ولد ويليم يوهان كولف Willem Johan Kolff سنة 1911 في مدينة لايدن في هولندا. ودَرَس الطب في جامعتها. تأثر كثيراً بحالة واحد من أوائل المرضى الذين عالجهم. كان المريض شاباً في الثانية والعشرين من العمر ومصاباً بقصور في عمل الكُلية. حفَّزت حالةُ المريض الشاب الطبيبَ كولف للبحث عن بديل صناعي لعمل الكُلية، وتوصل أثناء الحرب العالمية الثانية إلى اختراع الكُلية الصناعية سنة 1942، وكانت تلك أول آلة تقوم بعمل حيوي في جسم الإنسان.
وسط الأحداث المؤلمة أثناء حصار هولندا في الحرب العالمية الثانية، دفعت الظروف القاهرة الصعبة الطبيب الشاب كولف إلى اختراع طريقة لتنقية الدم عند المرضى المصابين بقصور في عمل الكُلية. لم يكن لديه كثير من المال أو الأجهزة المتطورة، ولكنه كان يعرف ما يريد. فصنع أول آلة قامت بعمل عضو حيوي في جسم الإنسان باستخدام مواد بسيطة كانت متاحة له أثناء الحرب: أغشية حيوانية كانت تستخدم في صناعة الطعام (السجق والنقانق)، ومضخة ماء أخذها من سيارة فورد مستعملة، وأوعية كانت تستخدم للطبخ من مصنع مجاور، ومحرك آلة خياطة، وقطع من الألمنيوم أخذها من حطام طائرة ألمانية. استطاع كولف استخدام هذه الأشياء البسيطة في صنع أول كلية صناعية أنقذ بها حياة مريضة عمرها 67 سنة كانت مصابة بقصور شديد في عمل الكُلية. تطور هذا الجهاز البسيط إلى أجهزة الكُلية الصناعية وأجهزة تنقية الدم التي تُستخدم في إنقاذ حياة ملايين من البشر في كافة أنحاء العالَم.
في تلك الفترة من حياته، كان كولف يقف وحيداً في إيمانه بإمكانية صنع أجهزة وآلات يمكن أن تقوم بعمل أعضاء جسم الإنسان الطبيعية. عارضه في ذلك كثير من أطباء هولندا حيث واجه كثيراً من الاستياء والغضب، فقرر الهجرة إلى أمريكا حيث وجد المجال أكثر انفتاحاً وتقبلاً وتشجيعاً لأفكاره الجديدة. كان كولف يقول: " المصائب والنكبات كانت دائماً تتحول إلى صالحي في نهاية الأمر ".
هاجر كولف إلى أمريكا سنة 1950 حيث عمل في مستشفى كليفلاند كلينيك على تطوير مضخة القلب والرئة، وتابع تطوير الكُلية الصناعية، وبدأ بأبحاث أولية عن القلب الصناعي. في سنة 1967 أصبح رئيساً لقسم الأعضاء الصناعية والهندسة الحيوية في جامعة يوتا الأمريكية، حيث كان له تأثير كبير في تدريب كثير من الباحثين، وفي نجاح تصميم القلب الصناعي الذي زُرع بنجاح سنة 1982.
استطاع كولف خلال عمله في كليفلاند أن يتابع تطوير الكُلية الصناعية، ومضخة القلب والرئة، وأن يخترع قلباً صناعياً استخدمه بنجاح في حيوانات التجربة سنة 1957. بعد انتقاله إلى جامعة يوتا سنة 1967 عمل كولف على تطوير كثير من الأعضاء الصناعية التي تساعد النظر والسمع والرئة، وكان له فضل كبير في تطوير القلب الصناعي. يُعتبر كولف مؤسس عِلم الأعضاء الصناعية، ويَعتبره كثير من المؤرخين من أهم أطباء القرن العشرين. حصل على 13 شهادة دكتوراة فخرية وأكثر من 127 جائزة علمية عالمية، وأدرجته مجلة لايف الأمريكية في لائحة أهم 100 شخصية في القرن العشرين. توفي كولف في فيلادلفيا سنة 2009 بعد ثلاثة أيام من بلوغه عمر 98 سنة.
كان كولف أستاذاً لكثير ممن عملوا على تطوير الأعضاء الصناعية، وظلّتْ محاضراته وتعليماته وأفكاره العلمية العملية مصدر إلهام لكثير من العاملين في الهندسة الحيوية، وعلى الرغم من كل هذه الإنجازات العلمية العظيمة، لم يُمنح كولف جائزة نوبل!