صحــــتك

أسباب ارتفاع ضغط الدم العصبي وطرق علاجه

على الرغم من التقدم الكبير في علاج ارتفاع ضغط الدم، فإن العديد من المرضى يفشلون في الاستجابة للعلاج الدوائي القياسي الذي يركّز على تنظيم توسُّع الأوعية الدموية، وحمية قليلة الملح، وضبط نظام الرينين-أنجيوتنسين في الجسم Renin–Angiotensin System (RAS). بالنسبة لهؤلاء المرضى، غالبًا ما ترجع حالتهم إلى مرض آخر يتم تجاهله كثيرًا، وهو ارتفاع ضغط الدم العصبي Neurogenic Hypertension (NH)، والذي يتطلب تدخلًا علاجيًا مختلفًا.

 

  • ما هو ارتفاع ضغط الدم العصبي؟

يقال إن الشخص مصاب بارتفاع ضغط دم عصبي عندما يكون المنشأ الحقيقي لارتفاع ضغط الدم عصبيًا، أي عندما تكون المشكلة الأساسية هي في الدماغ أو في الأعصاب، أو أن المنشأ غير عصبي ولكنه يؤدي إلى زيادة في ضغط الدم الشرياني (ABP) Arterial Blood Pressure بوساطة عصبية، وهذا تمييز جيد، إذ إنّ العوامل المسببة مختلفة تمامًا.

في الواقع، قد يشمل مصطلح ارتفاع ضغط الدم العصبي الكثير من أشكال ارتفاع ضغط الدم، وهي لا تشترك إلا في القليل من ناحية الآلية المسبِّبة للأمراض، أو المخرجات المشتركة.

 

  • التعامل مع ارتفاع ضغط الدم العصبي

يجب على الأطباء والمرضى أن يدركوا أن ارتفاع ضغط الدم يشبه الحمّى من حيث أسبابه العديدة، وقد لا تتعلق هذه الأسباب فقط بالكلى والأنظمة التي تتحكم في كمية الدم واحتباس الملح، ولكن أيضًا بالجهاز العصبي وغيره من هرمونات "الإجهاد" إلى جانب تلك التي تفرزها الكلى.

على سبيل المثال؛ من غير المعترف به في كثير من الأحيان أن ثلث مرضى ارتفاع ضغط الدم فقط لديهم حساسية للملح (العدد أعلى بين الأمريكيين من أصل أفريقي وكبار السن)، وهنا يأتي دور ارتفاع ضغط الدم العصبي، وهو اضطراب مهمَل يتعلق بجهاز تنظيمي آخر يُعرَف باسم الجهاز الودي الكظري (SAS).

بالنسبة لأي فرد، قد يكون ارتفاع ضغط الدم مستجيبًا بشكل جيد لعامل واحد، ولكنه لا يستجيب تمامًا لعامل آخر. وتبقى هناك حقيقة مقنعة، وهي أن ارتفاع ضغط الدم ما يزال غير خاضع للسيطرة بشكل كافٍ في 40٪ من حالات المرضى المعالجين.

يشير عدم الاستجابة للعلاج إلى أننا بحاجة إلى توسيع نطاق بحثنا، والنظر في آليات أخرى قد تسبب ارتفاع ضغط الدم. الأسباب المختلفة تتطلب أدوية مختلفة.

ركَّزت الأبحاث الحديثة حول ارتفاع ضغط الدم على الدور المركزي لكمية الدم ونظام الرينين-أنجيوتنسين في تطور ارتفاع ضغط الدم، وقد لعبت الأدوية الموجَّهة إليها، بما في ذلك مدرات البول، ومثبطات الإنزيم المحوِّل للأنجيوتنسين (ACEI's)، وحاصرات مستقبلات الأنجيوتنسين (ARB's)، دورًا بارزًا بشكل متزايد في العلاج.

عادةً ما يعاني مرضى ارتفاع ضغط الدم المعتمِد على حجم الدم من حساسية للملح، فيرتفع ضغط الدم لديهم مع زيادة تناول الملح. يستجيب هؤلاء المرضى لتقييد تناول الملح واستخدام مدرات البول. ومع ذلك؛ فإن المرضى الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم المعتمِد على نظام الرينين-أنجيوتنسين لا يستجيبون جيدًا لمدرات البول.

لدى هؤلاء المرضى، يعمل نظام الرينين-أنجيوتنسين الناتج عن إطلاق هرمون الرينين عن طريق الكلى للحفاظ على ارتفاع ضغط الدم. يستجيب هؤلاء المرضى عادةً للأدوية الموجَّهة إلى هذا النظام، مثل ACEI's وARB's. ومع ذلك؛ فإن عددًا كبيرًا من مرضى ارتفاع ضغط الدم يفشلون في الاستجابة للعلاج بهذه الأدوية.

يشير تقرير الباحثين إلى أن ارتفاع ضغط الدم لدى هؤلاء المرضى قد يكون ناجمًا عن زيادة نشاط جهاز تنظيمي مهم آخر هو الجهاز الودي الكظري، الذي يضم الجهاز العصبي الودي والغدة الكظرية.

في هذا النوع من ارتفاع ضغط الدم العصبي، يحدث ارتفاع ضغط الدم بسبب زيادة النتاج المركزي، وانقباض الشرايين بسبب زيادة إنتاج الإبينفرين (الأدرينالين) والنورإبينفرين، وهي ما يسمى بهرمونات "الإجهاد".

يحفز الإيبينفرين مستقبلات بيتا المركزية، مما يزيد من معدل ضربات القلب وحدوث السكتة الدماغية، بينما يحفز النورإبينفرين كلاً من مستقبلات بيتا المركزية ومستقبلات ألفا التي تحفز انقباض الشرايين.

المرضى الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم العصبي لا يستجيبون جيدًا للعلاج الأول الموصى به مؤخرًا (مدرات البول)، لأن حالتهم لا تتأثر بكمية الدم في الجسم، وتناول الملح.

ومع ذلك؛ فإنها تستجيب لأدوية أخرى، مثل حاصرات بيتا وحاصرات ألفا، وهو أمر منطقي فقط بالنظر إلى تورط مستقبلات ألفا وبيتا في ارتفاع ضغط الدم الناتج عن الجهاز الودي الكظري.

تعمل حاصرات بيتا على خفض ضغط الدم عن طريق تقليل إفراز الرينين، بينما تعمل حاصرات ألفا على خفض ضغط الدم عن طريق توسيع الشرايين وتقليل المقاومة المحيطية.

وبالتالي، فإن تحديد الأنماط العصبية لارتفاع ضغط الدم يوفر القدرة على فهم آليات ارتفاع ضغط الدم بشكل أفضل لدى المرضى، وبالتالي اختيار الدواء المناسب.

 

  • أسباب ارتفاع ضغط الدم العصبي

ما تزال الأسباب الدقيقة لارتفاع ضغط الدم العصبي غير واضحة بالنسبة للباحثين نظراً للتعقيد الكبير المتعلق بهذه الحالة، لكن هناك بعض الحالات التي ترافقت مع ارتفاع ضغط الدم العصبي نورِدها فيما يلي:

  1. نقص الأكسجة المتقطع المزمن

تشير مراجعة أُجريت عام 2017 على الدراسات الحيوانية إلى أن الفئران التي تعرَّضت لنقص الأكسجة المتقطّع المزمن (CIH)، وهو نمط تجريبي لارتفاع ضغط الدم العصبي، تُظهِر تغيرات في الشبكة التنفسية المركزية التي تؤثّر على نمَط التفريغ الودي ومستويات الضغط الشرياني.

 

  1. ارتفاع ضغط الدم الانتيابي

تشير مراجعة أُجريت عام 2018 إلى أنه من المرجح أن يحدث ارتفاع ضغط الدم العصبي لدى المرضى الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم الانتيابي الذي يحدث بشكل عشوائي خلال النهار، ويُقال إن ارتفاع ضغط الدم الانتيابي ناتج عن مشاعر مكبوتة مثل الخوف الشديد بسبب صدمة سابقة. 

 

  • أعراض ارتفاع ضغط الدم العصبي

توجد مشكلة في كيفية تحديد المرضى الذين قد يكون لديهم ارتفاع ضغط الدم ذا طبيعة عصبية. يتمثل العائق الرئيسي في عدم وجود تقنيات ملائمة سريريًا لتقييم الجهاز الودي الكظري لدى المرضى.

في هذا السياق، قد تستحق المؤشرات السريرية -وليس البيوكيميائية- مزيدًا من الاهتمام، باعتبارها أدلة على احتمال وجود ارتفاع ضغط الدم العصبي. وقد يعاني العديد من المرضى الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم من حالات مصاحبة مرتبطة بزيادة وتيرة الجهاز الودي الكظري وزيادة ضغط الدم.

