لوحِظ في العقدَين الفائتَين وجود زيادة مضطردة في الإصابات بأنواع مختلفة من سرطانات القولون، وظهور الإصابات عند الشباب أيضاً. إذا اكتشف وجود أورام القولون بشكل مبكر، يمكن علاجه بنتائج جيدة جداً لدى أكثر من 80 بالمئة من المرضى. ولكن المشكلة أن كثيراً من أورام القولون لا تعطي أعراضًا وعلامات سريرية إلا بعد أن تكون في مراحل متقدمة، مما يجعل العلاج أكثر صعوبة وأقل نجاحًا. لذا يبحث الأطباء بنشاط عن وسائل لكشف وجود أورام القولون بشكل مبكر.
ما هي الطرق المتاحة حالياً لكشف سرطانات القولون؟
أفضل الوسائل المتاحة في الطب هذه الأيام للتحري عن وجود أورام سليمة أو خبيثة في القولون هي:
- تنظير القولون، وهي طريقة فعالة تسمح بالتشخيص، وبعلاج الأورام السليمة في مراحلها الأولى، ولكن تنظير القولون يحتاج إلى تحضيرات، ولا يمكن أن يقوم بالتنظير سوى طبيب مختص بالأمراض الهضمية، كما أنه إجراء مرتفع التكاليف، ولذا، بحث الأطباء عن وسائل تشخيصية أبسط، فوجدوا
- اختبار الكشف عن وجود دم خفيّ في البراز، وهو اختبار بسيط يستطيع كل شخص أن يقوم به في المنزل، ولكن حساسيته لكشف أورام القولون ليست جيدة، كما أنه يتأثر بأمور أخرى غير وجود ورم في القولون، مثل تناول أدوية الحديد، أو الأسبرين، أو بعض الأطعمة الغنية بالحديد ... فيعطي الاختبار عندها نتائج تشير خطأً إلى وجود ورم في القولون، مما يعرض المريض لتوتر نفسي شديد، ويعرضه لضرورة الخضوع لاختبارات كثيرة للتأكد من ذلك.
- فحص الحمض النووي DNA في الدم أو البراز، وهو اختبار أكثر دقة من كشف الدم الخفيّ في البراز، ولكنه أعلى تكلفة، وغير متوفر بسهولة.
- تصوير القولون الطبقي المحوري، وهي نوع من التصوير الشعاعي الذي يظهر وجود أورام داخل القولون، ولكن إجراء هذا الاختبار يحتاج أيضاً إلى تحضيرات، ولا يمكن أن يقوم به سوى طبيب مختص بالأشعة، كما أنه مرتفع التكاليف، وغير متاح بسهولة.
هل يمكن كشف سرطانات القولون بإجراء تحليل دم بسيط؟
نشَرت دراسة في مجلة علمية بريطانية موثوقة في 14 ديسمبر 2022 نتائج دراسة مبدئية لبحث مدى دقة تحليل دم جديد في كشف سرطانات القولون لدى الأشخاص الذين يُعتبرون من الفئة المعرضة للإصابة بهذه الأمراض لأسباب عديدة مثل: العمر أكثر من 50 سنة، وجود قصة عائلية لهذه الأمراض، التدخين، وجود سوابق مؤكدة لإصابتهم بأورام قولونية سليمة ...
كيف أجريت الدراسة؟
تمت متابعة 532 شخصًا ممن هم في فئة الأشخاص المعرضين للإصابة بسرطانات القولون، وأعمار كل منهم أكثر من 50 سنة. أجري لهم تحليل الدم الجديد الذي يعتمد على تقنيات تبعثر الطيف الضوئي بطريقة رامان Raman Spectroscopy. وكان العالم الهندي تشاندرا سيخارا رامان (1888-1970) قد وصف هذه الطريقة في تحليل المواد سنة 1928، وحصل على جائزة نوبل في الفيزياء سنة 1930 تقديراً لكشفه ذلك. كما يعتمد تحليل الدم الجديد على تقنيات الذكاء الاصطناعي للكشف المبكر عن سرطانات القولون. خضع المشاركون في الدراسة لتنظير القولون أيضًا، وتمت مقارنة النتائج ومدى دقتها في كشف سرطانات القولون.
ما هي نتائج الدراسة؟
تم تشخيص سرطان القولون لدى 29 مريضاً (5 بالمئة) من المشاركين في الدراسة، وتمكّن تحليل الدم الجديد من كشف وجود سرطان القولون لدى 95.7 بالمئة من الحالات، بينما كانت النتائج خاطئة في 69.3 بالمئة من الحالات. أي أنه يمكن الاعتماد على نتيجة هذا التحليل إذا كان موجبًا وأنه يدل على وجود سرطانات القولون بشكل صحيح في نحو 96 بالمئة من النتائج الموجبة. بينما لا تدل النتيجة السالبة لهذا التحليل على عدم وجود سرطانات القولون، ويجب إجراء فحوص أخرى مختلفة للتأكد من النتيجة.
ماذا يمكن استنتاجه من نتائج الدراسة؟
- إذا كانت نتيجة تحليل الدم لكشف سرطانات القولون بطريقة رامان موجبة، فإن هذه النتيجة تساعد الأطباء على تحويل المرضى بشكل سريع لمتابعة العلاج، أملاً في تحقيق كشف مبكر ونتائج جيدة.
- إذا كانت نتيجة هذا التحليل سالبة، يجب إجراء فحوص إضافية، مثل تنظير القولون بالطبقي المحوري، أو تنظير القولون العادي حسبما هو متاح.
- لا يمكن الاعتماد على هذا التحليل لوحده في إثبات أو نفي وجود ورم خبيث في القولون.
- الفحص الجديد منخفض التكاليف، ولا يحتاج إلى مواد مخبرية كثيرة، ويمكن أن يكون وسيلة مناسبة للكشف المبكر عن احتمال وجود ورم خبيث في القولون، وبالتالي إحالة المريض إلى مراكز تنظير القولون والعلاج بشكل مبكر.
- يجب إثبات مدى دقة هذا التحليل الجديد في دراسة تضم مجموعة أكبر من الأشخاص.
المصادر:
