خطا الأطباء خطوات كبيرة في طرق تشخيص الحساسية ومعرفة أسباب نشوئها وسُبل معالجتها، وصار لها اختصاص يتميز عن بقية اختصاصات الطب الباطني، لكن الأمر يبقى معقداً بالنسبة لمعظم المصابين بها من المرضى، وقد يصعب على البعض التعامل مع مشاكل الحساسية. نبين فيما يلي نصائح مهمة للتعامل مع مشاكل الحساسية ولكن نبيّن أولاً أسباب وأعراض الحساسية.
أسباب وأعراض الحساسية
تتمثل الخطوة الأولى في التعامل مع مشاكل الحساسية أو مع أي مشكلة صحية بالتعرف بشكل أكبر على المشكلة. تَنشأ أعراض الحساسية من ردود فعل مناعية مبالَغ فيها تجاه عناصر طبيعية في بيئة الإنسان، مثل غبار طلع الأزهار والحشائش ووبر الحيوانات وبعض الأطعمة، ولا شك أن هناك عاملاً وراثياً يؤهب لهذه الإصابة.
تشمل أعراض الحساسية العطاس والدمع واحتقان الأنف والربو والطفح الجلدي والإسهال، إضافة للشعور العام بالإعياء. ومع أن معظم حالات الحساسية غير خطرة، فإنها قد تعرّض المصاب في الحالات النادرة إلى رد فعل جهازي عنيف يهدد الحياة.
نصائح تساعد على التعامل مع مشاكل الحساسية
نشرح فيما يلي بعض القضايا التي تواجه المرضى في التعامل مع مشاكل الحساسية وطريقة حلها من وجهة نظر الطبيب المختص:
اترك تشخيص التحسس للأخصائيين
لا تفترض أنك تحسست مِن كذا وكذا بمجرد أنك أصبت بنوبة سعال أو ظهر عليك طفح جلدي، أو عانيت من تلبك معوي بعد وجبة في أحد المطاعم، فقد يتشابه الرشح العادي في أعراضه مثلاً مع التحسس الأنفي، فإذا كنت مصاباً بالرشح وعالجت نفسك على أساس أنك مصاب بالتحسس، فلن تكون معالجتك لنفسك عديمة الجدوى وحسب، ولكن ستعرّض نفسك لمضاعفات أدوية التحسس الجانبية (والعكس صحيح).
كذلك يجب تشخيص حالات التحسس للطعام من قبل مختص، وعدم خلطها بحالات تشنج أو التهاب الأمعاء، لأن الأخصائي يستطيع علاجها وتلافي ردود الفعل الهضمية التحسسية الخطرة.
كذلك لا تصنّف كل طفح جلدي على أنه "ظاهرة تحسس"، وتهرع إلى الصيدلية لتبتاع أي دواء مضاد للتحسس لمعالجتها، فهناك عدد لا يستهان به من أصناف الطفح الجلدي التي لا تفيد فيها مضادات التحسس (مثل العدوى بالفطريات وأمراض المناعة الذاتية) التي تحتاج لمعالَجات خاصة بها، وإلا انتهت مساعيك بمضاعفات لا تُحمد عقباها. لذلك من الضروري اللجوء لأخصائي التحسس لتأكيد التشخيص أو نفيه كلما كان هناك اشتباه بإصابة تحسسية.
لا تفترض أن تقدّمك بالسنّ يعني استحالة إصابتك بالحساسية
قد تبدأ أعراض التحسس بالظهور في أي مرحلة من العمر، في الطفولة أو بعد البلوغ، فنحن لا نولَد مصابين بتحسس ما، ولكن نولَد ولَدينا استعداد لأحد أنواع التحسس، أما أعراض الحساسية فتحدث عندما تجعلنا الظروف نتعرض للعامل المحسِّس الذي نحن مؤهَّبون له.
فإذا وُلِدتَ في مكان معين، وبلغت الثلاثين دون أن تصاب بأي أعراض تحسسية، لكنك انتقلت بعد ذلك إلى دولة أخرى ذات بيئة مختلفة، وتعرضت لغبار طلع نبات جديد لم تتعرض له من قبل ولكن جسمك مؤهل وراثياً للتحسس منه، فقد تظهَر عليك أعراض التحسس بعد فصلَين أو ثلاثة من التعرض لهذا النبات الجديد. بشكل عام؛ تنشأ أعراض التحسس من العوامل الجوية بعد تجاوز مرحلة البلوغ، بينما تنشأ معظم أعراض التحسس من الأطعمة في مرحلة الطفولة.