وتشمل هذه الحالات:

  • السكتة الدماغية.
  • توقف التنفس أثناء النوم.
  • السُّمنة.
  • عدم انتظام دقات القلب (معدل ضربات القلب السريع).
  • تعاطي المشروبات الكحولية.

قد تكون العوامل السريرية الأخرى أيضًا بمثابة مؤشرات لارتفاع ضغط الدم العصبي، على الرغم من أن هذا المجال لم يتم دراسته جيدًا.

وتشمل هذه الحالات التي تكون فيها بداية ارتفاع ضغط الدم أو نمطه غير منتظم بشكل واضح، مثل البداية المفاجئة، أو الارتفاع الشديد أو المتغير في ضغط الدم. قد تكون العوامل النفسية أيضًا متورطة لدى بعض المرضى، حتى في الأفراد الذين يبدو أنهم غير متأثرين بالإجهاد الشديد.

وفقًا للخبراء، يجب أخذ ارتفاع ضغط الدم العصبي في الاعتبار عند علاج مرضى ارتفاع ضغط الدم الذين لا يستجيبون للعلاج بأدوية مدرة البول/ACEI المستخدَم على نطاق واسع، أو الذين تكون أعراضهم السريرية غير نمطية.

من المهم أن ندرك أن ارتفاع ضغط الدم العصبي موجود بالفعل، وأننا بحاجة إلى المزيد من التجارب السريرية لتحديد المرضى الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم العصبي، واستجاباتهم لمختلف الأنظمة المضادة لارتفاع ضغط الدم.

سوف يُخدم المرضى بشكل أفضل من خلال اختيار الأدوية المضادة لارتفاع ضغط الدم بشكل فردي بدلاً من وصف نفس الدواء لجميع المرضى.

 

  • العوامل المساعدة في ارتفاع ضغط الدم العصبي

حتى الآن، درس الباحثون ثلاثة عوامل من شأنها أن تسهم في ارتفاع ضغط الدم العصبي، وهي:

  1. الملح الغذائي

يُعَد تناول الملح الغذائي الزائد عاملاً رئيسياً يسهم في التسبب في ارتفاع ضغط الدم الشائع، ولكن تشير نتائج الأبحاث التي أُجريت على الحيوانات إلى أن الملح الغذائي قد يؤثر سلبًا على الشبكات التنظيمية الودية العصبية. لكن تحتاج التجارب المستقبلية إلى تحديد الآلية التي يَحدث من خلالها هذا الأمر، وتحديد ما إذا كان الملح الغذائي يؤثر بالمثل على التنظيم العصبي الودي لدى البشر.

 

  1. البدانة

يساهم الجهاز العصبي الودي في ارتفاع ضغط الدم المرتبط بالسُّمنة. توفّر دراستان حديثتان على الحيوانات دليلاً ملموسًا على ارتفاع نشاط العصب الودي (SNA) Sympathetic Nerve Activity باستخدام القياس عن بُعد لإجراء تسجيلات العصب الودي المزمن.

 

  1. التفاعلات العصبية المناعية

ترفع الأحداث المناعية المحيطية والالتهابات مستوى نشاط العصب الودي، وتساهم في ارتفاع ضغط الدم العصبي.  

 

  • استراتيجيات التعامل الحالية في علاج ارتفاع ضغط الدم العصبي

يهدف التعامل الفعال مع ارتفاع ضغط الدم إلى منع تلف الأعضاء، وتتضمن توازنًا بين التدخلات الدوائية وغير الدوائية. على الرغم من أن الاكتشاف المبكر يساعد في ضبط ارتفاع ضغط الدم المزمن، فإنه غالبًا ما يكون من الصعب الحصول على مثل هذا الوضع المثالي، لأن الطبيعة المعقدة لارتفاع ضغط الدم العصبي تجعل العلاج صعبًا.

لذلك؛ فإن النهج العلاجي الحالي لمعالجة ارتفاع ضغط الدم العصبي يهدف إلى السيطرة على ضغط الدم لمنع أي أحداث قلبية وعائية، وما يرتبط بها من تلف في الأعضاء. بالإضافة إلى ذلك، فإن الإجراءات الجراحية التي تم استكشافها لعلاج ارتفاع ضغط الدم العصبي تتداخل مع التأثير العصبي الودي على وظيفة القلب.

