هناك العديد من العوامل التي يمكن أن تُسبب تَلَف الرئتين، وإذا عرفنا هذه العوامل بشكل أفضل، فإن هذا يساهم في تطويقها، واتخاذ الإجراءات المتاحة للحفاظ على سلامة وصحة الرئتين اللتين تقومان بمهمة نبيلة، وهي نقل غاز الأوكسجين إلى داخل الجسم، وطرد غاز ثاني أوكسيد الكربون والملوّثات الأخرى إلى خارج الجسم.
المعروف أن الجسيمات الدقيقة والمهيّجات المحمولة جوًا، مثل غازات عوادم السيارات والدخان، هي من الأسباب الشائعة لتَلَفِ الرئتين، ولكنّ الأمر المدهش في الأمر هو أن هناك عوامل غير متوقَّعة، لا يعرفها كثيرٌ من الناس، يمكنها هي الأخرى أن تسبب الأذى للرئتين. تعالوا نتعرَّف عليها:
1. غاز الرَّادون
الرَّادون هو غاز عديم اللون والرائحة والطعم، ولا يمكن رؤيته أو لمسه أو حتى شمّه، وهنا تكمن المصيبة. يَنتُج غاز الرادون عن تحلل اليورانيوم الطبيعي الموجود في الصخور والماء والتربة ومواد البناء. تستطيع الجسيمات المشِعَّة لغاز الرادون أن تتسلل إلى داخل المباني من خلال الشقوق الموجودة في الأرضيات والجدران وحول مواسير المياه والأسلاك الكهربائية.
يمكن للشخص أن يستنشق أو يبتلع جسيمات الرادون المشعَّة التي تَجِدُ طريقها إلى الرئتين لتسبب التلف فيهما. يجدر التنويه هنا، إلى أن غاز الرادون يُعتَبر السببَ الثاني لسرطان الرئة في أمريكا بعد التدخين. يمكن قياس مستويات الرادون في المنزل بواسطة أجهزة خاصة.
2. العفَن
العفَن هو نوع من الفطريات المجهرية التي تنمو وتعيش على مواد نباتية أو حيوانية، أو على أشياء غير عضوية، وتتكاثر فطريات العفَن من خلال إنتاج البذور (الأبواغ) التي يمكنها أن تنتشر في الهواء، لتستقرَّ في الرئتين مسبّبة التهابات خطيرة، خاصة عند أولئك الذين يعانون من حساسية العَفَن، أو من مرض الانسداد الرئوي المزمن، أو من ضَعْف في الجهاز المناعي.
إذا كنت مصابًا بحساسية العفَن، أو بمرض الانسداد الرئوي المزمن، أو بضَعْف في الجهاز المناعي، فإن أفضل السُّبل لحماية الرئتين تقوم على تجنُّب المناطق التي يُحتَمل أن يكون فيها العفَن موجودًا، وإصلاح التسريبات على أسطح وجدران المنزل، وتجنُّب أكوام السماد والمروج والعشْب المقطوع، واستخدام منتَجات إزالة العفَن لتنظيف الأماكن الرطبة، خاصة في الحمامات.
3. السجاجيد والحصائر
يمْكِن للسجاد والحصائر أن تَجمَع العفَنَ وفضَلات الصراصير وحشرات عثّ الغبار والغازات السامة، وكثيرًا من المواد الأخرى المسبِّبة للحساسية، إضافة إلى المواد الكيميائية التي تَدخل في تركيب السجاجيد والحصائر نفسها، فهذه كلها يمكن تُسبب الأذى للرئتين، من خلال استنشاقها عند تنظيف السجاجيد والحصائر بالمكنسة الكهربائية، أو حتى عند المشي عليها.
يجب تنظيف السجاجيد والحصائر ثلاث مرات في الأسبوع، وتنظيفها على البخار مرة كل عام، ومن الأفضل التخلي عن السجاجيد والحصائر بوضع أرضيات خشبية، أو أي نوع آخر من الأرضيات الصلبة.
4. المبيدات الحشرية
قد يعرِّض استنشاقُ المبيدات الحشرية أو لمسُها أو ابتلاعُها الشخصَ إلى مشكلات رئوية، مثل الربو ومرض الانسداد الرئوي المزمن، ومشكلات عصبية، ومشكلات هرمونية، ومشكلات عينية. إذا كنت تتعامل مع المبيدات الحشرية، فيجب اتخاذ التدابير اللازمة للحماية منها، مثل وضْع الكمّامات والأقنعة والنظّارات الواقية والملابس الخاصة للتعامل مع المبيدات.