تذكّر أن الاستجابة لنفس مسبّب الحساسية تختلف من مرة لأخرى
يَلعب تغيّر الطقس دوراً كبيراً في درجة التحسس ضد العوامل التي يحملها الهواء، فإذا بدأ فصل الربيع مثلاً بموجة صقيع أو أمطار كثيفة، فكثيرا ما يثبّط هذا من كمية غبار الطلع ويخفف من ظاهرة التحسس لديك، وإذا كان الجو مشوباً بالمزيد من غاز الكربون لأي سبب، أدى هذا لزيادة غبار الطلع، ما يفاقم من أعراض التحسس.
من المعروف أن ازدياد حرارة الجو وجفافه وازدياد قوة الرياح، ترفع من كثافة غبار الطلع الصادر من الحشائش المسؤولة عن معظم حالات التهاب الأنف التحسسي، ولذلك كله، لا تعتمد على التكهنات بشأن زيادة أعراضك هذه السنة (أو تحسّنها) بالنسبة للسنة الفائتة.
لا تغيّر مسكنك بسبب عوامل التحسس في بيئتك
الحشائش والنباتات المولِّدة لغبار الطلع موجودة في كل الأماكن، ومشكلة الحساسية لا تَكمن في النباتات بقدر ما هي ناتجة عن استعدادك الوراثي للتفاعل معها، وإذا قررت الانتقال، فقد تخف أعراضك حوالي السنة إلى السنتَين بالفعل، لكنها على الأغلب ستعود عندما تتولّد لديك حساسية لنباتات منطقتك الجديدة. وغير صحيح ما يدّعيه البعض من أن شواطئ البحر أفضل للمصابين بالحساسية، فالشواطئ تزخر بالنباتات التي ينتقل غبار طلعها عدة كيلومترات داخل البحر.
لا تمنعي نفسك من بعض الأطعمة أثناء الحمل
كان الاعتقاد السائد سابقاً يتمثل في أن الامتناع عن تناول أطعمة معينة قد تسبب الحساسية، مثل أن الفستق أثناء الحمل يحمي الطفل من الإصابة بهذا النوع من الحساسية، ولكن البحوث الحديثة أثبتت العكس، فإذا تناولتِ الأطعمة التي تحتوي منتجات الفستق وأنت حامل، فالاحتمالات الأعظم هي أن طفلك لن يشكو من التحسس لهذه المنتجات في المستقبل.
مع ذلك، تذكّري أن العامل الأهم لتفادي وقوع الطفل ضحية أمراض الحساسية هو الرضاعة الطبيعية، فقد ثبت في أكثر من دراسة أن تناول الحليب الصناعي يؤهب لحصول أمراض الحساسية لدى الأطفال المستعدين لذلك وراثياً.
لا تلم الطبيب إذا كانت نتائج التحاليل التشخيصية غير مؤكّدة
لا يمكن لتحاليل الجلدية أن تشمل كل ما يخطر على البال من عوامل محسِّسة، سواء في الجو أو في الطعام، كما أن تحاليل الدم كثيراً ما تأتي نتائجها خطأ (بنسبة النصف أو أكثر). واعلم أن الطبيب يسعى لعلاجك ويريد مصلحتك، وأفضل ما يمكنك عمله هو التعاون معه والتقيد بإرشاداته، حتى تصل وإياه لأفضل نتيجة ممكنة للسيطرة أو تخفيف أعراضك.
استشر الطبيب بشأن كل دواء تأخذه لمعالجة الحساسية
مع أن أدوية التحسس التي تباع في الصيدليات دون وصفة معظمها آمنة وغير ضارة، فإن بعضها له مضاعفات جانبية يجدر بك أن تعرفها، خاصة إن كنت مصاباً بأمراض مزمنة مثل السكري وارتفاع الضغط وأمراض القلب، وإذا كنت تتناول أدوية أخرى.
ثم إن كثيراً من أدوية التحسس مركّبة من عدد من الأدوية، وتشمل -إضافة لمحاربة التحسس- أدوية تخفيف الاحتقان، أو تثبيط السعال، أو تمييع القشع، ما قد يزيد في احتمالات التأثيرات الجانبية، مثل تسارع النبض أو ارتفاع الضغط، فإذا وجَد الأخصائي أن حالتك تستدعي عدم تناول أحد هذه المركّبات الدوائية، فسينصحك بمضاد التحسس الذي يلائمك، أو يصف لك معالَجة أخرى مغايرة.
