ثَبَتَ أنّ الغَمْر في المياه الدافئة والغنية بالمعادن الموجودة في الينابيع الساخنة، أو حمّامات السباحة الساخنة الكبريتية، يُقدِّم عددًا من الفوائد الصحية للإنسان، منها تحسين الصحة العامة والسعادة، وتعزيز صحة القلب والأوعية الدموية، وتهدئة الأمراض الجلدية، مثل الصدفية والأكزيما وحَبّ الشباب.
لكنْ، ما تأثيرات هذه المياه الدافئة والغنية بالمعادن على جسم الإنسان؟ وهل يمكنك الاستمتاع بجميع مزايا الينابيع الساخنة دون الحاجة إلى القيادة لساعات للوصول إلى أقرب منتجع صحي للطاقة الحرارية الأرضية؟ تابِع القراءة لمعرفة ذلك.
ما هي الينابيع الساخنة؟
الينابيع الساخنة، والمعروفة أيضًا باسم البِرَك الساخنة أو الينابيع الحرارية الأرضية، هي مسطّحات مائية توجد على سطح الأرض، ولكنها تُسخَّن بفعل الحرارة الداخلية الموجودة تحت القشرة الأرضية. تتولد هذه الحرارة بطريقتَين رئيسيتَين: عن طريق وجود صخور منصهرة ساخنة بالقرب من السطح، أو من المياه التي يجري إرسالها من أعماق قشرة الأرض، وتدور من خلال الشقوق والصدوع.
لا تعمل هذه الأشكال من النشاط الحراري الأرضي على تسخين المياه فحسب، بل تمنحها أيضًا خاصية فريدة أخرى، وهي أنها تُذيب التركيزات العالية من الكبريت والكلوريد والسيليكا والحديد في H2O، مما يجعلها غنية بالمعادن.
هذا المزيج من الدفء والمعادن هو ما يمنح الينابيع الحارة خصائصها العلاجية الفريدة، التي تم التعرف عليها منذ آلاف السنين من قبل البشر.
ماذا تفعل المعادن الموجودة في الماء؟
نظرًا لأن العديد من الينابيع الساخنة تحتوي على عنصر الكبريت عادة، لذلك استعِدْ للحصول على نفحة جيدة بشكل متكرر من كبريتيد الهيدروجين، وهو الغاز المسؤول عن ظهور رائحة البيض الفاسد، لا تقلق، فإنّك ستتعلم أن تتحملها نوعًا ما.
يمكن أن تكون هناك العديد من العناصر الأخرى في المياه أيضًا، عادة، ستجد الكالسيوم والكبريتات والمغنيسيوم والحديد والكلوريد والبوتاسيوم والزنك، على سبيل المثال لا الحصر.
عند إذابتها في الماء الساخن، يُعتَقد أن هذه العناصر تمنح فوائد صحية محددة، ولكن غير مُثْبتة في الغالب. في الوقت الحالي، ليس من المعروف حقًا كيف، أو ما إذا كنت تحصل فِعْلا على المزيد من هذه العناصر في جسمك بمجرد الاستحمام بها.
هناك العديد من العوامل التي يمكن أن تؤثّر على امتصاص الجلد. في ظل الظروف العادية، تكون الطبقة الخارجية من الجلد، والتي تتكوّن في الغالب من الجلد الميت، جيدة حقًا في إبعاد الأشياء، خاصة في الماء.
يقترح البعض أن التعرّق وفتح المسام والجلد الرطب بسبب الغَمْر في الينابيع الساخنة يمكن أن يزيد الامتصاص، ومن الممكن أن يحدث شيء ما، على الأقل على سطح الجلد. بالتأكيد، هناك روايات لأشخاص شعروا ببعض الراحة من الأمراض المتعلقة بالجلد، مثل قلة التقشر والاحمرار.
تضمَّنت الخيارات العديدة أنّ تجمّع كلوريد الصوديوم والكالسيوم يجعل البشرة تبدو نضرة، كما يساعد تجمّع الكالسيوم والمغنيسيوم في الحدّ من الحساسية والالتهابات، وقد يَذْكُر القائمون على تلك الينابيع أن بِرْكةً تحتوي على الكبريت والحديد تكون "علاجًا شاملًا للجميع"، وأكثر من ذلك.
ربما تم تشجيعك حتى على شرب مياه الينابيع الساخنة من نافورة خاصة، على الرغم من أنه لا يجب عليك فعل ذلك بشكل عام، فقد تبتلع كائنات ضارة منتشرة ضمن المياه.
ما الفوائد الصحية للينابيع الساخنة؟
أو لِنقل: ما هي بالضبط صفات الينابيع الساخنة العلاجية؟ بدأ العلم الحديث يكشف الستار عن أسرار هذه المياه، وإليكم ما جرى الكشف عنه حتى اليوم:
-
تهدئة أعراض أمراض الجلد المزمنة
ثبت أن المياه الدافئة والغنية بالمعادن التي توفرها الينابيع الساخنة تساعد في تهدئة الأمراض الجلدية المزمنة، مثل الصدفية والأكزيما وحَبّ الشباب. في حين أنه من المهم ملاحظة أن الينابيع الساخنة تعالِج أعراضَ هذه الحالات وليس السبب، فإن تخفيف الشعور بالجفاف والحكّة والألم والتهيج يمكن أن يكون كبيرًا. هذه التأثيرات ملحوظة بشكل خاص في المياه الغنية بالكبريت والسيليكا.
يُعتَقد أيضًا أن الينابيع الساخنة الغنية بالكبريت تساعد في علاج فروة الرأس الجافة، وآلام التهاب المفاصل، والمشكلات الداخلية مثل أعراض انقطاع الطمث واضطرابات الجهاز الهضمي.
وجدت دراسة ألمانية من عام 1990 أن محتوى المغنيسيوم في مياه البحر الميت فعال في علاج الأمراض الجلدية الالتهابية.
-
الفوائد القلبية الوعائية
يؤدي غَمْر نفسك في الماء الدافئ إلى ظهور بعض الاستجابات الفسيولوجية الرئيسية، إذ تتوسّع الأوعية الدموية، ويضخّ قلبك المزيد من الدم، مما يؤدي إلى وصول المزيد من الأكسجين والدم الغني بالعناصر والمعادن إلى أجزاء الجسم التي تحتاجها.
فوائد هذا النشاط القلبي الوعائي المتزايد عديدة ومتنوعة. وفقًا لهذه المراجعة، يمكن أن يؤدي الاستحمام في الماء الدافئ إلى تحسين الدورة الدموية، وتنظيم ضغط الدم، وزيادة النتاج القلبي، وحتى تحسين التمثيل الغذائي.
وجد باحثون من اليابان أن غَمْر الأشخاص الذين يعانون من قصور القلب المزمن في الينابيع الساخنة أدى في الواقع إلى انخفاض ضغط الدم وتحسين أعراضهم. مع أنّها دراسة صغيرة، فهناك حالات أخرى يمكن فيها للخصائص الحرارية والميكانيكية للينابيع الساخنة أن تساعد الجسم.
وفقًا لهذه الدراسة التي نُشرت في المجلة الدولية للبحوث المائية والتعليم، فإن العديد من الفوائد المتصوَّرة تتأثر بشكل إيجابي في المقام الأول بالاسترخاء الذي تشعر به. بعبارة أخرى، عندما تسترخي، فأنت تفعل أشياء جيدة لنفسك.
-
تخفيف الآلام والحركة
يمكن أن يكون لمياه الينابيع الساخنة تأثير مسكّن خفيف. قد يجد الأشخاص الذين يعانون من الألم المزمن أن الغَمْر في الينابيع الساخنة يمكن أن يخفف من انزعاجهم، ويمكن أن يساعد هذا التأثير، جنبًا إلى جنب مع طفو الماء، على تعزيز الحركة لدى الأشخاص ذوي الحركة المحدودة، مثل كبار السن، والذين يعانون من التهاب المفاصل.
