الشعور بالذنب هو أحد المشاعر الإنسانية الطبيعية التي يمر بها الجميع في حياتهم، وقد ينشأ نتيجة لخطأ ارتكبناه أو قرار غير موفق اتخذناه، ويتسبب هذا الشعور في ثقل وتوتر نفسي يؤثر على حالتنا العاطفية وسلوكنا اليومي. في هذا المقال، سنتناول أهمية هذا الشعور ودوره في توجيه سلوكياتنا وتحفيزنا على التغيير، بالإضافة إلى كيفية التعامل معه بطريقة صحية تمكّننا من تجاوز آثاره السلبية واستعماله في التطور الإيجابي على الصعيد الشخصي.
تقبل الشعور بالذنب
قد يبدو تجاهل الشعور بالذنب استراتيجية مفيدًا، إذ وفي مرحلة ما قد تعتقد أن عدم التفكر فيه سيجعله يتلاشى في النهاية ويختفي. ولكن في الواقع هذا لا يحدث، فهو مثل المشاعر الأخرى يمكن أن تظل المشاعر السلبية أو مشاعر الذنب غير المعترف بها أو غير المعالَجة موجودة، مما يجعلك تشعر بحالة أسوأ مع مرور الوقت.
قد يمنع رفض الاعتراف بالشعور بالذنب مؤقتًا من تأثيره على حياتك اليومية، لكن إخفاء مشاعرك لا يعمل بشكل عام كاستراتيجية ناجحة دائمة، ويتطلب التعامل مع الشعور بالذنب حقًا أن تقبل هذه المشاعر أولاً، مهما كانت غير سارة. وننصحك بتجربة هذا التمرين:
- خصص بعض الوقت الهادئ لنفسك.
- أحضِر دفتر يوميات لكتابة وتدوين ومراقبة أفكارك.
- اكتب أي حدث مر في يومك غمرك فيه شعور بالذنب، مثلًا "أشعر بالذنب لأنني صرخت على أطفالي"، أو "أخلفت وعدًا"، أو "غششت في الاختبار".
- افتح الباب عقليًا للشعور بالذنب والإحباط والندم والغضب وأي مشاعر أخرى قد تظهر، ويمكن أن يساعدك في ذلك تدوين ما تشعر به.
- اجلس مع تلك المشاعر واستكشفها بالتساؤل بدلاً من الحكم على نفسك. العديد من المواقف أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه للوهلة الأولى، ويمكن أن يساعدك تفكيك عقدة الضيق في الحصول على سيطرة أفضل على ما تشعر به حقًا.
- إذا كان لديك صعوبة في الاعتراف بالذنب، فقد يُحدث التأمل الذهني المنتظم أو المذكرات فرقًا. يمكن أن تساعدك هذه الممارسات على أن تصبح أكثر دراية بالعواطف، مما يجعل من الأسهل عليك قبولها والعمل من خلالها حتى في أكثر المشاعر إزعاجًا.
ما هي أنواع الشعور بالذنب الأربعة؟
يمكن أن يحدث الشعور بالذنب على المستوى الفردي أو الجماعي. ينتقل بعض الأشخاص من نوع إلى نوع آخر طوال حياتهم، وقد يشعر آخرون بنوع واحد أو أكثر من هذه الأنواع في الوقت نفسه:
- الشعور بالذنب الطبيعي (Natural guilt): ببساطة هو ما تشعر به بعد أن تعتقد أنك فعلت شيئًا خاطئًا. على سبيل المثال، إذا أخلفت وعدًا لصديق فقد تقنع نفسك بأنك صديق سيئ، وهذا عقاب التفكير فيما كان يجب عليك فعله، وبطبيعة الحال ستشعر بالذنب مما يدفعك إلى الرغبة في الاعتذار. غالبًا ما يكون هذا الشعور الطبيعي مؤقتًا، ويختفي بعد حل المشكلة ومواجهة الموقف.
- الشعور بالذنب المزمن (Chronic guilt): يحدث هذا النوع من التعرض المطول للتوتر ويؤثر على قدرة الشخص على ضبط عواطفه. على سبيل المثال، قد يشعر المعلم بالإرهاق والاستنزاف العاطفي مما قد يؤثر على علاقته مع طلابه فيصبح الشعور بالذنب الناتج عن ذلك أحد أعراض الإجهاد المزمن المرتبط بالعمل، أو الإرهاق. يزعم بعض الباحثين ضرورة إدراج الشعور بالذنب في التقييمات السريرية للإرهاق. يمكن أن يحدث الشعور بالذنب المزمن أيضًا مع نوبات الاكتئاب الشديد.
- الذنب الجماعي (Collective guilt): يتضمن هذا النوع الشعور بالذنب الجماعي أو المشترك، كأن يشعر سكان المدينة بالذنب الجماعي تجاه الأشخاص الذين يعانون من التشرد في حيهم. في هذا السياق يشعر السكان بالمسؤولية الشخصية والذنب لعدم اتخاذ إجراء للمساعدة. من الصعب حل هذا النوع من الشعور بالذنب لأنه متأصل في مشكلات معقدة على المستوى المؤسسي والاجتماعي.