لا تيأس من التعامل مع مشاكل الحساسية
اعلم أولاً أن كثيراً من أعراض الحساسية قد تتراجع من نفسها مع تقدّم العمر، فالأطفال مثلاً قد تتلاشى لديهم حساسية الحليب أو البيض عندما يصلون إلى مرحلة البلوغ، ولو أن حساسية السمك أو المكسرات يَندر أن تختفي مع مرور الزمن. وأفضل طريقة للتأكد من زوال الحساسية، هي أن يُجرى فحص التحسس الجلدي في عيادة الطبيب، ويحذرنا الأطباء من أن نفترض أن الحساسية قد اختفت، ما لم نخضع المصاب لفحص التحسس.
إلا أن الأهم من ذلك، أن الأخصائيين قطعوا أشواطاً كبيرة في تطوير طرق علاج حديثة للحساسية، وأن كثيرًا من الحساسيات صار بالإمكان السيطرة على معظم أعراضها (وأحيانًا القضاء عليها) عن طريق المعالَجة المناعية التي تَستخدم اللقاحات المبرمَجة لإزالة التحسس في عيادة الطبيب.
إذا كنت مصاباً بالحساسية فاصبر
بالرغم من تقدّم طرق إزالة الحساسية حديثاً أو ما يدعوه آخرون بالمعالَجة المناعية، فهذه الطرق تأخذ الكثير من وقت الطبيب والمريض، ففحوص تحسس الجلدية التي تُحقَن فيها كميات صغيرة جداً من خلاصات بعض العوامل المحسِّسة تحت الجلد (سواء كانت أنواعاً من غبار الطلع أو أطعمة مشكوكًا بأنها تسبب التحسس، والتي ينتفخ فيها الجلد في الأمكنة "الإيجابية"، هذه الفحوص تحتاج لبقاء المريض من ربع إلى نصف ساعة في عيادة الطبيب للتأكد من نتائجها، وقد يحتاج الطبيب لتكرارها أكثر من مرة.
وفحوص الدم التي تكشف مضادات الأجسام التي يشكّلها الجسم ضد عوامل التحسس، لا تعطي نتائجها إلا بعد بضعة أيام، وقد يحتاج الأمر لتكرارها كذلك.
الأسئلة الشائعة
ما المفاهيم الخاطئة الأكثر شيوعًا عن الحساسية التي يجب على المرضى تجنبها؟
يخطئ كثيرون في التشخيص الذاتي للحساسية بعد ردود الفعل البسيطة، أو يفترضون أن الحساسية لا يمكن أن تتطور بعد تخطّي مرحلة الطفولة، بينما يَعتقد آخرون أن تغيير مكان السكَن يفيد في علاج الحساسية.
كيف يجب التعامل مع اختبار الحساسية وعلاجها بشكل صحيح؟
استشر دائمًا طبيب الحساسية للحصول على التشخيص الدقيق، فاختبارات وخز الجلد واختبارات الدم ضرورية لأن الأعراض غالبًا ما تشبه حالات مرَضية أخرى. لا تداوِ نفسك بمضادات الهيستامين أو غيرها من الأدوية التي تُصرف بدون وصفة طبية، لأنها قد تسبب تأثيرات جانبية أنت في غِنى عنها. يتطلب العلاج المناعي الصبر، ولكنه يمكن أن يزيل حساسية بعض المرضى أو يساعدهم على التعامل معها بشكل فعال مع مرور الوقت.
نصيحة من موقع صحتك
يقوم كثيرون بتشخيص الحساسية ذاتيًا بشكل خاطئ بعد ردود فعل بسيطة، أو يفترضون أن الحساسية لا يمكن أن تتطور في مرحلة البلوغ، أو يعتقدون أن الانتقال من مكان إلى آخر سيعالجها. يمكن أن تظهر الحساسية في أي عمر بسبب الاستعداد الوراثي الذي يقابل محفزات جديدة، وغالبًا ما توفر التغييرات البيئية راحة مؤقتة فقط مع تطور حساسيات جديدة. ولهذا يُنصح دوماً بالتعاون مع طبيبك حتى تتمكن من التعامل مع مشاكل الحساسية بنجاح وتسيطر عليها.