ابن سينا.. أمير الأطباء وأبو الطب الحديث

اتّبع أطباء العرب والمسلمين طرق مَنْ سبقهم وأساليبهم ونظرياتهم، وطَبّقوا آراء اليونانيين والفرس والهنود، وورثوا طبّ الأقدمين من الفراعنة والبابليين، وأضافوا عليها خبراتهم ونظرياتهم ونتائج أبحاثهم. برع لديهم كثير من الأطباء مثل الحارث بن كلدة، وأبو بكر الرازي، وأبو القاسم الزهراوي، وأبو مروان بن زهر وغيرهم، إلا أن أشهرهم وأكبرهم أثراً كان ابن سينا وكتابه الهام "القانون في الطب".



أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا البَلْخيّ ثم البُخاريّ المعروف بابن سينا، عالِم وطبيب مسلم، اشتُهر بالطب والفلسفة واشتَغل بهما. ولِد في قرية أفشنة بالقرب من بُخارى في أوزبكستان حالياً من أبٍ من مدينة بلخ في أفغانستان حالياً.

ولِد سنة 980 وتوفي في هَمَدان في إيران حالياً سنة1037. عُرف باسم الشيخ الرئيس وسَمّاه الغربيون بأمير الأطباء وأبو الطب الحديث في العصور الوسطى. ألّفَ أكثر من 200 كتاب في مواضيع مختلفة وركَّز على الفلسفة والطب. يُعدُّ ابن سينا من أوائل من كتَبَ عن الطبّ في العالَم ولقد اتَّبع أسلوب أبقراط وجالينوس.

وأشهر أعماله كتاب القانون في الطب الذي ظل لسبعة قرون متوالية المرجع الرئيسي في عِلم الطب، وبقي كتابه القانون في الطب معتَمَداً في تعليم هذا الفنِّ حتى أواسط القرن السابع عشر في جامعات أوروبا، ويُعد ابن سينا أوَّل من وصَفَ التهاب السَّحايا الأوَّليِّ وصفاً صحيحاً، ووصَفَ أسباب اليرقان، ووصَفَ أعراض حصيات المثانة، وانتبه إلى أثر المعالجة النفسانية في الشفاء.

وتُروى عن ابن سينا براعته في تشخيص الحالات المرضية عن طريق فحص النبض، إذ إنه دُعي مرةً لعلاج مريض شاب توقَفَ عن الأكل وانتابَه هزال شديد وضعف، ولمْ يستطع الأطباء فهم حالته ولا تقديم علاج ناجع لمرضه. وبعد تأملٍ وتفحص وتفكير، استدعى رجلاً عارفاً بسكان البلد، وطلب منه ذِكر أسماء أحياء المدينة بينما كان ابن سينا يفحص نبض المريض، ولاحَظَ تغير النبض عندما ذَكَرَ الرجل اسم حي معين.

طَلَبَ ابن سينا مِنَ الرجل أنْ يذكر أسماء العائلات التي تسكن ذلك الحي، وعندما ذَكَرَ الرجل اسم عائلة معينة، لاحظَ ابن سينا تغيراً في نبض المريض أيضاً. وكلما كرر الرجل ذِكْرَ اسم الحي أو اسم العائلة تكرر التغير في نبض المريض. طَلَبَ ابن سينا من الرجل أنْ يَذكر أسماء أفراد تلك العائلة، وعندما لفظ الرجل اسم فتاة معينة اضطرب نظم المريض، فأدرك ابن سينا أنّ الشاب يعشق تلك الفتاة، وأنّ عشقه اليائس هو سبب حالته المَرَضية. عندها وَصَفَ العلاجَ الناجع، وطلب من الأب أنْ يزوج ابنه تلك الفتاة. انتعش المريض فور سماعه تلك النصيحة وخفّ من مرضه.

اعتقد ابن سينا بنظرية الخلائط الأربعة (الدم والبلغم والصفراء والسوداء)، وأنّ صفات النبض تتعلق بالتوازن بين هذه الخلائط في الجسم، ووصف أنماط النبض المختلفة في فئات عدة:
1- حجم النبض: قوي، أو ضعيف، أو متوسط.
2– فترة النبضة الواحدة: قصيرة، أو طويلة، أو متوسطة.
3– سرعة النبض: سريع، أو بطيء، أو متوسط السرعة.
4– حرارة النبض: حار، أو بارد، أو متوسط.
5– انضغاط الشريان: سهل الانضغاط، أو صعب، أو متوسط.
6– امتلاء النبض: ممتلئ، أو فارغ، أو متوسط.
7– تساوي قوة النبضات أو عدم تساويها.
8– انتظام النبض: منتظم، أو غير منتظم بشكل دوري متكرر، أو غير منتظم أبداً.
استطاع ابن سينا أنْ يصف كثيراً من حالات عدم انتظام النبض بشكل دقيق، وصَنَّفَ أنواع النبض بشكل أكثر تفصيلاً مِمَن سبقه مِنَ الأطباء، ووصَفَ تغيرات النبض مع العمر، واختلافه بين الرجل والمرأة، وفي حالة الصحة والمرض.

24 أغسطس 2020
آخر تعديل بتاريخ