مرّت خمسون عامًا على تقرير رئيس الأطباء في الولايات المتحدة الذي أكد على أخطار التدخين القاتلة، والذي نجم عنه حملة حكومية واسعة لتوعية الناس، وقرارات رسمية سرعان ما تبنتها كل دول العالم تلزم بالحد من إعلانات السجائر، ورفع الضريبة عليه، ومنع التدخين في معظم المرافق العامة، ومن تلك اللحظة أصبحت أضرار التدخين معروفة لدى الجميع. نبين في هذه المقالة أضرار التدخين، وفوائد الإقلاع عنه.
انتشار التدخين رغم معرفة أضراره
رغم معرفة أضرار التدخين من قبل الجميع بمن فيهم المدخنين أنفسهم، فإن الإحصاءات تُظهر أن نحو خُمس سكان العالم مازالوا يدخنون، وأن التدخين يسبب وفاة ما يفوق خمسة ملايين شخص حول العالم سنوياً، وإصابة نحو 100 مليون آخرين كل عام بأمراض خطيرة. ومع تزايد سكان المعمورة، يُتوقع أن يزداد عدد المدخنين، وتقدّر مراكز الإحصاء أن عدد الوفيات الناجمة عن التدخين سيفوق ثمانية ملايين بحلول عام 2030.
ما هي أضرار التدخين ؟
تشمل أضرار التدخين مجموعة واسعة من المشاكل الصحية، تغطي تقريباً كافة أعضاء الجسم، ومن أضرار التدخين ما يلي:
- يؤدي التدخين إلى تصلب الشرايين التي تغذي الدماغ والقلب، ما يسبب السكتة الدماغية أو النوبات القلبية.
- يضر التدخين بصحة الرئتين، ويسبب العديد من المشاكل التنفسية مثل انتفاخ الرئة ومرض الانسداد الرئوي المزمن.
- ربط باحثون بين التدخين ونشوء السرطان في أماكن عدة من الجسم، منها الرئتان والحنجرة والفم والأنف والبلعوم والمريء والمعدة والبنكرياس والكليتان والمثانة وعنق الرحم والثدي عند النساء، ويمكن القول إن التدخين هو سبب الوفاة لواحدة من كل ثلاث إصابات معروفة بالسرطان.
- صار معلوماً أن تدخين الأم الحامل يزيد من احتمال ولادة الطفل قبل أوانه، ومن ولادته مشوهاً أو ميتاً، كما أنه أحد أسباب الإجهاض المتكرر.
- يسبب التدخين هشاشة العظام عند النساء.
- يُضعـف التدخين الحيوانات المنوية ويتسبب في ضعف الانتصاب عند الرجال.
- التدخين يؤثر سلباً على الأسنان واللثة والجلد، ويزيد من احتمال تشكل "المياه البيضاء" في العين، ويجعل التحكم في داء السكري أكثر صعوبة.
- يؤدي التدخين لظهور رائحة منفرة في ثياب المدخنين وأنفاسهم، وعدم قدرتهم على تحمل الجهد، وسهولة تعرضهم للأمراض وصعوبة شفائهم منها.
يكفي أن نعلم أن حياة المدخن الملتزم هي إحصائياً أقصر من حياة غير المدخن بمعدل عشر سنوات، وباختصار؛ بات معروفاً أن التدخين يطال كل عضو في جسم الإنسان تقريباً بالضرر، ويكمن وراء نحو خُمس الوفيات في العالم، ما يجعله أكثر ضرراً من وفيات حوادث القتل والمرور والمخدرات والكحول والإيدز مجتمعة.
