسة؟
شملت الدراسة 400493 من البالغين من الرجال والنساء الذين تراوحت أعمارهم ما بين 40 و69 عامًا، استخدموا خدمة الصحة الوطنية في بريطانيا لأي سبب، وتم تسجيلهم في بيانات البنك الحيوي في بلد العمة تاتشر، وقد استُبعِد من الدراسة المدخنون الحاليون، وكذلك أولئك الذين يعانون من الرجفان الأذيني .
ولجأ المشرفون على الدراسة إلى استخدام استبيان لسؤال المشاركين عن عدد الساعات التي تعرّضوا فيها لدخان الآخرين في أسبوع نموذجي خلال العام السابق للدراسة، في المنزل وفي بيئات أخرى، وقد صُنِّف المشاركون إلى مجموعتين:
- المجموعة المعرَّضة، إذا كان أفرادها على اتصال بالتدخين السلبي.
- المجموعة غير المعرَّضة، إذا لم يكن أفرادها على اتصال مع التدخين السلبي.
وقام معدّو الدراسة بتحليل العلاقة بين التعرض للتدخين السلبي وحدوث الرجفان الأذيني بعد ضبط العوامل الأخرى التي قد تؤثر على العلاقة، بما في ذلك العمر والجنس والعِرْق، وشرب الكحوليات، والنشاط البدني، والداء السكري، وارتفاع الضغط الشرياني، وارتفاع شحوم الدم، والحالة الاجتماعية والاقتصادية، فما هي النتائج؟
نتائج الدراسة
بعد متابعة متوسطة مدتها 12,5 عامًا، وبعد تحليل بيانات ما يقارب 86000 مشارك تعرّضوا للتدخين السلبي في العام السابق لجمع البيانات لمدة وسطية 2,2 ساعة في الأسبوع، جاءت نتائج البحث لتقول ما يلي:
- حدث الرجفان الأذيني لدى 23771، أي نحو 6 بالمئة من المجموعة التي تعرّضت للتدخين السلبي بالمقارنة مع المجموعة التي لم تتعرض له.
- لوحظ وجود علاقة طردية بين مدة التعرض للتدخين السلبي والرجفان الأذيني، فكل زيادة في مدة التعرض الأسبوعي للتدخين السلبي رافقتها زيادة في خطر التعرض للرجفان الأذيني.
وفي معرض تعليقه على نتائج الدراسة، قال الدكتور "كيونغ يون لي" من مستشفى جامعة سيول الوطنية، الذي قاد الدراسة: "كانت مخاطر التدخين السلبي كبيرة، بغض النظر عما إذا كان الأفراد في المنزل أو في الهواء الطلق أو في العمل، ما يشير إلى أن التعرض عمومًا يزيد من خطر الإصابة بالرجفان الأذيني".
هل يكفي الإقلاع عن التدخين والابتعاد عن التدخين السلبي لمنع الإصابة بالرجفان الأذيني؟
لا شك في أن الإقلاع عن التدخين وتفادي التدخين السلبي يساهمان في إبعاد شبح التعرض لخطر الرجفان الأذيني، ولكن لا بد من إقران هذين الأمرين بأفعال أخرى لجعل القلب يعمل بإيقاع طبيعي:
- الحفاظ على وزن مثالي قدر المستطاع.
- الابتعاد عن التوتر والإجهاد.
- اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن.
- ممارسة النشاط البدني بانتظام.
- أخذ أقساط كافية من النوم.
- الابتعاد عن شرب الكحوليات وعن تناول المخدرات.
- التحكم بالأمراض التي من شأنها أن تزيد من مخاطر الإصابة بالرجفان الأذيني، مثل ارتفاع ضغط الدم، والداء السكري، وفرط نشاط الغدة الدرقية، والسيطرة على المشكلات المتعلقة بصمامات القلب أو بقصور القلب.
- إذا تم تشخيص وجود الإصابة بالرجفان الأذيني، فإن هناك الكثير من العلاجات المتاحة الدوائية وغير الدوائية، يختار من بينها مقدم الرعاية ما هو الأنسب لمريضه من أجل جعل القلب يعمل بإيقاع طبيعي، وللحماية من الجلطات والسكتة الدماغية.
ووفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض في الولايات المتحدة الأميركية، فقد تم إقرار عدة أمور فيما يخص التدخين السلبي حسب الدراسات والأبحاث التي تم العمل عليها، وهذه الأمور تتلخص في النقاط الآتية:
- لا يوجد مستوى آمن للتعرض للتدخين السلبي، فحتى التعرض القصير الأمد، يمكن أن يلحق أضرارًا صحية بالصغار والكبار.
- بالنسبة للبالغين الذين لا يدخنون ويتعرضون للتدخين السلبي، فقد يعانوا من آثار صحية للتدخين السلبي، مثل أمراض القلب، والسكتة الدماغية، وسرطان الرئة، وانسداد القصبات المزمن، والموت المبكر.
- بالنسبة للأطفال، يمكن أن يسبب التدخين السلبي التهابات تنفسية، والتهابات في الأذن، ونوبات الربو، وزيادة حدوث متلازمة موت الرضيع المفاجئ.
- بالنسبة للحوامل، يمكن للتدخين السلبي أثناء الحمل أن يؤدي إلى ولادة أطفال قليلي الوزن، الأمر الذي يزيد من حدوث مضاعفات صحية لدى هؤلاء.
ختاماً، هناك أدلة متزايدة تفيد بوجود علاقة قوية بين التدخين الفعال والتدخين السلبي والإصابة بالرجفان الأذيني. إذا كنت تدخن؛ فإننا ندعوك إلى التوقف عن التدخين في الحال، لأن الاستمرار في هذه العادة السيئة يضر بك وبمن حولك. إذا كنت لا تملك الإرادة القوية للتوقف عن التدخين بمفردك، فبادر فورًا إلى طلب المساعدة من مقدم الرعاية المختص، لأن الإقلاع عن التدخين لن يحميك ومَن حولك فقط من الرجفان الأذيني، بل من أمراض مزمنة أخرى، مثل مرض الانسداد الرئوي المزمن، ومرض الشريان التاجي، وقصور القلب.