صحــــتك
10 أبريل 2018

أختي وأنا في مصيدة دور الضحية

أختي بتنهار نفسيا كل يوم، إخواتي الأولاد بيتجسسوا عليها في كل موقع اجتماعي بيخشوا بيراقبوها واقفين لها على أي غلطة، أختي محترمه جدا وملتزمة.. هما عرفوا من سنتين إنها بتكلم واحد زميلها واعترفلها انه بيحبها، وطبعا لما عملوا هاك على الفيسبوك وشافوا الكلام قوموا الدنيا وقالوا لبابا إنها ممكن تكون اتجوزته عرفي وكلام فظيع، وهي بريئة جدا جدا، والله ومتعملش الكلام ده أبدا، ولا حتي بتهوب ناحيته، أنا أمي متوفية من 18 سنة، وبابا متجوز ومش قاعد معانا، وأنا وهي حاسين بالوحدة والقهر والضعف، وبلجأ لربنا دايما هو اللي بيقويني.. بس أختي مش قادرة أشوفها كده وأسكت، وحاسة إني عاجزة تماما عن إبعادهم عنها.. انصحني أعمل لها إيه.. أتصرف إزاي.<?xml:namespace prefix = "o" ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" />

أختي وأنا في مصيدة دور الضحية
أهلا بك يا ياسمين، 
أشعر بكمّ الألم من القهر والخوف الذي تعيشين فيه أنت وأختك، وصعوبة هذا الوضع المقيد الذي تعيشان فيه. ولكن من يتنازل عن حلمه، ويتعود على التنازل عن أحلامه حلما وراء آخر، سيأتي عليه اليوم الذي يتحول فيه إلى نموذج من النماذج التالية:
- النموذج الذي يتحول إلى حطام إنسان غارق في البؤس، مرتديا دور الضحية بجدارة في كل مراحل عمره حتى يلقى الله تعالى.
- نموذج الشخص المتمرد، ليس فقط على القيود التي تحد من حركته بوضوح، ولكن على كل ما آمن به وقام به في حياته السابقة؛ فيكفر بها، ويمشي عكسها.
- نموذج الشخص المؤذي جدا لنفسه، بأشكال وصور متعددة، حتى لو في صورة علاقات لا تسعده أو تستغله لا تناسبه.
- صورة الشخص المؤذي لمن حوله.

فماذا ستختاران أنت وأختك؟
هل لاحظت أنني قلت "تختاران"؟ وقلت قبلها من يفعل ذلك بنفسه؟.. نعم؛ لأنها الحقيقة الغائبة التي لا تصدقاناها؛ فلا أحد يلغي وجود أحد، ولا أحد يقهر أحدا إلا إذا "سمح" الشخص بنفسه أن يحدث ذلك معه؛ فلا يوجد شخص يقهر شخصا هكذا ببساطة من دون أن يقرأ أنه سينساق للقهر.

والقصة ليست قصة اختيار للقهر فقط، ولكن القصة فيها عدم مسؤولية حقيقية "لدفع" ثمن وجودكما بحرية أعطاها الله سبحانه لكما؛ فلا توجد نية صادقة لتحمّل ثمن حريتكما لتكونا في حالة طبيعية كالبشر؛ فقد ذكرت أنك في التاسعة والعشرين من عمرك، ولا أعلم هل تلك السن حقيقية أم لا، وأتصور أنك الأخت الصغرى؛ فأختك إذن أكبر منك، وتحيا حياة طفلة صغيرة لا تملك من أمرها شيئا، وهكذا أنت، وسيظل إخوتك الذكور على نفس المنوال طالما اخترتما البقاء من دون تغيير، أو القبول بهذا القهر والمحو تحت مبررات غير واقعية.

ورغم رؤيتي لصعوبة وضعكما بعد طول ثبات عليه؛ إلا أنك تسألين عن الحل، وأنا أقول لك وجهة نظري النفسية قبل الاجتماعية بكثير، وسأترك لك تلك النقاط لتدبرها:
- غياب والديكما لا يجعل حق المتابعة أو الثواب والعقاب ينتقل لإخوتكما الذكور، فيتحولان إلى أبويكما؛ فأنتم متساوون تماما أمام الله تعالى قبل البشر، فلم يذكر سبحانه أن الأخ يربي، أو يعاقب أخته الفتاة، بل طلب منه فضل العطاء إن تمكن، والاحتواء لها كرجل يحمل خصال العطاء، وتحمل صعوبات الحياة في مساحات قد لا تتناسب مع بعض الإناث، أو في وجود ظروف قاهرة؛ فالله أكبر وأولى بطاعته، ناهيك عن كونكما راشدتين كبيرتين مسؤولتين؛ فالوالدان أنفسهما بعد وصول الأبناء إلى مثل سنكما يصبح دورهما فقط النصح غير المؤذي، واستمرار علاقة الصداقة، والإدلاء برأيهما إن تم طلبه.

