صحــــتك

اكتشاف اللقاحات ضد الأمراض

كيف ساعدت اللقاحات في مقاومة الأمراض؟
الأوبئة التي ساعدت اللقاحات في السيطرة عليها

كانت الأوبئة تفتك بملايين البشر في كافة أنحاء العالم قبل اكتشاف اللقاحات ضد الأمراض المُعْدِيَة. كان مِن أشهر الأوبئة طاعون جستينيان الذي انتَشر في أوروبا وشرق المتوسط في الفترة 541-767 ميلادية، وفَتَكَ بحوالي 40% من سكان القسطنطينية وحوالي نصف سكان أوروبا. كما انتَشر الطاعون الأسود في الفترة 1347-1453 حين قَضى على حوالي 75 مليوناً من سكان آسيا وأوروبا.

أما مرض الجُدَري فقد قَضى على حوالي 90% من الهنود الحمر في شمال شرق أمريكا خلال 1618-1619، وعلى حوالي 30% منهم في مناطق الشمال الغربي فيها، ويَعتقد بعض المؤرخين أنّ وفاة حوالي 95% من سكان أمريكا الأصليين في "العالَم الجديد" قد حدثَتْ بسبب أمراض "العالَم القديم" مثل الجُدَري والحصبة والإنفلونزا. كما قَضتْ الأوبئة على حوالي 50% من السكان الأصليين في أستراليا ونيوزيلندا وهاواي. أما وباء الإنفلونزا الإسبانية الذي انتَشر بسرعة هائلة خلال سنة 1918 فيُقدَّر أنه قد أصاب ثلث سكان العالَم (حوالي 500 مليون إصابة)، وأنه قَضى على حوالي 50 مليون شخصاً، منهم 17 مليوناً في الهند وحدها.

لاحَظَ الأطباء وجود ذاكرة المَناعة منذ زمن طويل قبل أنْ يَعرفوا تفسيراً علمياً لها، فقد شاهدوا مثلاً أنّ الإصابة ببعض الأمراض تَمنَح المُصاب مَناعة طويلة ضدها، وأنّ هذه المَناعة قد تكون دائمة في بعض الأحيان. وقام الصينيون والهنود والأتراك منذ أكثر من ألف سنة بإحداث نوع من العَدوى المَقصودة لمرض الجُدَري أملاً في الحصول على مَناعة دائمة ضد هذا الوباء. ويبدو أنّ إجراءات مشابهة قد تم تطبيقها في إنكلترا وأمريكا منذ أواخر القرن السابع عشر، إلا أنها كانت تؤدي أحياناً إلى الوفاة، ولمْ تُطَبَّق إلا كإجراء أخير في فترات انتشار الأوبئة.

بدايات اكتشاف اللقاحات ضد الأمراض

ربما يعود الفضل تاريخياً في وضع الأساس العلمي للتلقيح ضد الأمراض المُعْدِية وانتشاره على نطاق عالمي واسع إلى الطبيب الانكليزي الشهير إدوارد جينِر Edward Jenner (1749-1823). لاحَظَ جينِر وغيره من الأطباء في تلك الفترة أنّ المرضى الذين يصابون بنوع خفيف من الجُدَري (مثل جُدَري البقر) لا يصابون بالنوع الشديد القاتل، وأنّ الفتيات اللواتي يَعمَلن في حَلْبِ الأبقار، تُصاب أيديهن أحياناً بتَقَرُّحات خفيفة لمرض جُدَري البقر الذي يشبه جُدَري البَشَر، ولكنَّهنّ لا يُصَبْنَ بالمرض الشديد.

خَطَرتْ له فكرة نقل قليل من مادة تَقَرُّحات جُدَري البقر من إحدى الفتيات إلى ذراع ابن فلاح كان يعمل في حديقة منزله، وقام بذلك في 14 مايو 1796. بعد شهرين من ذلك، حاوَلَ نَقْل قليل من مادة مجَفَّفة من تَقَرُّحات وقشور مريض مصاب بجُدَري البَشَر إلى ذلك الفتى نفسه، وكان سروره عظيماً عندما لمْ يُصَب الفتى بأي أذى. كَرَّر جيِنر محاولة نقل المادة المجفَّفَة من مرض الجُدَري إلى الفتى، ومرة أخرى لمْ يُصَب الفتى بأي أذى.

حاول جينِر نَشر نتائج دراسته لدى الجمعية الملكية، ولكنهم لمْ يوافقوا على ذلك حتى عام 1798 عندما نُشرت نتائج التلقيح في 23 شخصاً، واستطاع جينر أنْ يُثبِتَ حصولهم على مَناعة ضد مرض الجُدَري بعد تلقيحهم المُتَعَمَّد بجُدَري البقر. تُرجِمتْ مقالته تلك إلى ستّ لغات، وانتَشر تطبيق طريقته في التلقيح ضد الجُدَري، وما إن حَلَّ عام 1801 حتى كان لقاحه ضد الجُدَري قد أعطي لحوالي 100،000 شخص.

ومع ذلك لمْ يَقبل الأطباء والعلماء نتائج أبحاثه عن التلقيح بسهولة، وبعد سنين طويلة من الحوار والمعارضة والنقد، أَصدَرَت الحكومة البريطانية سنة 1840 قانوناً بتطبيق طريقة التلقيح التي وَصَفها جينِر، وتَعميمِها على جميع السكان مجاناً، ومَنعتْ تطبيق الوسائل السابقة في التلقيح ضد مرض الجُدَري. تمَّ تحسين لقاح الجُدَري، وانتَشر تطبيقه في كافة أرجاء العالم، وبفضل كثير من الأعمال التطوعية والتبرعات والقوانين والدعم الحكومي والدولي في تعميم هذا اللقاح، أَعلنتْ منظمة الصحة العالمية سنة 1979 القضاء التام على هذا المرض اللعين. يَعتبِر بعض المؤرخين أنّ أبحاث إدوارد جينِر ربما أنقَذتْ مِنَ البشر أكثر مِنْ أعمال أي رجل آخر، واعتُبر أنه مؤسس عِلم المَناعة.

 

الطبيب الإنكليزي وليام جينِر Edward Jenner الذي وضع مبدأ اللقاح ضد مرض الجُدَري ويُعتَبر مؤسس عِلم المناعة

مزيد من اللقاحات المفيدة

استَخدَم العالِم الفرنسي الشهير لويس باستور Louis Pasteur (1822-1895) مبادئ التلقيح في صنع لقاحات ضد مرض الجَمْرَة الخبيثة Anthrax ومرض الكَلَبْ Rabies. وتم تصنيع لقاحات ناجحة ضد كثير من الأمراض الجرثومية والفيروسية، مثل السل والانفلونزا، وربما كان الأمريكي موريس رالف هيلمان Maurice Ralph Hillman (1919-2005) أكثر الباحثين الذين تَوصَّلوا لصنع اللقاحات الفعالة، إذ نَجَح في صنع أربعين لقاحاً، منها لقاحات الحصبة والنكاف والحماق والتهاب الكبد والتهاب السحايا وذات الرئة ...

وقد اتضح نجاح اللقاحات في السيطرة على كثير من الأوبئة في معظم دول العالم، كان أحدثها نجاح اللقاحات ضد فيروس كورونا في وقف الجائحة العالمية لمرض كوفيد-19 .

 

المصدر:

كتاب "قصة المناعة، كيف كشفها رجالها" للدكتور عامر شيخوني

 

آخر تعديل بتاريخ
21 مايو 2023

قصص مصورة

Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.