هل تؤثر المناعة على مشاعرنا ونشاط أدمغتنا؟

هل هناك علاقة بين المناعة والإبصار؟ ونشاط الدماغ أيضاً؟!

انطَلَق بيتر مدَوَّر في أبحاثه عن المَناعة من دراسة ظاهرة الرفض التي لاحَظَها في عمليات زرع الجِلد، وبعد أبحاث كثيرة توصَّلنا لفهم المَناعة، ثم عَرفنا الدور المهم الذي تقوم به خلايا المَناعة في الدفاع عن جسمنا ضد كل ما يدخل إليه من جراثيم وخلايا غريبة، واكتَشَفنا وجود مُوَرِّثات التَّوافُق والزُمَر المَنَاعية، والتَّنَوع الغَزير والتَّميز الفَريد الذي يوجَد فيها بين أفراد الكائنات الحية. ثم اكتَشَفنا أنها تَلعب دوراً ما في التجاذب أو التنافر الذي يَحدث بيننا. وهكذا مِنْ دراسة عدم التَّوافق وصَلْنا إلى اكتشاف التَّوافق أيضاً! ولكنْ هل تؤَثِّر مُوَرِّثات التَّوافق والزُمَر المَنَاعية التي نَحملها بمشاعرنا فعلاً؟ هل تؤَثِّر حقاً على نشاط الدماغ؟ وكيف يمكن أنْ تَفعَل ذلك ونحن نَعلم أنّ الدماغ بالذات هو مِنَ الأعضاء القليلة في جسم الإنسان التي تتميز بحماية خاصة مِنَ النشاط الزائد لخلايا المَناعة؟!

طالما اعتَقد العلماء أنّ الدماغ عضو نبيل هام في جسم الإنسان، وأنّ هناك حاجزاً بين الدم والدماغ يحميه مِن غزو كثير من المواد والأدوية والجراثيم والخلايا، وأنّ حدوثَ تفاعلات ومعارك مَنَاعيّة قوية بين خلايا المَناعة والأجسام الغريبة ربما يُسبب أضراراً قد لا يمكن تَحمّلها في هذا العضو الرقيق الذي ينظِّم كثيراً من جوانب نشاط الإنسان وتفكيره وحركاته وحياته. ولذا فقد فوجئ العلماء عندما طَلَعَتْ عليهم الباحثة الأمريكية كارلا شاتز Carla Shatz (1947) من جامعة هارفارد سنة 1998 بملاحظاتها عن وجود نشاط زائد لمُوَرِّثات التَّوافق والمَناعة في الدماغ!

صداقة عِلمية حميمة

مِنَ النادر أنْ نَجد في تاريخ العِلم قصة صداقة حميمة امتَدَّتْ على مدى أكثر من ربع قرن، وأَثمرتْ كثيراً من الأبحاث والدراسات العلمية المهمة، بل ووصَلتْ بهما معاً إلى جائزة نوبل! جاء ديفيد هنتر هيوبل David Hunter Hubel (1926-2013) إلى أمريكا سنة 1954 قادماً من كندا حيث دَرَسَ الطب في جامعة ماغيل. كانت المحطة الأولى له في جامعة جونز هوبكينز حيث دَرَس عِلم الأعصاب، وتعرَّف هناك على تورستن نيلز فيزل Torsten Nils Wiesel (1924) السويدي الذي حَصَلَ على شهادة الطب من جامعة كارولينسكا سنة 1954، وجاء إلى جامعة جونز هوبكينز الأمريكية سنة 1955 لدراسة طب العيون. التقيا هناك في سنة 1955، وشَكَّلا معاً منذ ذلك الحين فريقاً نادراً لامعاً في العمل والبحث في مجال علوم الأعصاب وفيزيولوجيا الإبصار. انتقل هيوبل وفيزل معاً إلى جامعة هارفارد سنة 1959 حيث قاما بكثير من الأبحاث عن فيزيولوجيا الإبصار وتَطَوّر الدماغ وكيفية استجابة الخلايا العصبية في الدماغ للمنبهات البصرية وكيفية تكوّن الصورة وفهمها في الدماغ. ثم حَصَلا معاً على جائزة نوبل في الفيزيولوجيا والطب سنة 1981 تقديراً لأبحاثهما العلمية الرائدة.

 

العالِم الكندي ديفيد هنتر هيوبل David Hunter Hubel (1926-2013)، حصل على جائزة نوبل في الفيزيولوجيا والطب سنة 1981 تقديراً لأبحاثه في علوم الإبصار والأعصاب

العالِم السويدي تورستن نيلز فيزل Torsten Nils Wiesel (1924)، حصل على جائزة نوبل في الفيزيولوجيا والطب سنة 1981 تقديراً لأبحاثه في علوم الإبصار والأعصاب

 

كان من حسن حظ العلم أيضاً أن هذَين العالمَين قد استقدما الباحثة الشابة كارلا شاتز Carla Shatz (1947) لتقوم بمتابعة أبحاثهما في فيسيولوجيا الإبصار والدماغ، لتكتشف أثناء ذلك وجود نشاط مناعي خاص في الدماغ كان له تأثير كبير على معارفنا وفهمنا لكيفية تأثير المناعة على وظائفنا العصبية.

 

المصدر:

كتاب "قصة المناعة، كيف كشفها رجالها" للدكتور عامر شيخوني

01 يوليو 2023
آخر تعديل بتاريخ