5. الألعاب النارية
تأتي مناظر الألعاب النارية الملوَّنة من انفجار قِطَع مختلفة من المعادن، تُطلِق مسحوقًا ناعمًا يلوِّن الأدخِنة التي تتبعثر في الهواء في كل الاتجاهات، ويمكن لذرّات هذا المسحوق أن تَحُطّ رِحالها في المجاري التنفسية لِتُلحِق الضرر بأنسجة الرئتين، خاصة عند أولئك الذين يعانون من أمراض رئوية مثل داء الربو. يجب الابتعاد عن الأدخنة المنطلِقة من الألعاب النارية، ويُفَضَّل استعمال الأقنعة التنفسية لتصفية الجزئيات والجسيمات الضارة.
6. الوسائد الهوائية في السيارة
تُزوَّد السيارات بوسائد هوائية هدفها الحماية عند وقوع حادث ما، ولكنْ هل تعلم أن هذه الوسائد تحتوي على مادة كيميائية بيضاء اسمها أزيد الصوديوم، تتفكَّك بعد استلامها إشارة كهربائية، لتُعطي غاز أوكسيد النيتروجين الذي يَنفُخ الوسادة، وتحصل هذه العملية خلال وقت لا يتجاوز أجزاء من الثانية.
لسبب أو لآخر، قد تتسرب هذه المادة البيضاء من الوسادة الهوائية في السيارة لتؤدي إلى الإصابة بمرض الربو، ومشكلات تنفسية أخرى، وقد يؤدي استنشاق كميات عالية من مادة أزيد الصوديوم إلى تهيج والتهاب جدران الرئتين، وإلى امتلائهما بالسوائل. يُنصَح باستشارة الطبيب في الحال عند المعاناة من مشكلات تنفّسية بعد وقوع حادث سَير أدّى إلى فتْح الوسادة الهوائية.
7. الطحين
لماذا يَسعل الخبَّازون كثيرًا ويُعانون من الأزيز ومن ضيق التنفس أكثر من غيرهم؟ لأنهم يتعاملون مع الطحين ويستنشقون ذَرّاته باستمرار، ومع مرور الوقت، يمكن أن يؤدي هذا إلى الإصابة بأمراض الرئة، وإلى تفاقمها، وربما إلى حدوث تَلَف دائم في الرئتين. يجب على الخبّازِين استعمال أقنعة الحماية لمنع ذرَّات الطحين من التسلل إلى الرئتين. لا تقتصر الإصابة على الخبَّازين فقط، بل قد تطال أفراد عائلاتهم الذين يَدُورون في فلَكهم، بسبب التقاطهم ذرَّات الطحين المتناثرة من جِلد وشَعر وملابس الخبَّازين.
8. الأفران والمواقد والسَّخانات التي تعمل على الغاز
تُعَدُّ هذه الأمور من المسبّبات الخفيّة للمشكلات التي تحصل للرئتين، ويرجِع السبب في ذلك إلى احتراق غاز تلك المواقد، مُطلِقًا غاز ثاني أوكسيد النيتروجين الذي يُثير التهاب القصبات، ويسبب السعال والأزيز وضيق التنفس وداء الربو. كما يمكن لغاز ثاني أوكسيد النيتروجين أن ينبَعث من احتراق الزيت والوقود والفحم والكيروسين. يجب تنظيف تلك الأجهزة بشكل جيد، وصيانتها بشكل دَوري، إلى جانب التأكّد من خروج نفاياتها إلى خارج المنزل.
9. أحواض الاستحمام الساخنة
تُعتَبر هذه الأحواض بيئة مناسبة لنمو وتكاثر البكتيريا التي يمكن أن تتسلل إلى المجاري التنفسية والرئتين بواسطة البخار الناتج عن الماء الساخن، فتكون النتيجة حدوث التهاب رئوي يعطي أعراضًا أبرزها ارتفاع حرارة الجسم، والسعال وضيق التنفس. يجب الحرص على تنظيف وصيانة أحواض الماء الساخنة والدشّ والمَسابح بانتظام.
10. الصراصير
تُلقِي هذه الحشرات بفضَلاتها وأجزاء من أجسامها على شكل غبار يَجِدُ طريقه إلى الأرضيات والأثاث وأسِرَّة النوم، ويمكن للأشخاص الذين يستنشقون هذا الغبار أن يعانوا من الحساسية أو من مشكلات رئوية، وقد يشكو الأطفال ما قبل سنّ المدرسة، الذين هم على تماسّ مع غبار الصراصير، من مرض الربو. يُساعد الحفاظُ على نظافة وجفاف المنزل وأثاثه، خاصة الأقمشة والسجاد، على حماية الجهاز التنفسي من غبار الصراصير.
11. الطيور
يمكن أن يسبب استنشاقُ جزيئات الهواء الملوَّثة بِرَوَث الطيور وغبار رِيشِها الإصابةَ بالتهابات رئوية، قد تنتَهي بتشكُّل أنسجة تالفة في الرئتين، ويُطلَق على هذه الحالة مرض مربِّي الحَمَام، أو رئة مربِّي الطيور. إذا كنت تتعامل مع الطيور وفضَلاتها واشتكيت من أعراض تنفسية، فَحَرِيٌّ بك أن تستشير طبيبك.
12. الزراعة
يمكن للعفَن الذي ينمو على الحبوب أو القشّ أن يتسبّب في حدوث مرض يُعرَف بمرض رئة المُزارِع، الذي هو نوع من الالتهاب الرئوي الناتج عن فَرْط الحساسية، والذي يصيب أكثر مربِّي الماشية ومنتِجِي الألبان. أفضل شيء يمْكن فعله هو الابتعاد عن العفَن الذي يتواجَد بكثرة في الأماكن المشبَعة بالرطوبة.
13. جهاز الترطيب
يُستَعمل هذا الجهاز من أجل نَشْر الرطوبة في المنزل، والتنفّس بشكل أسهل وأفضل، غير أن ما لا يعرفه كثيرون هو أنه قد يكون ضارًا للرئتين، لأنه يُعتَبر بيئة مثالية لنمو الفطريات التي يمكنها أن تتطاير في الهواء، لتصل إلى أعماق الرئة، وتُسبّب الحساسية والالتهابات. وقد يَحصل الأمر ذاته مع مكيِّفات الهواء وأنظمة التدفئة والتبريد. يُنصَح بتنظيف وصيانة تلك الأجهزة دوريًا لتجنّب المشكلات الرئوية.
14. الشموع
المقصود بالشموع هنا هي الشموع المصنَّعة من البارافين البترولي الذي يُطلِق مشتقات كيميائية عند احتراقه، لتنتَشر في الهواء ومنه تَصل إلى الرئتين عن طريق التنفس، وتزيد تلك المشتقات من خطر الإصابة بالحساسية، والمشكلات التنفسية مثل الربو، والسرطان. يُستحسَن استعمال الشموع المصنوعة من شَهد العسل أو من الصويا، فهي أكثر أمانًا، مع التشديد على أهمية تدفّق تهوية جيدة عن حَرق أي شيء.
15. الطابعات
تُرسِل جميعُ أنواع الطابعات في الهواء جزيئاتٍ متناهيةً في الصِغَر، يمكنها أن تؤدي إلى تفاقم أمراض الرئة. في دراسة نُشِرت عام 2009 في مجلة نيوانغلاند الطبية، وجَدت مراقبةُ الأطباء لامرأة عانَت من مرض في الجهاز التنفسي بأن الحِبْر المستخدَم في الطابعة هو أصل البليّة.
16. البلاستيك
ربطَت عديدٌ من الدراسات بين ارتفاع مستويات مادة الفثالات وزيادة نوبات داء الربو والصفير والسعال، وقد تم توجيه أصابع الاتهام إلى البلاستيك الموجود في كثير من المنتَجات المنزلية، بما في ذلك ستائر الحَمّام، وأنواع معيَّنة من الأرضيات، والجِلْد المقلَّد، والنوافذ البديلة، وحاويات تخزين الطعام، ومنتَجات العناية بالشَّعر، والماكياجات، والعطور، والعبوات البلاستيكية، وخراطيم الحدائق، وحتى ألعاب الأطفال، فهذه كلها تُطلِق مادة الفثالات في الهواء. يقول مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها عن الفثالات: بأنها مجموعة من المواد الكيميائية المستخدَمة لِجعل البلاستيك أكثر متانة ومرونة.
المصادر:
