صحــــتك
23 يوليو 2018

طبيبة امتياز وغير راضية عن مهنتي

أنا طبيبة امتياز.. أعاني من عدم الرضا من داخلي عن وظيفتي كطبيبة.. وأشعر بالحقد والنقص من وكلاء النيابة أو الضباط.. فنحن نعاني ونتعب كثيرا ولا نأخذ إلا المهانة.. وطريق الطب ليس بالسهل بل شاق نفسيا وجسديا جداً، وأبي كان السبب، فقد كان يشعرني بقيمتي كوني طبيبة.. وعندما تقدم ابن عمي وكيل النيابة للزواج مني.. ولم أوافق لأسباب عديدة، أشعرني أبي بأني لا أفهم الدنيا، وأنه أفضل مني ومن الأطباء جميعهم، انكسرت وقتها، ولم أعد كما كنت راضية عن نفسي ومهنتي أبدا، بل أحقد عليهم لسلطتهم ونفوذهم، وكنت أظنني كطبيبة قد وصلت لمكانة عالية، ولكن الواقع غير ذلك، أريد أن أتصالح مع واقعي.. كيف ذلك؟
طبيبة امتياز وغير راضية عن مهنتي
أهلا وسهلا بك يا إسراء،
رضاؤك عن واقعك سيبدأ حين تنتبهين لخطأين فادحين تفعلينهما في نفسك دون أن تدري، ألا وهما "الاختزال" و"التعميم"؛ فهما من أشهر طرق التفكير التي تشوش، وتنغص علينا عيشنا، وحين يصححا نجد راحة، و"براحا نفسيا"، وهو ما تحتاجينه.

والتصحيح لن يحدث إلا بالأدلة التي تبرهن على خطئهما؛ فانظري معي كيف تختزلين نفسك في مهنتك؛ فجزء من وجودك وكيانك أنك طبيبة وليس أنت كلك طبيبة؛ فأنت إنسانة تحملين مشاعر، وذكريات عبر رحلة حياتك، فيها علاقات بأشخاص، ومواقف، واختيارات، وقرارات، واهتمامات، وإبداعات، وعلاقة بالله تعالى سبحانه، وقدرات؛ كالتحصيل، والعطاء، والتسامح، والدأب، والتعاون.. إلخ؛ فأنت أكبر، وأكثر بكثير جدا من مهنتك العظيمة الراقية التي تحمل علما وعطاء.



أنا أعذرك تماما في هذا الاختزال لأسباب كثيرة على مستوى المجتمع، أو ربما يكون بسبب مناخ التربية الذي تربيت فيه، والذي قد يكون ممارسا لهذا الاختزال، الذي يختزل الإنسان ككل في درجات ودراسة؛ فهذا المناخ لا يكون بالضرورة مناخا صحيا؛ فالمناخ الصحي فيه تعبير عن المشاعر، وفيه علاقات حقيقية بين أفراد الأسرة تنعم بالقبول والحب غير المشروط بشكل أو بطاعة أو بتفوق أو نظام أو غيره؛ لأننا بشر، والبشر أكبر وأوسع مما يمتهنون، لذا تذكري أنك كإنسانة أوسع وأكثر من كونك طبيبة تحملين علما وعطاء كبيرا للناس.

وكذلك التعميم يا ابنتي، فليس كل وكلاء النيابة، والضباط يقهرون من حولهم، فلو كان هناك ضابط واحد، أو وكيل نيابة واحد عادل، أو يعامل من حوله بتواضع ورحمة واحترام، فهذا يعني أن التعميم في كونهم يسيئون استخدام سلطتهم خطأ، رغم أننا نعترف، ونعرف جميعا أن عددا كبيرا منهم فعلا يسيئون استخدام سلطتهم، ولكن ما زال هناك بينهم من هو غير ذلك، وهكذا الأطباء منهم أطباء مهرة، ومهملون، وأطباء أصحاب قيم وأخلاق، وأطباء بلا قيم ولا أخلاق؛ فالقصة إذن لا يتناغم معها التعميم، ولكن القصة تحتاج أن "نرى" الإنسان نفسه كيف هو؟ وما هي قيمه؟ وكيف يرى الآخر، وهل يحترم الآخر، ويشعر به، ويقدره كإنسان قبل مهنته أم لا؟


وأعود لك وأقول.. تحتاجين لمناقشة هذين الخطأين بهدوء وصدق، لتتمكني من التحرر من "سجن" المقارنة المزعج المؤلم، لأنه ظالم جدا ويختزل الإنسان، وأن تتحرري من الجري وراء اعتراف والدك بك؛ فهذا سجن آخر أصعب يا ابنتي تسجنين نفسك فيه بنفسك؛ فأنت موجودة حتى وإن حاول عبثا ألا يعترف بوجودك كإنسانة، وطبيبة مجتهدة، وأن سعادتك لا ترتبط أبدأ بالزواج من صاحب سلطة، ولكن ترتبط بأن تكوني في علاقة حقيقية مع من سيشاركك الحياة وهو يحبك أنت لخصالك وتفاصيلك لا لمهنتك، ويقبلك كما أنت كلك، ويؤنس رحلتك، ويحنو عليك حين تحزنين، أو تطلبين المساعدة، ويفرح معك ولك حين تحققين نجاحا في علاقتك بنفسك أو بالآخرين، أو اهتماماتك أو مهنتك، وأنت كذلك ستبادلينه تلك الأمور نفسها؛ لأنه إن كان كذلك، فهو يستحق، وليس لأنه طبيب أو ضابط أو غير ذلك.

أعلم أن ما أقوله ليس سهلا، ولكنه أيضا ليس مستحيلا.. دمت بخير يا طبيبة المستقبل.
آخر تعديل بتاريخ
23 يوليو 2018

قصص مصورة

Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.