- هناك دور نفسي قبيح جدا يرتديه بعض الناس سنوات وسنوات، اسمه دور" الضحية"، فيه لا يرى الشخص حقيقة حقوقه، ويرتعب من مسؤوليته الذاتية تجاه مشاعره واختياراته وقراراته، وفي كل مرة أو موقف يرى فيه رغبة يريدها يخيف نفسه بنفسه، ليظل محبوسا في هذا الدور الأخرق ليظل غير مسؤول، ويبقى في حالة شكوى من دون حل حقيقي. وما تحدثت عنه في سطورك يجعلني أرى هذا الدور بوضوح؛ فنحن نكون نحن كما نحن من دون ارتداء أي دور؛ لنحيا بصدق مع أنفسنا والبشر والحياة، ولنتعلم وسط تلك الحياة، كل لحظة، شيئا جديدا عن أنفسنا والناس والحياة، وغير ذلك موت يرتدي زيفا رداء الحياة.

- لا أعلم حقيقة العلاقة بين أختك ومن يحبها؛ فقد يكون حبيبا لها فعلا يستحق أن يشاركها الحياة، وقد يكون وجوده مجرد تلبية لاحتياجات لديها لم تحصل عليها، وتتصور أنها قصة حب (كاحتياجها للحب أو الاهتمام أو الإعجاب.. إلخ)، وقد يكون "صيادا ماهرا" ممن يتمكنون من صيد الضحية بمهارة؛ وما رأيناه في كواليس العيادة يجعل أي متخصص يرى بعين أكبر حقيقة الواقع، حتى لو صاحب المشكلة لا يتمكن من رؤيتها، لأنه متورط فيها، ورحلة التغيير لا يقوم فيها المتخصص بدفع صاحب المشكلة لرؤية الواقع قبل أن يراه هو بنفسه، ولكن هنا الوضع مختلف؛ فهنا لن يرى المتخصص صاحب المشكلة، ولن يتابعه ويسمعه، لذا الأمانة تقتضي مني أن أوضح كل الاحتمالات الموجودة، ويظل اكتشاف حقيقة الارتباط بينها وبين من يقول إنه يحبها مرهونا بأن تكون نفسها كما هي؛ فلا تكون العلاقة بينهما مبنية على نفسها المزيفة المملوءة بالخوف والإذعان، ولا ضحية لمؤذ جديد في ثوب محب تندم فيها عمرها كله.

- الله خلقنا بحقوق كفلها تماما للبشر، ضاع استخدامها لدرجة عدم تصديق كونها حقوقا لنا أصلا؛ لأسباب كثيرة، على رأسها كيف تربينا، وما الذي وصل لنا، وكيفية استخدامها، إلخ، ومن أهم تلك الحقوق هو حق الإنسان أن يقول "لا"؛ نعم فهو حق لنا، وكان يجب أن يكون حقا للإنسان؛ فالإنسان سيحتاج أن يقول لا لمن يذله، وأن يقول لا لمن يسيء له، ويقول لا للمعاصي وغيرها.

من حقنا أن نقول "لا"، ولكن تربينا أن كلمة لا "عيب"، أو ارتبطت بالإحساس بالخطأ، ومشاعر الذنب، أو إساءة الأدب، أو ارتبطت بمخاوف - كالخوف من الوحدة/ النبذ/العقاب/إلخ - فلم تمارس، أو التصقت زورا بالبر أو بالتهديد، وارتبطت كثيرا باستخدام خاطئ رغم كونها حق لنا؛ فكنا نراها في شكل عصبية أو عِند أو إهانة أو ضرب أو تجريح.. إلخ؛ فلم نتعلم أنها حق لنا، ولا ترتبط إطلاقا بالبر، أو إساءة الأدب بأشكال وصور مختلفة، وأنها ترتبط بحقيقة التعبير عن وجودنا كما هو بصدق، وترتبط بالمسؤولية، وهذا ما جعلها الآن صعبة جدا؛ لأننا نحتاج أولا أن ندرك أنها حقنا، وأنها لا تعني أي أمر سيئ، وأنها مسؤولة هادئة بعيدة عن تصرفات الصغار من ضرب أو عند أو تكسير أو تجاهل.
فلتستعينا بالله تعالى أنت وأختك الذي وهب لكما هذا الحق ما دام يُستخدم في مكانه، ولسبب حقيقي محترم، وبطريقة مسؤولة ثابتة مستقرة في ممارستها، وحين يتم ممارستها بالفعل هكذا؛ ستصل لإخوتكما رسالة مختلفة.. دمتما بخير.


اقرئي أيضاً:
اغتصبت وأنا طفل.. التعافي مسؤوليتك
حرمان في الطفولة.. أنت الآن مسؤولة
هل ألعب دور المنقذ؟
يسيء إليّ وأعود إليه.. وتتكرر الإساءة
آخر تعديل بتاريخ
10 أبريل 2018

قصص مصورة

Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.