في أوائل حزيران الماضي من هذا العام 2023، أفادت دراسة جديدة نُشرت في دورية "ساينس" أجراها باحثون على الحيوانات أن إعطاءها مكمّلات غذائية تحتوي على التورين جعلها تعيش فترة أطول، وتتمتع بصحة أفضل، ما فتح بابَ الأمل حول إمكانية ابتكار استراتيجية علاجية مستقبلية واعدة قد تفيد في محاربة الشيخوخة عند البشر.
لمحة عن التورين
التورين هو حمض أميني يُعرف علمياً باسم aminoethanesulfonic acidـ2، ويفضِّل البعض أن يُطلِق عليه لقب: حمض أميني كبريتي، لافتقاره إلى مجموعة الكربوكسيل التي توجد في الأحماض الأمينية. تم عزله لأول مرة في عام 1927 من قبل العالِمَيْن الألمانيَّيْن: فريدريش تيدمان، وليبولد جميلين، في عصارة صفراء كبد الثور، والثور يعني في اللغة اللاتينية taurus، من هنا جاءت التسمية "تورين" taurine.
التورين هو حمض أميني غير أساسي، يمكن للجسم أن يصنعه، ويوجد بشكل طبيعي في جسم الإنسان، وبتراكيز عالية، خاصة في الدماغ والقلب والعينين والعضلات والجهاز العصبي المركزي، وهو مركّب مهم لإنجاز كثير من العمليات الاستقلابية في الجسم.
يُعتَقد أنّ للتورين تأثيرات كبيرة على جهاز القلب والأوعية الدموية، وعضلات الجسم الهيكلية، والناقلات العصبية للمخ، وأنه يُحسِّن القدرة على التمرين والنشاط البدني، من هنا تهافت البعض على تناول مكمّلاته الغذائية التي تغزو الأسواق بشكل كبير، فالطلب عليها في تصاعد مستمر، مع أنه وحتى كتابة هذه السطور، لم يتم إثبات فوائده المزعومة من خلال البحث.
يتواجد التورين في المنتجات الحيوانية حصراً، وهو شبه معدوم في النباتات.
كشف الباحثون أن مستويات التورين في جسم الإنسان والحيوانات تتناقص مع التقدم في العمر، ومن باب العلم، فإن مستويات التورين عند الشخص البالغ في الستين من العمر، هي تقريباً ثلث الكمية الموجودة عند طفل في عمر 5 سنوات.
يبطِّئ التورين عملية الشيخوخة، ويطيل العمر عند الحيوان
أظهرت دراسة أجراها باحثون من جامعة كولومبيا الأميركية، تم نشرها في دورية ساينس، أن التورين يمكن أن يبطئ عملية الشيخوخة عند الحيوانات. وللوصول إلى هذا الاستنتاج، قام باحثون بقيادة فيجاي ياداف، الأستاذ المساعد في علم الوراثة بجامعة كولومبيا الأميركية، بقياس مستويات التورين في دم 250 من الفئران ذكورًا وإناثًا في عمر 14 شهراً، أي ما يعادل 45 سنة عند البشر. أعطى الباحثون جرعة يومية من مكملات التورين إلى نصف الفئران، في حين تلقى النصف الباقي مادة وهمية.
كشفت النتائج أن الفئران التي أخذت مكملات التورين عاشت لفترة أطول بنسبة 10% عند الفئران الذكور، وبنسبة 12% عند الإناث الفئران، أي ما يعادل زيادة في العمر تقدر بحوالي 7 إلى 8 سنوات عند البشر. رصد العلماء زيادات في العمر مماثلة عند الديدان والقرود.
في معرض تعليقه على النتائج، قال المشرف على الدراسة: "بدت الفئران التي حصلت على مكمل التورين أكثر صحة، وأصغر سناً، وأقل حجماً، مع تسجيل زيادة في معدل استهلاك الطاقة، وزيادة في كثافة العظام، وتحسُّن في الذاكرة، وتمتعت بجهاز مناعي أصغر عمراً".
التورين يُعزِّز الصحة ويُحسِّن الوظائف الحيوية
خلال الدراسة، تعاون فريق الولايات المتحدة الأميركية مع علماء شيخوخة لمعرفة تأثير التورين على صحة وعمر العديد من الأنواع الحيوانية، فمثلاً، عند التحري عن المعايير الصحية المختلفة عند الفئران، لُوحظ أن الفئران البالغة من العمر عامَين، والتي أُعطيت مكملات التورين لمدة عام كامل، كانت أكثر صحة من الفئران غير المعالَجة.
كما أدى التورين إلى كَبح زيادة الوزن، وإلى تحسين القدرة على التحمُّل وقوة العضلات، وإلى تقليل القلق والسلوكيات الاكتئابية. أيضاً، وجَد الباحثون أن حمض التورين ساهم في تحسين العديد من الوظائف الحيوية، التي تشهد تراجعاً مع التقدم في العمر.
سُجِّلَتْ تأثيرات مماثلة عند قرود المَكاك في منتصف العمر، والتي أعطيت مكملات التورين يومياً لمدة 6 أشهر، إذ انخفضت نسبة سكر الدم لديها عند الصيام، وتراجعت علامات تلف الكبد، وانخفض الوزن، وتحسَّنت الكثافة العظمية وصحة الجهاز المناعي.
عند فحص تأثيرات التورين على المستوى الجزيئي، وجد العلماء أن التورين قد حسَّن من أداء الميتوكوندريا (مولدات الطاقة في الخلية)، وقلل من تلف الحمض النووي، وخفف من أعداد الخلايا الهالكة التي تنفُث سمومها في الجسم.
التورين والبشر
من أجل معرفة الفوائد المحتَملة لحمض التورين على البشر، قام فريق البحث بدراسة محدودة تناولت فحص العلاقة بين 50 من المؤشرات الصحية، ومستويات التورين عند 15 ألفاً من البالغين الأوروبيين الذين بلغ متوسط أعمارهم 60 عامًا وما فوق، وجَد العلماء أن الرجال الذين لديهم مستويات عالية من التورين كانوا أكثر صحة من نظرائهم الذين يملكون مستويات أقل. عدا هذا، وبغض النظر عن الفروقات الفردية، لاحظ الباحثون أن مستويات حمض التورين تقفز صعوداً بُعَيْد ممارسة التمارين الرياضية.
أهم مصادر التورين
إذا كنت ترغب في الحصول على المزيد من حمض التورين، فعليك أن تُوجِّه اهتمامك صوب اللحوم والأسماك ومنتجات الألبان، وتشمل أفضل المصادر:
- المحار.
- التونة.
- سمك البلطي.
- سمك الأخطبوط.
- الديك الرومي
- فراخ الدجاج.
- الأعشاب البحرية.
- اللحوم الحمراء.
- مكملات التورين الغذائية.
ختاماً
في الوقت الحالي، على الرغم من أن نقص الحمض الأميني التورين قد يكون عاملاً من العوامل التي تؤثّر على مجريات الشيخوخة عند الحيوانات، وأن إعطاءه إليها لسد النقص الحاصل في التورين يفيدها، فإن العلماء لا يعرفون بَعْدُ إن كانت مكملات التورين ستحسِّن الصحة العامة وتطيل العمر عند بني البشر أم لا. لهذا لا بد من إجراء دراسات سريرية عشوائية واسعة النطاق، من أجل وضع النقاط على الحروف، وهناك معطيات تفيد بأن تلك الدراسات ستبدأ قريباً قولاً وفعلاً.
المصادر:
