صحــــتك

الضربة القاضية قد تخلّف إعاقات دائمة أو قد تقتل

الضربة القاضية

الضربة القاضية هي المشهد الأكثر إثارة في عالم الملاكمة الذي ينتظره عشاق الملاكمة بفارغ الصبر، ويقوم فيه أحد المتبارزين بتوجيه ضربة تُردي غريمه على أرض الحلبة فاقدًا الوعي، لا من  فمه ولا من كمّه، ليأتي حكم المباراة فوق رأسه ويبدأ في العد إلى العشرة، وإذا لم يستطع الملاكم الوقوف مرة أخرى على قدميه قبل انتهاء العد، فإن الجولة تنتهي بإعلان فوز الملاكم بالضربة القاضية knocked out التي يرمز لها اختصارًا KO.

ما الذي يحدث للدماغ في الضربة القاضية ؟

المعروف أن الدماغ يتكون من أربعة أجزاء رئيسية هي:

  • نصف الدماغ الأيمن.
  • نصف الدماغ الأيسر.
  • جذع الدماغ الذي يقع في الأسفل.
  • المخيخ الذي يقع في الخلف.
مقطع تشريحي للدماغ
تشريح الدماغ

يمكن للشخص أن يفقد وعيه إذا تم إيقاف تشغيل أحد نصفي الدماغ أو كِلا النصفين في آن واحد، كما يمكن أن يحدث فقدان الوعي عند تأثر جذع الدماغ الذي يربط الدماغ بباقي الجهاز العصبي، ويتأثر نشاط الدماغ بعدة عوامل، مثل انقطاع الأكسجين عن أجزاء معينة منه، أو انسداد أحد الأوعية الدموية فيه، ويمكن لأي ضربة على الرأس أن تسبب اضطرابًا قد يؤدي إلى فقدان الوعي.

 

إن نصفي الدماغ ثقيلان، في حين أن جذع الدماغ، الذي يربط نصفي الدماغ ببقية الجهاز العصبي، قليل الوزن وضيق مثل ساق الزهرة، لهذا؛ فعندما يتحرك الرأس بعنف وسرعة، فإن الدماغ الثقيل يهتز في الجمجمة ويتحرك من مكانه واضعًا الكثير من الضغط على جذع الدماغ، ما يتسبب في شده والتوائه أثناء وقوع الضربة، الأمر الذي يؤدي إلى انقطاع مؤقت في التواصل الكهربائي بين الدماغ وباقي الجهاز العصبي، وهذا ما يؤدي إلى توقف أجزاء من الدماغ عن العمل بشكل طبيعي، وإذا تأثر جذع الدماغ (المسؤول عن الوعي) في هذه العملية، فإن فقدان الوعي سيحصل.

 

تُعتبر الضربة القاضية من أكثر الأسباب شيوعًا للإصابات العصبية الحادة في عالم الملاكمة، وهي مسؤولة عن حوالى 10 وفيات سنويًا، ويكون فقدان الوعي الناجم عن الضربة مباغتًا، وغالبًا ما يكون سببه لكمة قوية ومباشرة على الذقن أو الفك تدفع بالجمجمة إلى الوراء بشدة وبسرعة خلال زمن لا يتعدى الثانية، ولكن المشكلة هي أن المخ لا يتحرك مع الجمجمة بنفس السرعة المفاجئة، فتكون النتيجة أن يرتطم المخ بالجدار الخلفي لعظام الجمجمة المترنحة، فيحدث ارتجاج الدماغ ويتأثر جذع الدماغ، ويصاب الملاكم بعدم الثبات وعدم التوازن، ما يجعله غير قادر على التحكم في وضعيته فلا يستطيع الدفاع عن نفسه.

