الدورة الشهرية (دورة الحيض أو دورة الطمث) هي سلسلة من التغيُّرات التي تحدث في جسم المرأة شهريًا بشكل منتظم، وتبدأ عند الإناث منذ بلوغهنّ وتستمر حتى سن اليأس الذي يحدث فيه انقطاع الطمث، وتستمر مدتها عادةً من 3 إلى 7 أيام، وقد يرافقها تغيُّرات جسدية وعاطفية تؤثر على النساء بشكل كبير. وفي السنوات الأخيرة، ازداد الاهتمام بدراسة تأثير الدورة الشهرية على الصحة النفسية للنساء، فهل تؤكد الدراسات ما عرفته النساء منذ قرون عن دورتهنّ الشهرية أنها تؤثّر على مشاعرهنّ ومزاجهنّ وأنماط نومهنّ؟
دراسة تُسلِّط الضوء على تأثير الدورة الشهرية على عواطف النساء وأنماط نومهنّ
شارك باحثون من جامعة شرق أنجليا وجامعة هيوستن في الولايات المتحدة في دراسة دولية جديدة لتوضيح العلاقة المعقدة بين الدورة الشهرية لدى النساء وعواطفهنّ وأنماط نومهنّ، وقاموا بتحليل بيانات 51 امرأة تتمتَّع بصحة جيدة، تراوحت أعمارهنّ بين 18 و35 عامًا، وكانت دورتهنّ الشهرية منتظمة، ولم يتناولنَ وسائل منع الحمل الهرمونية.
واستخدم الباحثون نهجًا مبتكرًا يُعرف باسم التقييم اللحظي البيئي (EMA) لجَمع البيانات من النساء المشاركات في الدراسة، وقامت النساء اللواتي يبلغنَ سنّ الإنجاب بتقديم تقارير ذاتية ويومية عن أنماط نومهنّ وحالاتهنّ العاطفية، وارتدينَ ساعات ذكية لمراقبة أنماط نومهنّ على مدار شهرَين من الدورة الشهرية.
مشاعر الغضب تزداد عند النساء في الأيام التي تسبق الدورة الشهرية
وجَد الباحثون أن النساء يعانينَ بالفعل من اضطرابات في أنماط نومهنّ ويشعرنَ بالغضب أكثر في الأيام التي تسبق دورتهنّ الشهرية، وأشاروا إلى وجود علاقة قوية بين مراحل الدورة الشهرية وحالات النساء العاطفية وجودة نومهنّ.
ومن أبرز النتائج التي وجدتها الدراسة:
- عانت النساء من اضطرابات في أنماط نومهنّ في الأيام التي سبقت الدورة الشهرية وأثناءها (المرحلة المحيطة بالدورة الشهرية)، فقد قضينَ وقتًا أطول مستيقظات ليلًا، وانخفضت نسبة الوقت الذي قضينه في النوم، وانخفضت كفاءة النوم.
- أبلغت النساء عن زيادة مشاعر الغضب خلال المرحلة المحيطة بالدورة الشهرية مقارنة بالمراحل الأخرى من دورتهنّ الشهرية.
- كما ارتبطت اضطرابات النوم خلال هذه المرحلة بانخفاض المشاعر الإيجابية عند النساء، بما في ذلك الهدوء والسعادة والحماس.
تأثير الدورة الشهرية على الأرق والصحة النفسية
أشارت هذه الدراسة، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الحقائق والأدلة، إلى أن الدورة الشهرية قد تلعب دورًا مهمًا في زيادة احتمال إصابة النساء بالأرَق، كما أنها قد تؤثر على صحتهنّ النفسية.
وقالت الدكتورة جو باور، المؤلِفة المشارِكة في الدراسة من كلية علم النفس بجامعة شرق أنجليا: "تؤكد هذه النتائج على أهمية مراعاة التقلُّبات الهرمونية عند معالجة اضطرابات النوم والاضطرابات العاطفية لدى النساء. وتتجاوز تداعيات هذه الدراسة حدود البيئة التي أجريت فيها لتفتح المجال أمام مسارات محتملة للتدخلات والعلاجات التي تهدف إلى تحسين جودة النوم والمرونة العاطفية لدى النساء".
ضرورة تفسير النتائج في سياق العديد من القيود
على الرغم من أن الدراسة كانت تتمتَّع بنقاط قوة فريدة، مثل استخدام البيانات الاستطلاعية الموضوعية والذاتية على مدار دورتين شهريتين، فإن الباحثين قد أشاروا إلى ضرورة تفسير النتائج في سياق العديد من القيود.
فعلى سبيل المثال، تم جمع بيانات هذه الدراسة في الفترة ما بين مايو 2020 ويناير 2021، وبالتالي، لا يمكن معرفة كيفية تأثير جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) على نتائجها بشكل كامل.
وعلى الرغم من أن الباحثين لم يجدوا تأثيرات قوية للضغوطات النفسية الناجمة عن الوباء على النتائج، فإنهم لا يمكن أن يستبعدوا احتمال تأثير الوباء على التجارب العاطفية وسلوكيات النوم والاستيقاظ لدى المشاركات في الدراسة.
أهمية فهم تأثير الدورة الشهرية على صحة المرأة
تشير النتائج إلى أهمية مراعاة التقلُّبات الهرمونية عند معالجة اضطرابات النوم والاضطرابات العاطفية لدى النساء، كما أنها تشجع على إجراء المزيد من الدراسات لفهم تأثير الدورة الشهرية (دورة الحيض أو دورة الطمث) على صحة المرأة النفسية وعلى أنماط نومها بشكل أفضل.
وأضافت الدكتورة باور: "تقدم هذه الدراسة معلومات قيِّمة حول العلاقة المعقدة بين الدورة الشهرية وعواطف النساء وأنماط نومهنّ، وكذلك حول تأثير التقلُّبات الهرمونية على صحة المرأة بشكل عام. ومن خلال فهم كيفية تفاعل هذه العوامل، يمكننا التعامل بشكل أفضل مع الاحتياجات الخاصة بالنساء فيما يتعلق بصحة النوم والصحة النفسية".