تأثير التدخين على الجهاز التنفسي والقلب
لعل الجهازين الأساسيين اللذين تبرز بهما أضرار التدخين والتي يسبب تلفهما معظم الوفيات الناجمة عن التدخين هما الجهاز التنفسي والقلب، إذ تؤذي المواد السامة -وأهمها القطران والنيكوتين وأحادي أكسيد الفحم- الخلايا المبطنة للقصبات ذات الأهداب الناعمة التي تنظّف بحركتها الدائمة جدران الممرات الهوائية من الشوائب والجراثيم، فتجردها من مناعتها، ما يسمح لكل الأجسام الضارة أن تعلق بسطح القصبات الداخلي وتسد مجراها، وهو الأمر الذي يحاول المدخن التغلب عليه بالسعال المتكرر لتنظيف قصباته، ما يؤدي إلى التهاب القصبات المزمن الذي كثيراً ما يعانيه المدخنون.
وتضر مواد الدخان السامة الأسناخ الرئوية الدقيقة المسؤولة عن تبادل الغازات في الرئتين، فتصيب جدرانها بالتليف، ما ينجم عنه احتباس الهواء فيها، ويشكل مرض الانسداد الرئوي المزمن الذي يصيب كثيراً من المدخنين، فيجعلهم غير قادرين على طرد الهواء بعد كل نفَس بشكلٍ طبيعي، ويؤدي لصعوبة التنفس بعد أقل مجهود، ونقص العمر.
ويؤثر دخان السيجارة مباشرة على شرايين القلب فيضيق مجراها ويمنع وصول الأوكسجين إلى عضلة القلب، ما يسبب تسرع واضطراب النظم القلبي، وارتفاع ضغط الدم، وعطب العضلة القلبية المسؤول عن الوفيات بالنوبات القلبية.
ولا تنس أن خطر التدخين لا يطال صاحبه فحسب، بل يؤثر على كل من حوله، وأن التدخين السلبي يقتل الذين يتعرضون له كذلك، ولو بنسبة أقل من التدخين الفعلي. ثم لا تدع نصيحة البعض بأن تبدّل السيجارة إلى النرجيلة (الشيشة) لأنها أقل ضررًا، لأنك لا تسحب ذات عدد الأنفاس التي تسحبها في السيجارة، ولأن الماء الذي يمر به الدخان "يبرده" أو ينظفه من السموم. لا تدع هذه النصيحة تغرر بك، فقد ثبت للخبراء أن خطر النرجيلة أعلى من خطر السيجارة بكثير، وأن تدخين النرجيلة لمدة ساعة يعادل وسطياً تدخين 200 سيجارة، وأما ما يسمى بالسيجارة الإلكترونية التي تستخدم البطاريات لتبخير النيكوتين، فهي لا تخلو أيضا من أضرار التدخين.
ما هي فوائد الإقلاع عن التدخين؟
رغم أن أضرار التدخين كبيرة وتكاد تشمل كافة أعضاء الجسم، لكن الإقلاع عن التدخين يجلب العديد من الفوائد للشخص، بغضّ النظر عن مدة التدخين، وبعض هذه الفوائد تكون نتائجها فورية.
الفوائد الصحية الفورية للإقلاع عن التدخين
تشمل الفوائد الفورية للإقلاع عن التدخين تلك الفوائد التي تتحقق ضمن ساعات أو أسابيع من الإقلاع عنه، وهي:
- يبدأ معدل ضربات القلب وضغط الدم، اللذان يرتفعان بشكل غير طبيعي أثناء التدخين، في العودة إلى طبيعتهما.
- في غضون ساعات قليلة، يبدأ مستوى أول أكسيد الكربون في الدم في الانخفاض، ويقلل أول أكسيد الكربون من قدرة الدم على نقل الأكسجين.
- في غضون أسابيع قليلة، تتحسن الدورة الدموية لدى الأشخاص الذين يقلعون عن التدخين، ويقل إفرازهم للبلغم، ولا يسعلون أو يصدر عنهم أزيز في كثير من الأحيان.
الفوائد الصحية الطويلة المدى للإقلاع عن التدخين
تشمل هذه الفوائد التي تتحقق بعد أشهر أو سنوات من الإقلاع عن التدخين ما يلي:
- في غضون عدة أشهر من الإقلاع عن التدخين، يمكن أن يتوقع الأشخاص تحسنًا كبيرًا في التنفس ووظائف الرئة، كما يتحسن النوم والتذوق.