 

ويعاني بعض الملاكمين إثر الضربة القاضية من متلازمة ما بعد الارتجاج التي تتظاهر بأعراض معرفية وجسدية تتضمن فقدان التوازن، وغياب الوعي، وضياع مؤقت في الذاكرة، والدوخة، والصداع، وعادة ما يتعافى الملاكمون الذين تعرّضوا لهذه المتلازمة في غضون أيام أو أسابيع، إلا أن البعض، الذي مارس المهنة لفترات طويلة وتعرّض إلى ما هب ودب من الضربات المكثفة على رأسه، فإن أعراض المتلازمة لديه يمكن أن تدوم لفترات أطول أكثر من هذا، إذا أصبحت متلازمة ما بعد الارتجاج أكثر تكرارًا وأطول مدة، يزداد خطر حدوث إصابات دماغية مزمنة، بما فيها الاعتلال الدماغي المزمن.      

 

ما الفرق بين فقدان الوعي وارتجاج الدماغ؟

إنهما مرتبطان ولكنهما ليسا متشابهين، هناك اعتقاد شائع بين الناس مفاده أنه إذا لم يحصل فقدان في الوعي، فإنه لا مدعاة للقلق بشأن ارتجاج الدماغ، إلا أن البحوث المستفيضة التي أجريت حول الارتجاج كشفت أن 90 بالمئة من حالات الارتجاج لم يحدث فيها فقدان للوعي.

 

إن تلقي أي ضربة شديدة على الرأس يمكن أن تؤدي إلى أرجحة المخ داخل الجمجمة بقوة، وبالتالي فإنه يمكن لأجزاء أخرى من الدماغ أن تتأثر، وإذا لم يطال هذا التأثير جذع الدماغ المسؤول عن الوعي، فإنه لن يكون هناك فقدان للوعي.

ما هي الآثار الطويلة الأمد لفقدان الوعي؟

قد يتسبب فقدان الوعي بآثار صحية سلبية على المدى البعيد، لكن الآثار الطويلة المدى لفقدان الوعي تعتمد على شدة الإصابة:

  • إذا تم فقدان الوعي لفترة وجيزة، وكان هناك ارتجاج في المخ، فإن 75 إلى 90 بالمئة من الأشخاص سوف يتعافون كليًا في غضون أشهر قليلة.
  • إذا كان هناك تلف شديد في الدماغ فإن فقدان الوعي قد يدوم أيامًا أو أسابيع أو لفترة أطول.
  • إذا حصل نزف أو تورم داخلي في الدماغ، فقد تكون الجراحة ضرورية لتخفيف الضغط عن الدماغ.
  • يمكن أن تسبب الإصابة الشديدة تأثيرات دائمة بحسب المنطقة التي تعرضت للضرر في المخ، وفي هذه الحالة يكون فقدان الوعي أحد أعراض الإصابة وليس سببًا للضرر الطويل الأمد.

كيفية التعامل مع فقدان الوعي

يعتمد التعامل مع فقدان الوعي والإسعافات الأولية المقدَّمة للحالة على الفترة الزمنية لفقدان الوعي, بحيث تختلف الإجراءات إذا كان وقت فقدان الوعي قصيرًا عنها في حال كان الوقت طويلاً.

  • إذا كان فقدان الوعي قصيرًا جدًا، أي أقل من دقيقة، واختفت الأعراض الأخرى للارتجاج بسرعة، فإن الكشف الطبي ضروري للتأكد من عدم وجود خطر يهدد حياة المصاب.
  • أما إذا استغرق فقدان الوعي أكثر من دقيقة، ولم تتلاش الأعراض في غضون دقائق قليلة، فمن الضروري نقل المصاب إلى غرفة الطوارئ لفحص المصاب عن كثب للتأكد من عدم وجود نزيف داخلي أو كدمات أو تورمات في الدماغ قد تشكل خطرًا على المصاب.

اللكمات القوية قنبلة صحية موقوتة

وجدت دراسة نشرت عام 2017 في مجلة الجمعية الطبية الأميركية أن 99 بالمئة من لاعبي اتحاد كرة القدم الأميركي لديهم أدلة بعد الوفاة على الإصابة باعتلال الدماغ الرضّي المزمن (chronic traumatic encephalopathy)، فما بالكم بالملاكمين الذين يتعرضون إلى ضربات متكررة على الرأس أثناء التدريب أو عند خوض المباريات.

