تعتمد كيفية نمو الأطفال وتطورهم على عوامل بيئية داخلية وخارجية كثيرة، وعلى الرغم من أن بعض العوامل لا يمكننا التحكم بها، لكن الفهم الجيد لما يحتاجه الأطفال في كل مرحلة من مراحل نموهم وتطورهم والمؤثرات السلبية والإيجابية عليهم يساعدنا على تربيتهم بشكل أفضل. نطرح في هذا المقال أهم العوامل المؤثرة على النمو في مرحلة الطفولة المبكرة.
كيف يتم تعريف النمو والتطور؟
على الرغم من استخدام مصطلحي النمو والتطور بشكل مترادف، فإن لهما معاني مختلفة من الناحية البيولوجية. يشير النمو إلى تزايد الخصائص الفيزيائية للجسم مثل الطول والوزن والحجم وما إلى ذلك، بينما يشير التطور إلى التغييرات النوعية في النمو بطريقة منظمة وذات مغزى تؤدي إلى النضج. والنمو والتطور يساهمان معا في تنشئة طفل صحيح، وهما عاملان لا ينفصلان، ويحدثان في وقت واحد. على سبيل المثال، يمكن لأوزان معظم الأطفال، بحلول الوقت الذي يكبرون فيه إلى عمر 8 أشهر أن تصل إلى ما بين 8 و10 كيلوغرامات، وتطورهم العصبي والإدراكي بحيث يمكنهم الجلوس والتفاعل مع الأشخاص والبيئة.
ما هي العوامل المؤثرة على النمو في مرحلة الطفولة المبكرة ؟
تساهم العوامل الطبيعية والتغذية والتربية بنمو الطفل وتطوره، وفي حين أن ما تقدمه الطبيعة هو نفسه للجميع فإن تربية الطفل وتنشئته باختلافاتها الكثيرة تؤثر بشكل كبير على حاضر الطفل ومستقبله. تشمل أهم العوامل المؤثرة على النمو في مرحلة الطفولة المبكرة ما يلي:
-
الوراثة
الوراثة هي انتقال الخصائص الجسدية من الآباء إلى الأبناء من خلال جيناتهم، والوراثة تؤثر على جميع جوانب المظهر الجسدي مثل الطول والوزن وبنية الجسم ولون العين وملمس الشعر وغير ذلك. ويمكن أيضًا أن تنتقل الأمراض والحالات مثل أمراض القلب والسكري والسمنة وما إلى ذلك من خلال الجينات، وهذا قد يؤثر على نمو الطفل وتطوره بشكل سلبي. ومع ذلك، يمكن للعوامل البيئية والتنشئة أن تبرز الصفات الجيدة الموجودة بالفعل في الجينات.
-
البيئة
البيئة هي أحد العوامل المؤثرة على النمو في مرحلة الطفولة المبكرة ، وهي تلعب دوراً كبيراً في نمو الأطفال، كما تؤثر على النمو الجسدي والنفسي للطفل. وتتضمن بعض العوامل البيئية التي تؤثر على تنمية الطفولة المبكرة: البيئة المادية، والظروف الجغرافية للمكان الذي يعيش فيه الطفل، فضلاً عن بيئته الاجتماعية وعلاقاته مع الأسرة والأقران. ومن السهل أن نفهم أن الطفل الذي تتم تربيته بشكل جيد يكون أفضل من الطفل المحروم. مثلاً، تبني المدرسة الجيدة والأسرة المحبة للأطفال مهارات اجتماعية وشخصية قوية لديهم، والتي تمكنهم من التفوق في مجالات أخرى، سيكون هذا بالطبع مختلفاً بالنسبة للأطفال الذين نشأوا في بيئات مرهقة.
-
الجنس
جنس الطفل هو عامل رئيسي آخر يؤثر على النمو البدني للطفل وعلى تطوره، وينمو الذكور والإناث بطرق مختلفة، خاصة قرب سن البلوغ حين يميل الذكور لأن يكونوا أطول وأقوى جسديًا من الفتيات. ومع ذلك، تميل الفتيات إلى البلوغ بشكل أبكر وأسرع خلال فترة المراهقة، بينما ينضج الذكور على مدى فترة زمنية أطول. كما أن في البنية الجسدية لأجسادهم اختلافات تجعل الذكور أكثر ملاءمة للأنشطة التي تتطلب قوة بدنية، وتختلف أمزجتهم أيضًا، ما يجعلهم يُبدون اهتمامًا بأشياء مختلفة.
-
التمارين والأنشطة
لا تعني كلمة التمارين هنا ممارسة الرياضة البدنية المستمرة التي يُنصح بها البالغون، بل تشير التمارين هنا إلى وقت الأنشطة الرياضية التي تساعد الجسم على زيادة القوة العضلية وزيادة كتلة العظام، الأمر الذي يساعد الأطفال على النمو والتطور جيدًا. كما تحافظ الأنشطة الرياضية على صحتهم وتكافح الأمراض عن طريق تقوية جهاز المناعة، خاصة إذا كانوا يلعبون في الخارج. وذلك لأن اللعب في الهواء الطلق يعرّضهم للميكروبات التي تساعدهم على بناء المقاومة ومنع الحساسية.
-
الهرمونات
يتم إنتاج الهرمونات بواسطة غدد مختلفة تقع في أجزاء معينة من الجسم، وتتحكم الهرمونات في وظائف الجسم المختلفة. وخلال فترة البلوغ، تنتج الغدد التناسلية هرمونات جنسية تتحكم في نمو الأعضاء التناسلية وظهور الخصائص الجنسية الثانوية عند الذكور والإناث. وإن تنشيط عمل الهرمونات في عمر معين هو أمر بالغ الأهمية للنمو البدني الطبيعي ولتطور الأطفال، ويمكن أن تؤدي الاختلالات في عمل الغدد التي تفرز الهرمونات إلى مشاكل في النمو وإلى السمنة والمشاكل السلوكية وأمراض أخرى.
-
التغذية
تعتبر التغذية عاملاً حاسماً في النمو، إذ إن كل ما يحتاجه الجسم لبناء وإصلاح نفسه يأتي من الطعام الذي نتناوله، ويمكن أن يسبب سوء تغذية الطفل أمراضاً تؤثر سلباً على نموهم وتطورهم. من ناحية أخرى، يمكن أن يؤدي الإفراط في تناول الطعام إلى السمنة، وإلى مشاكل صحية على المدى الطويل، مثل مرض السكري وأمراض القلب. والنظام الغذائي المتوازن الغني بالفيتامينات والمعادن والبروتينات والكربوهيدرات والدهون ضروري لنمو المخ والجسم.
-
التأثير العائلي
للعائلات الأثر الأكبر في تنشئة الطفل وتحديد الطرق التي يتطور بها نفسياً واجتماعياً، فالأطفال بحاجة إلى الحب والرعاية والمجاملة لكي يتطوروا كأفراد أصحاء. ويُلاحظ النمو الأكثر إيجابية عندما تستثمر العائلات الوقت والطاقة والحب في تنمية الطفل من خلال أنشطة مثل القراءة لهم واللعب معهم، وإجراء محادثات عميقة ذات مغزى. بينما العائلات التي تسيء معاملة الأطفال أو تهملهم ستؤثر على نموهم الإيجابي، وقد ينتهي الأمر بهؤلاء الأطفال كأفراد لديهم مهارات اجتماعية ضعيفة ويعانون من صعوبة في الترابط مع أشخاص آخرين كبالغين ناضجين وناجحين في المجتمع. كما أن الأبوة المروحية (طريقة المروحية أو الطائرة العمودية للتربية "Helicopter Parenting" هي طريقة في التربية تعني تدخّل الوالدين بشكل زائد عن اللزوم في حياة طفلهم) لها آثار سلبية لأنها تجعل الأطفال معتمدين على الوالدين حتى عندما يكونون صغاراً وغير قادرين على التعامل مع صعوبات الحياة بمفردهم.
