عندما تلد الأم في خضم حربٍ طاحنة وغير متكافئة يولَد الخوف مع طفلها الرضيع، يسود العجز بدلاً من الفرح في أول مرة تحمل طفلها بعد مجيئه للعالم، لأن الحرب والجوع يسرقان مستقبل الطفل حتى قبل أن يبدأ، ولكن ما تأثير الجوع على الأطفال ؟ وهل يصل بهم للموت؟
في ظل هذا الصراع الوحشي الذي لا يعرف الرحمة, تفاقمت الأوضاع في قطاع غزة، وتعرَّض الأطفال الرضع لمآسٍ لا تُحتمل، ووسط نقص شديد في الطعام والدواء اضطرت الأُسر للنزوح خارج أماكن سكنها بحثًا عن الحياة، حاملة أطفالها على أكتافها، لكن القدر لم يمهل طفلنا جمال محمود الكفارنة، فلم يستطع الصمود في ظل النزوح، وفارق الحياة بسبب الجوع. فيما يلي أربعة جوانب تفسر تأثير الجوع على الأطفال .
1. تأثير الجوع على الأطفال: توقُّف نموهم
في البلاد التي تتعرض لمجاعات، يبدو فيها جسد العديد من الأطفال أصغر حجمًا مما يجب أن يكون عليه بالنسبة لأعمارهم، بسبب ظاهرة تسمى التقزُّم، وهي واحدة من أبرز آثار سوء التغذية. ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، يعاني ما يقرب من واحد بين كل أربعة أطفال دون سن الخامسة من التقزُّم بسبب نقص التغذية السليمة.
والتقزُّم لا يعني أن الطفل صغير الحجم فحسب، بل يؤثّر التقزّم على نمو عظام الطفل، وحتى نمو أعضائه، مما قد يؤدي إلى مضاعفات مميتة في وقت لاحق من الحياة.
2. الكواشيوركور والسَّغل
يعاني معظم الأطفال من أحد نوعين من سوء التغذية: السَّغل أو كواشيوركور.
عندما ترى طفلاً ذا بطن بارز وشَعر هشّ نحاسي اللون، فمن المحتمل أن هذا الطفل يعاني من مرض كواشيوركور، وهو نقص البروتينات الذي يهدد الحياة. يؤدي هذا الاضطراب إلى تراكم السوائل تحت الجلد وفي البطن، مما يتسبب في ظهور أجزاء منتفخة من الجسم.
أما الطفل الذي يعاني من السَّغل، فيبدو هزيلاً تماماً، ويمكنك رؤية عظامه من خلال جلده. عادة ما يكون سبب السَّغل عدم تناول الطفل ما يكفي من السعرات الحرارية.
كِلا الاضطرابين شائعان في المناطق التي تعاني من مجاعات ونقص في الإمدادات الغذائية، والتي يمكن أن تؤدي إلى:
- الدوخة المستمرة.
- الألم المزمن.
- الإسهال.
- نقص في الطاقة.
- فقدان الرؤية.
إذا لم يتم علاجه بكفاءة، سوف يموت الطفل.
3. ضعف جهاز المناعة
بالنسبة للطفل، قد تكون المجاعات الطويلة مؤلِمة جسديًا. ومع ذلك، فإن التأثيرات غير المرئية على الجهاز المناعي للطفل هي التي يمكن أن تسبب معظم المشكلات.
يمكن أن يؤدي نقص الفيتامينات إلى ضعف جهاز المناعة، لذا قد يعاني الأطفال الذين يفتقرون إلى التغذية السليمة من المرض لمدة تصل وسطيًّا إلى 160 يومًا كل عام، وقد يمنع هذا الطفلَ من الحصول على التعليم، أو القيام بالأعمال اليومية، أو حتى مجرد اللعب مع أقرانه.
ويضاعف سوء التغذية من تأثير الأمراض البسيطة. يمكن لنزلة البرد البسيطة أن تتحول إلى حالة مميتة، ويكون الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية أكثر عرضة للإصابة بـ:
- الملاريا.
- الالتهاب الرئوي.
- الحصبة.
4. تأخر النمو العقلي
يبدأ دماغ الطفل بالتطور بعد خمسة أسابيع من الحَمل! بحلول عمر السنتَين، يكون الدماغ قد وصَل بالفعل إلى ما لا يقلّ عن 80% من كتلته وقدراته عند البالغين، وهذا يعني أن السنوات العديدة الأولى من حياة الطفل حاسمة لنموه العقلي والمَعرفي.
عندما يتضور الطفل جوعًا، فإن انخفاض مستويات الحديد يمكن أن يضر بهذه العملية، مما يترك طفلًا يعاني من سوء التغذية، ويعاني من:
- اضطراب نقص الانتباه.
- قُصور في الذاكرة.
- الإدراك المكاني.
نهايةً، في ظل تلك الواقعية المريرة، وفي ظل ازدواجية المعايير، وأننا في عام 2024 والعالم المتقدم يتلو علينا مواثيق الإنسانية، وفي مقابل موت أطفالنا بسبب الجوع، يتعين علينا أن نتذكر أن الأمل ما يزال قائمًا، حتى في أصعب الظروف. على الرغم من الحروب والمجاعات، تظل هناك جهود واسعة النطاق لمساعدة الأطفال المحاصَرين في دوامة الجوع والتهميش، والتحدث عنهم وعن قصصهم للعالم، لكي يلاقي جُناتُهم العقاب الذي يستحقونه لقتلهم براءة الطفولة.
