إذا كنتَ من متابعي كرة القدم أو البيسبول، فلا بد أن رأيتَ مشهد سقوط أحد اللاعبين على أرض الملعب دون سابق إنذار، بسبب توقّف مفاجئ في عضلة القلب.
احتار العلماء في أسباب توقّف عضلة القلب المفاجئ عند الشباب اليافع، وخاصةً الرياضيين، فأرجح البعض هذه الحالة إلى احتمالية الإصابة بعيوب خَلْقية في القلب، أو اختلال مفاجئ في كهربائية القلب، أو اعتلال عضلة القلب الضخامي (Hypertrophic cardiomyopathy). لكنْ لوحظ في بعض الحالات توقّف القلب بسبب ضربة مباشرة على الصدر (commotio cordis).
نستعرِض في هذا المقال بعض المعلومات عن توقّف القلب بسبب الإصابة الرضّية، خاصة عند الرياضيين.
ما هو توقّف القلب بسبب الإصابة الرضِّيّة (Commotio cordis)؟
يعدّ توقّف القلب بسبب الإصابة الرضّية صورة من صور السكتة القلبية، ويحدث بسبب صدمة للقلب في لحظة محددة جدًا في الدورة الكهربائية للقلب.
أوضح العلماء أنّ مقدارًا مُعيّنًا من القوة، جنبًا إلى جنب مع التوقيت الذي يكون فيه القلب أكثر قابلية لاضطراب النظم في دورته الكهربائية، قد يتسبَّب في حدوث اضطراب المسار الكهربائي في القلب، فتصبح ضربات القلب غير منتظمة، مما قد يُسبِّب الرجفان البطيني في القلب، المتمثِّل في انقباضات قلبية غير منسّقة لا تسمح بدفع الدم وضخه في الدورة الدموية، وعندما لا يتم ضخ الدم من القلب إلى باقي أجزاء الجسم بطريقة فعّالة، أو إذا توقّف عن الضخّ، فإن ذلك يُعرف بالسكتة القلبية، ولن يتمكَّن القلب حينها من توصيل الدم إلى الأعضاء الحيوية، مثل الدماغ والرئتَين، ويمكِن أن يُسبِّب ذلك الصدمة والوفاة في غضون دقائق.
هل الرياضة عامل من عوامل خطر الإصابة بتوقّف القلب؟
أظهرت الأبحاث أن توقّف القلب بسبب الإصابة الرضّية commotio cordis يؤثّر على الرياضيين الشباب، ويرجح العلماء انتشار هذه الإصابة بين الرياضيين الشباب إلى أنّ عَظْمة القصّ عند الشباب، وهي العظم الطويل المسطّح في وسط الصدر من الأمام، ليست صلبة مثل البالغين، وهكذا، مع وجود جدار صدري أقل حماية للقلب، قد يكون من الأسهل للضربة أن تضغط على قلب الشاب أو المراهق، وتَتسبَّب في توقّف القلب.
وجد الأطباء أيضًا أن هذه الحالة أكثر شيوعًا بين الأشخاص الذين يمارسون فنون الدفاع عن النفس، أو أولئك الذين يمارسون الرياضة بالكُرات الصلبة، مثل الهوكي أو البيسبول، أو حتى كرة القدم. في دراسة تمّ تَتَبُّعها، وُجد أنّ من بين 128 حالة توقّف للقلب بسبب الإصابة الرضّية commotio cordis ، حدثت 46 حالة أثناء ألعاب البيسبول، ودثت 13 حالة أثناء مباريات هوكي الجليد.
على الرغم من أنه أكثر شيوعًا بين الأطفال والشباب، فقد تم توثيق حالات توقّف القلب بسبب الإصابة الرضّية commotio cordis في حالات التعذيب أو الضرب المُبَرِّح.
كيف تُعالَج حالات توقّف القلب بسبب الإصابة الرضّية؟
العلاج السريع عند الإصابة بهذه الحالة ضروري جدًا، فكل دقيقة تمر بعد أن يفقد الشخص وعيه ينخفض معها معدل البقاء على قيد الحياة بنسبة 10٪. لذلك، هناك بعض التوصيات للمساعدة في علاج حالات توقّف القلب بسبب الإصابة الرضّية commotio cordis:
- اطلب المساعدة واتصل بخدمات الطوارئ المحلية، وقُم بإجراء الإنعاش القلبي الرئوي CPR على الفور.
- إذا كنتَ لا تشعر بنبض الشخص، فاستخدِم جهاز صدمات القلب الكهربائية الآلي AED على الفور.