كشفت مراجعة في مجلة Rheumatology أن العلاج بالمياه المعدنية قد يساعد في تخفيف آلام أسفل الظهر، خاصة في درجات الحرارة المرتفعة. إذا كنت تريد حقًا تحقيق أقصى استفادة من غَمْرك، يقترح أحد الخبراء أن الجمع بين القليل من التدليك الذاتي والتمدد اللطيف سيجعلك تشعر بإحساس رائع.
كما اقترحت دراسة أُجريت عام 2014 أن التعرض للمياه المعدنية الساخنة يمكن أن يثبط مستقبِلات الألم في الجسم، وقد يكون له آثار إيجابية على مفاصلك وعضلاتك. يمكن لأي شخص يعاني من آلام في المفاصل والعضلات، وغُمِر جيدًا في ينابيع ساخنة طبيعية، أن يشهد على شعور أفضل بكثير بعد الغمر.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت دراسة أجريت عام 2006 أن العلاج بالمياه المعدنية والعلاج بالمنتجع الصحي قد يخفف من آلام أسفل الظهر.
أظهرت دراسة أجريت عام 2012 أن مياه البحر الميت الغنية بالمعادن قد توفر تحسينات في حالات التهاب المفاصل.
-
الشعور بالصحة والسعادة
تَوجَّهْ إلى مياه الينابيع الساخنة، ستشعر على الفور بالسعادة والاسترخاء. إنه ليس مجرد شعور عابر، بل وَجدت دراسة أن هناك صلة بين الاستحمام في الينابيع الساخنة التي تحدث بشكل طبيعي وبين الصحة العامة والسعادة، لذلك لا تُشْعِرك الينابيع الساخنة بالرضا فحسب، بل إنها مفيدة لك نفسيًا.
عندما تجلس في الينابيع الساخنة، ينخفض ضغط الدم، وترتفع كفاءة الدورة الدموية، ويزداد التمثيل الغذائي قليلاً. من المحتمل أن تشعر ببعض المرح أيضًا في البداية، ولكن في النهاية، تتكيف مع درجة الحرارة، وسيكون كل شيء على ما يرام.
نظرًا لأنه يمكنك بالفعل الاسترخاء، فإنك ستقلل من قلقك وتوترك، ويمكن أن تخلق فوائد فسيولوجية متتالية طوال الوقت. نعلم جميعًا أن الإجهاد -النوع الذي يُبقيك مستيقظًا في الليل ويؤثّر على جودة حياتك- هو خبر سيء لمعيشتنا على المدى الطويل. يقترح الباحثون المسؤولون عن هذه الدراسة في مجلة Advances in Preventive Medicine أن الينابيع الساخنة فعّالة في تقليل التوتر، وتحسين أمور مثل نوعية النوم والشهية.
ربما لا يحتاج معظمنا إلى الكثير من الاقتناع للتعود على الينابيع الساخنة إذا كانت مريحة، ولكن من الجيد معرفة أن الينابيع الساخنة رائعة لتخفيف التوتر.
-
إزالة السموم
يمكن أن يساعد الاستحمام المتكرر في الينابيع الساخنة على تهدئة جهازك العصبي اللا إرادي، وتطبيع نظام الغدد الصماء، وكذلك إطلاق السموم من جسمك من خلال التعرُّق.
-
تعزيز جهاز المناعة
يعتقد بعض المؤيدين أن محتوى الحديد في الينابيع الساخنة، إلى جانب العناصر النادرة الأخرى، قد يساعد في بناء نظام المناعة في الجسم، مما يجعله أقوى وأكثر قدرة على مكافحة العدوى.
-
تعزيز النوم المريح
أَبلغَ عشاق الينابيع المعدنية الساخنة عن النوم الأكثر روعة بعد الغَمْر.