- في غضون بضع سنوات من الإقلاع عن التدخين، تقل مخاطر الإصابة بالسرطان وأمراض القلب والأمراض المزمنة الأخرى لدى الأشخاص الذين يقلعون عن التدخين مقارنةً بما لو استمروا في التدخين.
هل هناك فوائد للإقلاع عن التدخين في سن متأخرة؟
بالطبع، فقد أظهرت بيانات المسح الوطني للمقابلات الصحية في الولايات المتحدة أن الأشخاص الذين يقلعون عن التدخين، بغضّ النظر عن أعمارهم، أقل عرضة للوفاة بسبب الأمراض المرتبطة بالتدخين من أولئك الذين يستمرون في التدخين. يقلل المدخنون الذين يقلعون عن التدخين قبل سن الأربعين من احتمال وفاتهم المبكرة بسبب الأمراض المرتبطة بالتدخين بنحو 90%، أما الذين يقلعون عن التدخين في سن 45-54 فيقل احتمال وفاتهم المبكرة بنحو الثلثين.
وبغض النظر عن العمر، فإن الأشخاص الذين يقلعون عن التدخين يحققون مكاسب كبيرة في متوسط العمر المتوقع، مقارنةً بمن يستمرون في التدخين. كما تُظهر بيانات من المسح الوطني للمقابلات الصحية في الولايات المتحدة أن الذين يقلعون عن التدخين في الفئة العمرية بين 25 و34 عامًا يعيشون حوالي 10 سنوات أطول، والذين يقلعون عن التدخين في الفئة العمرية بين 35 و44 عامًا يعيشون حوالي 9 سنوات أطول، والذين يقلعون عن التدخين في الفئة العمرية بين 45 و54 عامًا يعيشون حوالي 6 سنوات أكثر، والذين يقلعون عن التدخين في الفئة العمرية بين 55 و64 عامًا يعيشون حوالي 4 سنوات أطول. وجدت أيضًا دراسة تابعت مجموعة كبيرة من الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 70 عامًا فأكثر أنه حتى المدخنين الذين أقلعوا عن التدخين في الستينيات من العمر كانوا أقل عرضة للوفاة أثناء المتابعة من المدخنين الذين استمروا في التدخين.
الأسئلة الشائعة
ما هي أضرار التدخين ؟
يُعرِّضك التدخين لخطر الإصابة بالسرطان والسكتة الدماغية والنوبات القلبية وأمراض الرئة، وغيرها من المشاكل الصحية، وقد يضر التدخين بجميع أعضاء الجسم، وصولاً حتى إلى الحمض النووي في المادة الوراثية.
لماذا يسبب التدخين الإدمان؟
يخلق النيكوتين شعورًا فوريًا بالاسترخاء، ولهذا يدخن الأشخاص اعتقادًا منهم أنه يقلل من التوتر والقلق، ولكن هذا الشعور مؤقت وسرعان ما يزول لتتبعه الأعراض الانسحابية وزيادة الرغبة الشديدة في التدخين، ويؤدي التدخين مرة أخرى إلى التقليل من الأعراض الانسحابية هذه، وبهذا يدخل المدخن في دوامة التدخين التي يصعب الخروج منها.
نصيحة من موقع صحتك
يُعد الإقلاع عن التدخين من أفضل القرارات التي يمكن اتخاذها للحفاظ على صحتك، فهو يقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب والسرطان ومشاكل الرئة، ولهذا ننصحك بأن تبدأ الآن بتحديد موعد للإقلاع عن التدخين، واطلب الدعم ممن حولك، وجرب العلاجات البديلة للنيكوتين، ويمكنك بالطبع مراجعة طبيبك ليوجهك إلى الطريق الصحيح في رحلتك هذه.