-
التأثيرات الجغرافية
يعتبر المكان أحد العوامل المؤثرة على النمو في مرحلة الطفولة المبكرة، وذلك لتأثيره كبير على كيفية ظهور أطفالك، والمدارس التي يرتادونها، والحي الذي يعيشون فيه، والفرص التي يوفرها المجتمع، ودوائر أقرانهم هي بعض العوامل الاجتماعية التي تؤثر على نمو الطفل. مثلا، العيش في مجتمع غني يحتوي على حدائق ومكتبات ومراكز مجتمعية للأنشطة الجماعية والرياضية يلعب دوراً مهماً في تنمية مهارات الطفل ومواهبه وسلوكه، بينما يمكن للمجتمعات غير المهتمة أن تدفع بعض الأطفال إلى عدم الخروج كثيراً، بل تجعلهم يتجهون إلى لعب ألعاب الفيديو في المنزل بدلاً من ذلك. حتى مناخ المكان يؤثر على صحة الأطفال في شكل أمراض وحساسية.
-
الوضع الاجتماعي والاقتصادي
يحدد الوضع الاجتماعي والاقتصادي للأسرة جودة الفرصة التي يحصل عليها الطفل. مثلا، من المؤكد أن الدراسة في مدارس أفضل لها فوائد على المدى الطويل. يمكن للعائلات الميسورة أيضاً تقديم موارد تعليمية أفضل لأطفالها، كما أنها تستطيع تحمل كلفة المساعدة التعليمية إذا احتاجها الأطفال. في حين قد لا يتمكن أطفال الأسر الفقيرة من الوصول إلى الموارد التعليمية والتغذية الجيدة للوصول إلى إمكاناتهم الجسمية والعقلية الكاملة، وقد يكون لديهم أيضاً آباء يعملون لساعات طويلة ولا يمكنهم استثمار وقت ممتع وكافٍ في تنمية أطفالهم.
-
التعلم والتعزيز
التعلم ينطوي على أكثر بكثير من مجرد وضع الطفل في المدرسة. يشمل التعلم بناء الأطفال عقليًا وفكريًا وعاطفيًا واجتماعيًا حتى يعملوا كأفراد أصحاء في المجتمع، أما التعزيز فهو أحد مكونات التعلم، ويتم تكرار النشاط أو التمرين وصقله لترسيخ الدروس المستفادة. مثال على ذلك هو تعليم العزف على آلة موسيقية، ومن ثم تكرار التدريب حتى يتم تعزيز العزف وحفظه والحصول على النتائج الصحيحة.
الأسئلة الشائعة
كيف يمكن تصنيف العوامل المؤثرة على النمو في مرحلة الطفولة المبكرة ؟
تنقسم العوامل المؤثرة على النمو في مرحلة الطفولة المبكرة بين عوامل شخصية تتعلق بالفرد نفسه لا بجميع الأطفال، وعوامل خارجية تؤثر على مجموعة من الأطفال.
ما العامل الذي يحدد مدى تأثير بيئة الطفل على نموه؟
تعتبر البيئة أحد أبرز العوامل المؤثرة على النمو في مرحلة الطفولة المبكرة، ويعتمد نمو الطفل على كيفية تفاعله مع البيئة التي يعيش فيها ومدى انسجامه معها، إذ إن الطفل الذي يمتلك قدرات جسدية ومهارات عالية سيواجه صعوبات وتحديات كبيرة إذا كان يعيش في بيئة تفتقر إلى التحفيز والعناية بالأطفال.
نصيحة من موقع صحتك
على الرغم من أن الطبيعة تساهم كثيرًا في نمو الأطفال وتطورهم، فإن العوامل المؤثرة على النمو في مرحلة الطفولة المبكرة ترتبط بشكل كبير في التنشئة. كما ذكرنا سابقًا، ربما لا يمكن التحكم في بعض هذه العوامل، ولكن هناك أشياء يمكنك بالتأكيد ضمانها لطفلك، يشمل ذلك ضمان حصول طفلك على قسط كافٍ من الراحة كل يوم، لأن نموه يعتمد بشكل كبير على مقدار النوم الذي يحصل عليه. انتبه جيدًا إلى مستويات التغذية والتمارين الرياضية لطفلك، إذ تلعب هذه أيضًا دورًا مهمًا في تعزيز نمو طفلك وتطوره الصحي في الوقت المناسب.