كم من الوقت يجب أن تغمر نفسك في الينابيع الساخنة؟
قد تشعر كما لو أنك تستطيع أن تُغْمَر في مياه الينابيع الساخنة الفاخرة إلى الأبد، وإذا كنت مرتاحًا لجعل أطراف أصابعك متجعّدة إلى حد ما، فقد يكون هذا هو الحال، لكنّ الحقيقة هي أن هناك عاملًا محددًا واحدًا يحدد طول فترة الغَمر، وهو درجة حرارة الماء.
تبلغ درجة الحرارة الداخلية لجسم الإنسان حوالي 37 درجة مئوية، فإذا كنت تغمر نفسك في مياه الينابيع الساخنة الأكثر سخونة، فلن يكون لدى جسمك طريقة للتخلص من الحرارة الزائدة.
إذا بقيت في الماء ودرجة الحرارة أكثر 37 درجة مئوية لفترة كافية يمكن أن تسبب ضررًا خطيرًا، لذا يجب توخي الحذر الشديد في المياه الساخنة.
أما إذا كانت درجة حرارة الماء أقل من 37 درجة مئوية، فإن الغَمْر اليومي لمدة 10-15 دقيقة يُنظر إليه عمومًا على أنه أفضل طريقة للحصول على جميع الفوائد الصحية التي يمكنك الحصول عليها من الماء الدافئ.
الينابيع الساخنة كجزء من نمط حياة صحي
لا نحصل على قوة خارقة أو لياقة بدنية من تمرين واحد فقط، لذلك من الآمن أن نقول إن الفوائد الحقيقية للينابيع الساخنة تأتي من الاستخدام المعتاد، كجزء من نهج شامل للصحة.
يستمتع الناس بالينابيع الساخنة لأسباب مختلفة، تتجاوز الصحة وتخفيف التوتر. في اليابان، تُعامَل الحمّامات والينابيع الساخنة على أنها أنشطة يومية، وأحيانًا مجتمعية، خاصة إذا كنت تتجه إلى الينابيع الساخنة أو الحمّامات العامة.
من الطبيعي أن تُستخدم هذه الأماكن العامة كأماكن تجمع للعائلات والأصدقاء والمجتمعات للاستمتاع معًا جيدًا.
السلامة والأمان عند التعامل مع الينابيع الساخنة
من المهم استشارة طبيبك أو اختصاصيّ الطب قبل الاستحمام في ينابيع ساخنة، للتأكد من أن هذه الممارسة آمنة بالنسبة لك. إن أحد الاحتياطات المهمة التي يجب ذكرها هو أن غَمْر نفسك في الماء الساخن يمكن أن يرفع درجة حرارة جسمك، ويفقد الماء من خلال التعرّق، على الرغم من أنك لن تلاحظ ذلك بسهولة عندما تكون مبتلاً بالفعل. بعد فترة، قد تشعر بالدوار أو الجفاف أو كليهما معًا، لذا تأكَّد من شرب الكثير من الماء الإضافي أثناء وبعد الغَمْر.
الخلاصة:
لقد تم استخدام قُوى الشفاء بالينابيع الساخنة لآلاف السنين، وتم قبولها على نطاق واسع في أوروبا واليابان كخيارات علاج طبيعية لمختلف الأمراض الشائعة. من المعروف أن الينابيع الساخنة لها عدد من الفوائد العلاجية، يدرس العديد من العلماء من جميع أنحاء العالم العلاج بالمياه المعدنية، أو "علاج المرض عن طريق الاستحمام".
لا يقتصر الأمر على الاسترخاء فحسب، بل إن الغَمْر في الينابيع الساخنة يمكن أن يكون له فوائد عظيمة لصحتك أيضًا.
المصادر:
- https://hotspring.co.nz/blog/what-are-the-benefits-of-hot-springs/
- https://lifehacker.com/the-surprising-health-benefits-of-hot-springs-and-miner-1755445948
- https://saratogahotspringsresort.com/2012/07/health-benefits-of-hot-springs/
- https://www.findinghotsprings.com/mag/8-suprising-health-benefits-natural-hot-springs