- يمكِن لجهاز صدمات القلب الكهربائية الآلي تقييم ما إذا كان الشخص يجب أن يتعرّض لصدمة كهربائية أم لا، وقد يساعد حتى في إعادة القلب إلى الإيقاع الكهربي الصحي. يفضل متابعة إجراء الإنعاش القلبي الرئوي أثناء استخدام جهاز صدمات القلب الكهربائية.
- استمِرْ في استخدام جهاز الصدمات الكهربي والإنعاش القلبي الرئوي حتى وصول سيارة الإسعاف، ما لم يستعِدْ الشخص وعيه وتستقر حالته.
- يجب أن يدخُل الشخص المصاب بتوقف القلب بسبب الإصابة الرضّية commotio cordis إلى المستشفى، وأن تتم مراقبته لبضعة أيام، حتى يسترِدَّ عافيته وصحته. يمكن إعطاء الأدوية المضادّة لاضطراب النظُم للمساعدَة في إبقاء ضربات القلب في إيقاع ثابت وصحي.
- إذا كان القلب ينبض بشكل طبيعي، ولا توجد مشكلات صحية أخرى، فقد يُسْمَح للمُصاب باستئناف أنشطته الطبيعية.
- يُوصَى المُصاب بضرورة المتابعة مع طبيب القلب حتى يتمكَّن من إجراء فحوصات دورية على إيقاع القلب ووظائفه.
ما هي مضاعَفات توقّف القلب بسبب الإصابة الرضّيّة؟
قد يؤدّي العلاج الناجح للشفاء التام، وعدم حدوث مزيد من مشكلات القلب. مع ذلك، قد يحتاج الشخص المصاب إلى تخطيط كهربية القلب ECGأو EKG لفحص قلبه، بحثًا عن أي اضطرابات في نظم القلب، وينصح بتسجيل تخطيط القلب على مدى 24 ساعة (جهاز هولتر)، والحصول على موافقة الطبيب قبل السماح له بممارسة الرياضة مرة أخرى.
وُجِد أنه في حالة حدوث عدم انتظام ضربات القلب، فقد تتطلّب الحالة العلاج بالأدوية، وربما زرع بطارية تنظيم ضربات القلب.
قد يُنصَح الأشخاص الذين يعانون من عدم انتظام ضربات القلب المستمر بعدم ممارسة الرياضات أو الأنشطة التي يمكِن فيها التعرّض لصدمة في الصدر.
كيف يمكِن الوقاية من توقّف القلب بسبب الإصابة الرضّية؟
قد يكون من المستحيل منع إصابات الصدر أثناء ممارسة الرياضة، أو في ظروف أخرى مثل حوادث السيارات، ومع ذلك، هناك خطوات يمكن اتخاذها لتقليل المضاعفات الناجمة عن توقّف القلب بسبب الإصابة الرضّيّة commotio cordis، والحفاظ على الأرواح. تتضمّن بعض الخطوات المهّمة التي يمكن اتخاذها الآتي:
- وجود طبيب رياضي داخل الملعب أثناء التدريبات والألعاب.
- التأكّد من توفّر جهاز صدمات القلب الكهربائية الآلي في جميع المرافق الرياضية، وأن المدرِّبين وغيرهم من المشاركين يعرِفون كيفية استخدامه بسهولة.
- تثقيف المدرّبين والمتدرِّبين وأولياء الأمور والرياضيين حول كيفية التعرّف على أعراض توقّف القلب بسبب الإصابة الرضّية، وإجراء الإنعاش القلبي الرئوي، واستخدام جهاز الصدمات الآلي.
كما تشمل الجهود المبذولة لتقليل احتمالية إصابة الصدر نفسها ما يلي:
- التأكّد من ارتداء الواقيات ومعدّات الحماية الأخرى بشكل صحيح ومتَّسق.
- تعليم الرياضيين كيفية تجنّب الضرب بالكرة، أو أي أداة أخرى يمكن أن تسبِّب هذه الإصابة.
- الحرص على إجراء الفحوصات الطبية الكاملة للرياضيين، بما في ذلك رسم كهربية القلب ECG ومخطط صدى القلب Echocardiography بصورة منتظمة، لاكتشاف أي أمراض قلبية، أو أيّ اضطراب في كهربية القلب.
وختامًا،
إذا كان لديك طفل يمارس رياضةً يمكِن أن يتعرّض فيها لإصابة في الصدر، فتأكَّد من ارتداء معدّات الحماية المتاحة، وأن النادي أو مكان اللّعب به جهاز صدمات القلب الكهربائية الآلي، مع وجود مدرِّبين طبيين متاحِين في جميع الأوقات. من المهم كذلك نشر الثقافة بين الرياضيين حول هذه الإصابة، وكيفية الوقاية منها.
1-https://www.healthline.com/health/commotio-cordis
2- https://www.health.com/damar-hamlin-cardiac-arrest-cause-commotio-cordis-7093130