 

قد تكون الارتجاجات الدماغية طفيفة، ولكن تكرار هذه الارتجاجات يمكن أن يؤدي مع مرور الوقت إلى مرض اعتلال الدماغ الرضي المزمن، وهو مرض دائم وغير قابل للشفاء.

إن الضربات المتكررة على الرأس التي يتلقّاها الملاكمون تزيد من أرجَحة المخ في الجمجمة، ما يعرّض خلاياه للتلف، الذي هو في واقع الأمر بمثابة قنبلة صحية موقوتة، لا تلبث أن تنفجر عاجلًا خلال فترة النشاط الرياضي، أو آجلًا بعد مغادرة حلبات الملاكمة بسنوات.

 

 

نبذة عن اعتلال الدماغ الرضّي المزمن

اعتلال الدماغ الرضّي المزمن هو مرض تنكسي تدريجي يؤثر على الأشخاص الذين تعرّضوا على الأرجح إلى ارتجاجات ناتجة عن إصابات دماغية رضية متكررة  على الرأس تؤدي إلى موت الخلايا العصبية في الدماغ، ويعتبر تشريح الدماغ بعد الوفاة هو الوسيلة الوحيدة لتشخيص هذا الاعتلال.

 

لا توجد أعراض نوعية محددة خاصة باعتلال الدماغ الرضّي المزمن، فهي تتشابه مع أعراض العديد من الحالات المَرَضية الأخرى مثل الخرَف وداء باركنسون وضمور الدماغ وغيرها، وتظهَر الأعراض بعد أشهر أو سنوات، أو حتى بعد عقود من تاريخ آخر صدمة وقعت على الرأس. وتتضمن الأعراض تغيرات إدراكية وسلوكية ومزاجية وحركية، هي:

  •  فقدان الذاكرة.
  •  ضعف التركيز.
  •  العدوانية.
  •  الارتباك.
  •  الاكتئاب.
  • صعوبة التفكير.
  •  ضعف الحكم.
  •  عدم الاستقرار العاطفي.   
  •  الميول الانتحارية.
  •  القلق.
  •  صعوبة النوم.
  • الدوخة.
  •  صعوبة التوازن.
  •  مشكلات في المشي.
  • مشكلات في التنفس والبلع والكلام.
  •  ضعف اليدين.


الضربة القاضية هل هي قاتلة؟

ختاماً، إن عشاق الملاكمة ينتظرون بشغف الضربة القاضية لأنها اللحظة الأكثر إثارة لإنهاء القتال بين شخصين يضربان بعضهما بلكمات متتالية، واحد يربح والآخر يخسر.

قد يبدو التأثير الناجم عن الضربة القاضية وكأنه ناتج عن تسديد لكمة واحدة، ولكن على أرض الواقع فإن هذا التأثير هو حصيلة للكمات متتالية وسريعة، يتعرض خلالها الدماغ إلى ارتجاجات عديدة قد تجعل صحة صاحبها في مهب الريح على المدى القصير والطويل.

 

في كل الأحوال، إن الضربة القاضية الناتجة عن لكمة على الرأس يجب أن تثير القلق من حدوث ارتجاج في المخ حتى لو استطاع الملاكم الوقوف على قدميه قبل العد إلى العشرة، وإذا سقط الملاكم أرضًا ولم يتمكن من النهوض خلال فترة العد إلى العشرة فإنه يجب الشك بوجود ارتجاج في المخ بشكل مهم، وبالتالي التصرف معه على هذا الأساس، لأن الارتجاج قد يقتل.

 

المصادر:

What Happens When You’re Knocked Unconscious?

A Systematic Review and Meta-Analysis Investigating Head Trauma in Boxing

How Common Are Head Injuries in Boxing?

What is Chronic Traumatic Encephalopathy (CTE)?

آخر تعديل بتاريخ
19 أبريل 2024

قصص مصورة

Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.