تتألف جميع الكائنات الحيّة من وحدة أساسية فيها تسمى الخليّة. الغالبية العظمى من الكائنات الحية في كوكب الأرض هي في الحقيقة كائنات دقيقة جداً يتألف جسمها من خليّة واحدة، ولا يمكن رؤيتها إلا باستخدام التكبير واستعمال المجهر. أما الكائنات الحيّة الأكبر، سواء كانت نباتات أو حيوانات، فهي تتألف من عدد كبير جداً من الخلايا المتنوعة.
الذَّرَة
كثيراً ما يُطرح السؤال عن الفرق بين الخليّة والذرّة. وبالطبع الفروق هائلة، لأنّ الذرّة هي الواحدة التي تتألف منها جميع المواد في الكون، وهي صغيرة جداً، ولا يمكن رؤيتها حتى بأقوى أجهزة التكبير التي اختَرعها الإنسان حتى الآن. وهناك أنواع كثيرة من الذرّات، أصغرها ذرّة الهيدروجين، وأكبرها في الطبيعة هي ذرّة البلوتونيوم. تحتوي الذرّة على مكونات عديدة أشهرها الالكترونات والبروتونات والنيوترونات. تتفاعل ذرّات العناصر المختلفة لتشكل جميع المواد المعروفة في الكون، فمثلاً، تتفاعل ذرّة أوكسجين مع ذرّتين من الهيدروجين فيتشكل جُزَيء الماء العادي، وتتجمع جُزيئات الماء لتشكل الماء السائل، وإذا بردتْ تتجمد بشكل ثلج أو جليد، ولو سخنتْ تصبح بشكل بخار الماء في الغيوم. وهكذا تتألف جميع مواد الكون بكافة أشكالها المختلفة من ذرّات وجُزيئات تختلف عن بعضها بحسب الذرّات التي تدخل في تركيبها الكيميائي وحالتها الفيزيائية.
نموذج لذرّة عنصر الليثيوم Lithium تظهر فيه نواة الذرّة التي تحتوي على البروتونات والنيوترونات، وتُحيط بها الالكترونات في مدارات منتظَمة
رسم توضيحي للتفاعل الكيميائي بين الأوكسجين والهيدروجين لصنع جُزيء الماء
الخليّة
أما الخليّة، فهي الواحدة التي تتألف منها الكائنات الحيّة، ويشكِّل الماء أكثر من ثلثي مادة الخليّة، كما أنها تحتوي على كثير من المواد المعدنية والعضوية مثل السكاكر والنشويات والدهون والبروتينات ... وهكذا تتألف الخليّة من ملايين الذرّات التي تدخل في تركيب مادتها. وهناك أنواع كثيرة من الخلايا، يمكن رؤية الصغيرة منها تحت تكبير المجهر، ويمكن رؤية الخلايا الكبيرة بالعين مباشرة، فبيضة الدجاج مثلاً تتألف من خليّة واحدة تحتوي كمية كبيرة من المواد المغذية المُخَزَّنة فيها لكي يتغذى منها الجنين (الصوص) أثناء تكّونه داخل البيضة. يحيط بالخليّة عادة غلاف أو غشاء يحميها ويضم محتوياتها، وله دور هام في تنظيم عملها بما يَسمح أو يَمنع من مرور المواد منها وإليها، وذلك عبر فتحات أو بوابات صغيرة تتحكم في فتحها وإغلاقها التفاعلات الفيزيائية والكيميائية الحيوية التي تَجري فيها ومِنْ حولها.
عند فحص الخليّة تحت تكبير المجهر، نشاهد فوراً أكبر محتوياتها، وهي كرة تضمّ خيوطاً كثيفة ملتفة حول بعضها وتعطيها لوناً داكناً، أَطلق عليها العلماء اسم نواة الخليّة. يحيط بالنواة سائل لزج يسمى الهَيولى. ونَرى فيه أليافاً وجُسَيمات وفجوات صغيرة وأخرى كبيرة ... تحتوي الهَيولى أحياناً أجساماً ملونة، مثل الجُسَيمات الخضراء في خلايا النباتات، كما تحتوي على جُسَيمات (الريبوزوم) التي تُصنع فيها البروتينات، وجُسَيمات (الميتوكوندريا) التي يتم فيها توليد الطاقة اللازمة للنشاط الحيوي في الخليّة.
صورة لبعض الخلايا تحت تكبير المجهر تظهر فيها النواة في الخلايا بوضوح
رسم توضيحي للخليّة
صورة لبعض الخلايا بعد تلوين النواة، وتَظهر نواة الخليّة اليسرى في حالة الانقسام والتكاثر
لعل أهم ما يميز الخليّة الحيّة عن غيرها من المواد في الطبيعة هو قدرتها على الانقسام والتكاثر. تلعبُ النواة الدور الرئيسي في ذلك، فالنواة هي مركز القيادة العامة في الخليّة، وهي تنظِّم نشاطها الحيوي، وتنظِّم عملية الانقسام. وقد عرفنا شيئاً عن الدور الهام الذي تلعبه الصبغيات والحموض النووية في نقل الصفات الوراثية بفضل تركيبها الخاص، والقدرة الفريدة للحموض النووية على مضاعفة نفسها ونسخ التسلسل المميّز في تركيبها، وتحكمها في عملية تركيب البروتينات في الخليّة الحيّة.
المصدر:
كتاب "قصة الوراثة، كيف كشفها رجالها" للدكتور عامر شيخوني
