متلازمة بيتر بان.. عدم القدرة على النضوج العقلي

ربما سمع الكثير منا أو شاهد القصة الكرتونية بيتر بان، إحدى شخصيات ديزني الشهيرة، ذلك الطفل الذي لا يرغب في أن يكبر أبدا، يطير من نافذة منزله عندما يسمع والديه يتحدثان عن المسؤوليات التي يجب عليه القيام بها عندما يكبر. فما أساس هذه الشخصية أو القصة التي تم تقديمها بأفلام مختلفة؟

ما هي متلازمة بيتر بان؟

متلازمة بيتر بان "Peter Pan Syndrome" هي عدم القدرة على النضج العقلي، ويصف الشباب الذين لا يكبرون عقليًا وعاطفيًا بما يتناسب مع أعمارهم. وفي حين أن معظم الناس قد يتوقون إلى بساطة الطفولة من وقت لآخر، فقد يواجه الأشخاص المصابون بمتلازمة بيتر بان صعوبة في عيش حياة البالغين النموذجية.

ولا تعتبر متلازمة بيتر بان اضطرابًا أو مرضًا عقليًا، كما لم يذكر الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية أي إشارة إليها، لكن المصطلح أصبح شائعًا اليوم، ليفسر سمات شخصية بعينها، ويستخدمه عديد من علماء النفس للإشارة إلى البالغين الذين يُظهرون هذا الخوف والقلق من تحمل المسؤوليات، فيبدو وكأنهم عالقون بإرادتهم في مرحلة المراهقة.

ويتصرف الأشخاص المصابون بمتلازمة بيتر بان بشكل غير مسؤول، وقد يظهرون سمات شخصية نرجسية. وهذا يجعل من الصعب عليهم أن يكون لديهم علاقات وظيفية اجتماعية ومهنية ورومانسية. 

 السمات والخصائص:

لا توجد معايير محددة تحدد حالة متلازمة بيتر بان. ومع ذلك، فإن بعض العلامات الشائعة تشمل:

• لديهم صعوبة في تحمّل المسؤوليات والالتزام.
• لديهم مشكلات متعلقة بالعمل واهتمامات المهنة.
• عبثيون وأنانيون.
• يخافون من الشعور بالوحدة.
• لديهم صعوبة في السيطرة على السلوك الاندفاعي.
• يعتمدون على الآخرين.
• يتجنبون النقد.

السمة الرئيسية لمتلازمة بيتر بان هي صعوبة العلاقات الشخصية والرومانسية. يغير بعض الأشخاص شركاءهم كثيرًا، ويبحثون غالبًا عن شركاء أقل نضجًا، وينهون العلاقات بمجرد أن يتطلب الأمر مستوى أعلى من الالتزام. وتشمل علامات بيتر بان الرئيسية:

1. قد يكون لديهم عواطف باهتة، أو يعبرون عن مشاعرهم بطرائق غير لائقة.
2. ربما يكونون غير مبالين، ويؤجلون المهام، ويتأخرون كثيرًا.
3. قد يشعرون بالقلق، ويواجهون صعوبة في تكوين صداقات هادفة.
4. غالبًا ما يتجنبون تحمل المسؤولية عن أخطائهم، وقد يلومون الآخرين.
5. يمكن للذكور أن يواجهوا صعوبة في العلاقات الخاصة، ويعاملوا أزواجهم وكأنهن أمهاتهم!
6. قد يشعرون بأنهم بعيدون عن والديهم، ويواجهون مشكلة مع شخصيات السلطة الذكورية.

الأسباب:

هناك قليل من الأبحاث حول متلازمة بيتر بان، لذلك لا يعرف علماء النفس بالضبط ما الذي يسبب سلوكيات هذه المتلازمة:

• افترض بعض الخبراء أن وجود آباء مفرطين في الحماية يمكن أن يجعل الشخص أكثر عرضة للإصابة بها، فعندما يتم إيواء الأطفال وحمايتهم بصورة زائدة، فإنهم لا يطورون المهارات التي يحتاجون إليها للتعامل مع تحديات الحياة الواقعية. عندما يصِلُون لمرحلة البلوغ قد يتوقعون البيئة الآمنة والمميزة للطفولة نفسها.
• وتزرع بذور متلازمة بيتر بان في مرحلة الطفولة. قد تبدأ الأعراض في الظهور في سن 11-12 عامًا، ومع انتقال الطفل إلى مرحلة المراهقة، تصبح أكثر سيطرةً. من ناحية أخرى، يمكن للوالدين مفرطي الحماية أن يجعلوا طفلهم يشعر كما لو أن عالم الكبار مخيف ومليء بالصعوبات. وقد يشجعونه على الاستمتاع بالطفولة، ويفشلون في تعليمه مهارات مثل: إعداد الميزانية، وتنظيف المنزل، أو مهارات الإصلاح البسيطة، وسلوكيات الحفاظ على العلاقات.
• الآباء والأمهات الذين يرغبون في إطالة أمد الطفولة قد يتجنبون أيضًا مناقشة مفاهيم البالغين هذه مع أطفالهم. يمكن أن يقود هذا إلى الالتفاف حول هذه المفاهيم في حياتك الخاصة.
• ويمكن للمصاعب الاقتصادية والركود أن يسهما في الإصابة بمتلازمة بيتر بان، خاصة في الأجيال الشابة. بعبارة أخرى، قد يكون "النضج" أصعب قليلاً مما كان عليه من قبل. ويمكن أن تؤدي الأجور المنخفضة وفرص العمل الأقل للمضي قدمًا في القوى العاملة إلى توقف الحافز المنخفض بالفعل لمتابعة مهنة تشعر أنك أقل حماسة لها. مثلاً؛ تسببت معدلات الرسوم الجامعية المرتفعة في خلق ضغوط مالية إضافية وقلق، والذي يجعل بعض الناس في إدارتهم عن يتجنّبون المسؤولية المالية تمامًا.

العلاقات

تتمثل إحدى المشكلات الرئيسية للأشخاص المصابين بمتلازمة بيتر بان في الحفاظ على علاقات رومانسية أو علاقة صحية. قد يجدون صعوبة في التعبير عن مشاعرهم، والاستماع إلى شريكهم، ولعب دور متساوٍ في العلاقة. بالإضافة إلى ذلك، قد يضعون عبئًا غير عادل على شريكهم.

1. العلاقات الزوجية

يمكن أن تسبب متلازمة بيتر بان مشكلات كبيرة في العلاقة الزوجية، وتؤثر سلبًا على كلا الشريكين. استنادًا إلى الخبرات والشخصيات السابقة للفرد، قد يجد البعض أنفسهم أكثر عرضة لتمكين السلوك غير الصحي وغير المتوازن في العلاقات. 

مثلاً؛ قد يتركون أطباق طعامهم في الحوض، وقد يتجنبون غسل الملابس حتى لا يكون لديهم أي شيء نظيف لارتدائه. قد تجد نفسك تساعد بانتظام في الأعمال المنزلية لجعل المنزل أكثر ملائمة للسكن.

كما أنهم قد:

• يتيحون للشريك تخطيط الأنشطة واتخاذ قرارات كبيرة.
• يهملون الأعمال المنزلية ومسؤوليات رعاية الطفل.
• يفضلون "العيش ليومهم فقط" وإبداء القليل من الاهتمام بوضع خطط طويلة الأجل.
• يظهرون علامات عدم التوافر العاطفي، مثل عدم الرغبة في تصنيف العلاقات أو تعريفها.
• ينفقون الأموال بشكل غير حكيم.
• يتجنبون باستمرار معالجة مشكلات العلاقة بطرائق مثمرة.

2. علاقات العمل

يميل الأشخاص المصابون بمتلازمة بيتر بان أيضًا إلى النضال من أجل تحقيق أهداف وظيفية ومهنية.

• لديهم نمط فقدان الوظيفة بسبب نقص الجهد أو التأخير أو تخطي العمل.
• بذل القليل من الجهد الحقيقي للعثور على وظيفة.
• ترك الوظائف بشكل متكرر عندما يشعرون بالملل أو التحدي أو التوتر.
• لا يأخذون سوى العمل بدوام جزئي وليس لديهم مصلحة في متابعة فرص الترقية.
• الانتقال من ميدان إلى آخر دون قضاء الوقت في تطوير المهارات في أي مجال معين.

في بعض الحالات، يمكن أن تظهر هذه المشكلة أيضًا في شكل أهداف غير واقعية، مثل الحلم بأن يصبح شخصًا مشهورًا، أو الحصول على صفقة قياسية. هذه بالتأكيد أحلام لبعض الناس، ولا حرج في متابعتها بطرائق صحية. ولكن إذا حالت هذه الطموحات دون النجاح في مجالات أخرى من الحياة، فقد يكون الوقت قد حان للنظر في خيارات وظيفية أكثر واقعية.

إن تحويل هذه الأحلام إلى واقع دون بذل أي جهد حقيقي لتحقيقها يمكن أن يشير أيضًا إلى متلازمة بيتر بان.

صعوبات النضج:

قد تبدو العديد من سمات متلازمة بيتر بان مثل: عدم الاهتمام بالعمل، ورفض القيام بمسؤوليات الكبار، وقضايا التواصل في العلاقات، مألوفة بشكل ملحوظ بالنسبة لبعض الشباب. لقد عانى كثير من هؤلاء من قبل، وقد يجد الشباب صعوبة في الانتقال إلى مرحلة البلوغ. لكن، هنا يطرح السؤال: هل هذه متلازمة بيتر بان؟ أم شيء آخر تمامًا؟ أن تصبح بالغًا ليس شيئًا يحدث بين عشية وضحاها. إنها عملية تدريجية تحدث على مدى شهور وسنوات.

تاريخيًا، تضمنت العلامات الرئيسية لمرحلة البلوغ عوامل مثل الزواج وملكية المنزل والأبوة. عندما وصل الناس إلى هذه "السمات" أجبروا تلقائيًا على تحمل مستوى جديد من المسؤولية، وفرضت العلامات المنفصلة الاستقرار الذي حددهم كبالغين.

ومع ذلك، فإن الجيل الحالي من الشباب يعيش مشهدًا اجتماعيًا واقتصاديًا مختلفًا إلى حد كبير، مما يعني أن العديد من الناس سيشعرون بهذه الأعراض كثيرًا. مع ارتفاع متوسط سن الزواج والأبوة لأول مرة، وكون ملكية المنزل بعيدة المنال بشكل متزايد، قد يشعر عديد من الشباب كما لو أنهم لم يكبروا حقًا. لكن، هذا لا يعني بالضبط أنهم مصابون بمتلازمة بيتر بان.

ويواجه معظم الناس صعوبة في تحمل مسؤوليات "الكبار"، ويتوق الجميع تقريبًا في بعض الأحيان إلى بساطة الطفولة. ومع ذلك، إذا كان الشخص يجد صعوبة -باستمرارٍ- في الحفاظ على العلاقات الصحية ومسؤوليات الكبار، فقد يكون من الجيد الاتصال باختصاصيّ الصحة العقلية.

يمكن للنرجسية (في بعض الأحيان) أن تلعب دورًا:

تبرز النرجسية كثيرًا في المناقشات حول متلازمة بيتر بان، لكنهما مفهومان مختلفان. صحيح أن بعض الأشخاص المصابين بمتلازمة بيتر بان يُظهرون أيضًا بعض الميول النرجسية. لكن العديد من الأشخاص لديهم بعض السمات النرجسية دون تلبية المعايير الكاملة لاضطراب الشخصية النرجسية. علاوة على ذلك، ليس كل من لديه سمات متلازمة بيتر بان لديه سمات النرجسية أيضًا. ومع ذلك، فإن المسألتين تشتركان في بعض أوجه التشابه.

هناك متلازمة ويندي أيضًا:

بينما ركز الباحثون أبحاثهم على الذكور، إلا أنهم حددوا نظيرًا في الإناث يُعرف باسم متلازمة ويندي، في إشارة إلى رفيقة بيتر بان الأنثى. كما هو الحال في القصة، غالبًا ما تقوم الإناث في هذا الدور بتمكين بيتر بان في حياتهن في كثير من الأحيان دون أن يدركوا ذلك. قد يفعلون ذلك عن طريق اتخاذ القرارات نيابة عنهم، وترتيب الفوضى، وتقديم الدعم العاطفي من جانب واحد.

هل يمكن أن أعاني من متلازمة بيتر بان؟

لدينا جميعًا أيام نجد فيها صراعًا لكوننا "بالغين". لكن، هذا بسبب مشاق الحياة، ولا يجعل الأفراد يتصرفون كالأطفال للتملص من مسؤولياتهم. وهناك خصائص مشتركة وعلامات تحذيرية يمكنك البحث عنها. وهناك أيضا علامات سلوكية أخرى لمتلازمة بيتر بان يمكن أن تشمل، على سبيل المثال لا الحصر:

• الاهتمام المفرط بالمظهر والرفاهية الشخصية أو الافتقار إلى الثقة بالنفس.
• الشعور بالعجز أو كأنك قد لا تتمكن من الوصول إلى العالم دون مساعدة.
• الرد على المواقف العصيبة بنوبات انفعالات عاطفية.
• عدم وجود مساءلة شخصية (مثل إلقاء اللوم على الآخرين لسوء الأمور أو اختلاق الأعذار).
• اهتمام ضئيل أو معدوم في النمو الشخصي أو التطور.
• الخوف من ردود الفعل السلبية أو التقييم.
• التوقع بأن يعتني بك الآخرون.
• ظهور أنماط تعاطي المخدرات أو الإدمان، للهروب من المسؤوليات أو المشاعر الصعبة.
• تجنب وضع أو تأكيد الخطط القوية من أجل الإبقاء على الخيارات المفتوحة.

من المهم أن نلاحظ أنه في كثير من الأحيان، لا يشعر المصابون بمتلازمة بيتر بان بأن سلوكهم يمثل مشكلة. قد يكونون غير مدركين لسلوكياتهم، أو قد يرونها فقط على أنها "طبيعية" وليست إشكالية.

كيفية الحصول على مساعدة بخصوص متلازمة بيتر بان:

إذا كنت قلقًا من أنك قد تكافح من أجل تحمل المسؤولية في حياتك، أو تتجنب الالتزام، أو تكافح مع فكرة النمو، فقد يساعدك العمل مع معالِج مؤهّل وذي خبرة. وقد يكون المستشار قادرًا على مساعدتك في تحديد الأسباب أو المشكلات الأساسية التي تعاني منها، ويوجهك نحو الخطوات التالية لمساعدتك على المضي قدمًا.

إذا كنت قلقًا من أن متلازمة بيتر بان أو متلازمة ويندي قد تؤثر سلبًا على علاقاتك، فقد يساعدك العمل مع مستشار العلاقات على التحدث بصراحة معًا في بيئة محايدة. ومن خلال تقديم منظور خارجي محايد، يمكن للمعالج المساعدة في تسهيل المحادثة بينكما، والمساعدة في توجيهكما نحو تطوير طرائق صحية للتواصل معًا، والتعامل مع الضغوطات أو المشكلات المختلفة التي قد تؤثر عليكما.

الخلاصة

تعد متلازمة بيتر بان مصطلحًا شائعًا في علم النفس، لوصف الأشخاص الذين يجدون صعوبة في النمو. غالبًا ما يواجهون تحديات في إدارة مسؤوليات البالغين، والحفاظ على علاقات البالغين. يمكن أن تؤثر صعوبة تحمل مسؤوليات الكبار على كثير من الناس. ومع ذلك، إذا كان الشخص يجد هذا التحدي باستمرار، فقد يرغب في الاتصال باختصاصيّ الصحة العقلية.

المصادر

1. https://www.medicalnewstoday.com/articles/peter-pan-syndrome
2. https://www.healthline.com/health/peter-pan-syndrome

https://www.counselling-directory.org.uk/peter-pan-syndrome.html#whatispeterpansyndrome