- شعور الناجي بالذنب، أو عقدة الناجي (Survivor guilt): قد تسبب الأحداث المؤلمة، مثل مشاهدة مأساة واسعة النطاق، إثارة مشاعر الندم والحزن، كالشعور الذي نشعر به تجاه أهلنا في غزة. قد يبدو هذا وكأنك نجيت من حادث ثم تشعر بالذنب تجاه الأشخاص الذين لم ينجوا، ومن الممكن أن ينتابك الشعور بالذنب لكونك سعيدًا بالبقاء على قيد الحياة بينما غيرك توفوا. تتميز عقدة الناجي بحالات عاطفية متضاربة.
أسباب الشعور بالذنب
تتضمن بعض الأسباب الشائعة للشعور بالذنب ما يلي:
- النجاة من صدمة أو كارثة أو حرب.
- الصراع بين القيم الشخصية والاختيارات التي اتخذتها.
- مشكلات الصحة النفسية أو العقلية أو الجسدية.
- شعورك بالأفكار أو الرغبات التي تعتقد أنه لا ينبغي أن تكون لديك.
- الاهتمام باحتياجاتك الفردية الخاصة عندما تعتقد أنه يجب عليك التركيز على الآخرين أيضًا.
أعراض وعلامات الشعور بالذنب
يتجلى الشعور بالذنب بطرق مختلفة. قد تشعر بالذنب عندما تشعر بالمسؤولية عن خطأ، أو قد تشعر بالذنب إذا شعرت بالمسؤولية عن شيء حدث لشخص آخر. الشعور بالذنب لا يعني الخجل، بل يعني الشعور بعدم الكفاءة الذاتية بسبب عدم تلبية التوقعات المفروضة على الذات، على سبيل المثال، قد تشعر بالخجل لنشر صورة شخصية ثم تندم لاحقًا على مظهرك في الصورة، لكن هذا لا يجعلك بالضرورة شخصًا "سيئًا" أو غير مسؤول أخلاقيًا.
على الرغم من أن الخجل والذنب يشتركان في خصائص متداخلة، فإن علامات الذنب تميل إلى الإشارة إلى خطأ أخلاقي. قد يشمل ذلك:
- الشعور بالمسؤولية عن أفعال المرء.
- الرغبة في "إصلاح" المواقف.
- قضايا احترام الذات.
- النقد الذاتي السلبي.
- قد تشمل علامات الشعور بالذنب غير المعترف به:
- التقليل من شأن الأمور.
- الدفاع.
- الكذب.
- المعتقدات السلبية عن نفسك وشخصيتك.
- توضح دراسة أجريت عام 2020 أن العبوس ولمس الرقبة قد يكونان مرتبطين بأنماط غير لفظية من الشعور بالذنب، على الأقل عندما يلاحظ المرء شخصًا آخر مذنبًا.
علاج الشعور بالذنب
يعد تحمل المسؤولية عن الشعور بالذنب إحدى الخطوات الأولى لإيجاد الحل. لعلاج الإحساس بالذنب، ضع النقاط الآتية في اعتبارك:
- الاعتذار والتعويض: قدم اعتذارًا صادقًا، واعترف بخطئك، وأظهر الندم، والتزم بالتغيير من خلال الأفعال، وليس الكلمات فقط.
- التعلم من الماضي: تأمل في الموقف لفهم ما أدى إلى ارتكاب الخطأ وما يمكنك القيام به بشكل مختلف في المستقبل.
- ممارسة الامتنان: استبدل الشعور بالذنب بالامتنان من خلال تقديم الدعم من الآخرين والالتزام بمنحه للآخرين.
- استبدل الحديث السلبي مع الذات بالتعاطف مع الذات: عامل نفسك بنفس اللطف الذي تقدمه لصديق، مع التركيز على قيمتك بدلاً من انتقاد الذات.
- استخدم الشعور بالذنب كأداة للتطور: أدرك أن الشعور بالذنب يمكن أن يسلط الضوء على مجالات التحسين الشخصي ويوازن بين أفعالك وقيمك.
- سامح نفسك: تقبل أخطاءك باعتبارها جزءًا من كونك إنسانًا، وتحمل المسؤولية والتزم بالقيام بتصرف أفضل في المستقبل.
- تحدث إلى أشخاص تثق بهم: شارك مشاعرك مع الأصدقاء أو العائلة الموثوق بهم للحصول على الدعم والمشورة وتقليل عبء الإحساس بالذنب.
- اطلب المساعدة المهنية: إذا استمر الإحساس بالذنب ففكر في العلاج لاستكشاف أسبابه، ولتطوير مهارات التأقلم وتعزيز التعاطف مع الذات.
نصيحة من موقع صحتك
إن الاحساس بالذنب ينتمي إلى الماضي، ويمكنك البدء في التخلص منه من خلال تعزيز مرونتك وبناء الثقة بنفسك لاتخاذ خيارات وقرارات أفضل في المستقبل. إذا كنت تكافح من أجل تجاوز الشعور بالذنب فاعلم أنك لست بحاجة إلى القيام بذلك بمفردك، يمكن أن يوفر العلاج مساحة آمنة لتتعلم كيفية مسامحة نفسك والمضي قدمًا.