 1. العلاج بتغيير نمط الحياة

قبل البدء بالعلاج الدوائي، يوصى باتخاذ إجراءات غير دوائية لخفض ضغط الدم. تعمل تعديلات نمط الحياة مثل ممارسة الرياضة وتقليل استهلاك الكحوليات والصوديوم والتوقف عن تدخين السجائر على تحسين التحكم في ضغط الدم.

2. عوامل التأثير المركزية

تعمل معظم الأدوية المخفِّضة لضغط الدم المستخدَمة سريريًا خارج الجهاز العصبي المركزي. ومع ذلك، من المعروف أن بعض العوامل الخافضة للضغط لها نشاط مركزي، مما يقلل من القوة الحركية الوعائية الشاملة عن طريق تنشيط المستقبلات داخل النخاع البطني الجانبي.

3. إزالة الأعصاب الكلوية

في أوائل القرن التاسع عشر، تم علاج "ارتفاع ضغط الدم الخطير" عن طريق إزالة الأعصاب الحشوية جراحيًا. ومع ذلك، فإن ردود الفعل السلبية الرئيسية للوسائل الجراحية السابقة هي أنها كانت غازية، وتستغرق وقتًا طويلاً، وغير آمنة.

على مدى العقود القليلة الماضية، حَظيت العودة إلى العمليات الجراحية باهتمام كبير مع تطوير تقنية مختصرة (يتم إجراؤها عادةً في 40 دقيقة)، وتقنية إزالة الأعصاب الكلوية المعتمدة على القثطرة الأقل ضررًا. يتطلب الإجراء فقط إدخال قثطرة في الشريان الفخذي عند الفخذ تحت التخدير الموضعي، وتوجيهها إلى الشريان الكلوي، ثم يتم تطبيق ترددات الراديو على الشريان الكلوي لإحداث تلف موضعي في الأعصاب الودية الواردة والصادرة المتصلة بالكلى.

4. تفعيل منعكس مستقبلات الضغط

في عام 2019، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على نظام Barostim Neo لتحسين الأعراض لدى المرضى الذين يعانون من قصور القلب. يشتمل نظام Barostim Neo على مولد نبضات (بطارية) قابل للزرع ومتصل بمنطقة الأعصاب الودية المحيطة بالشريان السباتي في الرقبة. تتم برمجة الجهاز لتوصيل نبضات كهربائية إلى منطقة أعصاب مستقبلات الضغط التي تستشعر معدل تدفق الدم وتنقلها إلى الدماغ. يرسل الدماغ الذي يعتمد على هذه المستقبلات إشارات تنظم القلب والأوعية الدموية لضمان ضغط الدم الأمثل. على الرغم من اعتماد هذه الطريقة في علاج قصور القلب، فقد تم اقتراح التقنية المستخدَمة في الجهاز سابقًا للتعامل مع ارتفاع ضغط الدم المقاوم منذ وصفه الأول منذ أكثر من نصف قرن.

 

  • الخلاصة:

يَنتج ارتفاع ضغط الدم العصبي عن وجود خلل في تنظيم آليات الغدد الصم وتوازن الأعصاب الودية وزيادة ضغط الدم الشرياني، وقد تمارِس عواملُ متعددة تأثيرات متعددة لتغيير الدوائر العصبية، وإنتاج نبضات ودية خاصة، ورفع مستوى ضغط الدم الشرياني. وقد يساهم تناول الملح الغذائي، والسُّمنة، والالتهابات في حدوث ارتفاع ضغط الدم العصبي.

وقد اقتُرحت عدة طرائق لعلاج ارتفاع ضغط الدم العصبي، لكن يجب أن يكون العلاج شخصيا وفرديًا، فهذه العلاجات ليست مقاسًا واحدًا يناسب الجميع.

 

المصادر

  1. https://www.nyp.org/news/cornell-research-highlights-need-to-focus-on-frequently-neglecte
  2. https://www.ahajournals.org/doi/10.1161/HYPERTENSIONAHA.117.08936
  3. https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/29974290/
  4. https://journals.physiology.org/doi/full/10.1152/ajpregu.00505.2016
  5. https://www.mdpi.com/1422-0067/24/3/2213
آخر تعديل بتاريخ
28 فبراير 2024

قصص مصورة

Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.