20 فبراير 2016

التدليل الزائد مسؤولية أبي .. فأين مسؤوليتي؟

كنت البنت الصغرى المدللة لأبيها، لبى كل طلباتي، وجعلني أميرة بصدق ماديا ونفسيا وتعليميا، ساعدني على التفوّق حتى وصلت للثانوية العامة، ودخلت كلية الإعلام قسم صحافة كما كان يحلم دائما. في العاصمة صُدمت بنواحٍ كثيرة اختلفت عن شخصيتي المنطوية، وقريتي الهادئة. وفي السنة الرابعة، توفي فجأة، لم أبك يومها بل ضحكت وتناسيت الأمر، عاملت أمي بجفاء حينها، وماتت بعده بسنة ونصف، ومن ذلك الوقت - أنا الآن في عمر الـ26 - منطوية، ليس لي أصدقاء أو حبيب، أشعر بجرح كبير لا يندمل، أهملت شكلي، ونفسيتي دائما سيئة، أتناول الطعام بشراهة، لا أعلم كيف أخرج من هذه الدائرة، أحلم بالتغيير، والعودة للنجاح والحب ماذا أفعل؟
الطبيب:

أ.د.

الأخت الفاضلة أسماء؛
أهلا ومرحبا بك.. ونشكرك على ثقتك في موقع صحتك؛

لكل طفل احتياجات مادية ومعنوية، وتقع على الوالدين مهمة تلبية هذه الاحتياجات بالقدر الكافي، وعندما نقول بالقدر الكافي فهذا يعني بميزان مضبوط، من دون إفراط أو تفريط، فالحرمان من الاحتياجات مؤذٍ ومضر، وكذلك الإشباع المفرط لهذه الاحتياجات، ويبدو أن والدك، رحمة الله عليه، أساء لك - وهو ينشد الإحسان - بتدليله المفرط لك، وتلبية كل احتياجاتك.

هذا التدليل المفرط، وتلبية الاحتياجات حتى الإشباع، يعيق النمو والتطور الطبيعي للإنسان.

ووفقا لإريك إريكسون، فإن الإنسان في نموه وتطوره يمر بمراحل متعددة، ولكل مرحلة من هذه المراحل احتياج أساسي، وغياب تلبية هذا الاحتياج الأساسي يؤدي لأزمة نمو، ولن أخوض في تفاصيل المراحل واحتياجاتها الأساسية وأزماتها، ولكني سأكتفي بالقول إن الطفل في مراحله الأولى من النمو يحتاج أن يتعلّم الاستقلالية والمباردة.

التدليل الزائد والحماية الزائدة والإشباع المفرط للاحتياجات يقتل استقلالية الطفل وذاتيته وقدرته على المبادرة، ومن هنا بدأت أزمتك، فوالدك، رحمه الله، خلق منك - بغير قصد منه طبعا - شخصية اعتمادية، ولذلك لم تتحملي أزمة اغترابك وحياتك في بيئة مغايرة وبعيدة عن مصدر الرعاية والأمان لك، ثم شاءت إرادة الله أن تفقدي والدك، ما ضاعف من أزمتك، ويبدو أنك أيضا لم تسمحي لنفسك بالمرور خلال مراحل الفقد وألمه، ولم تسمحي لنفسك بالحداد على فقد أغلى إنسان في حياتك.

أسماء.. اسمعيني جيدا.. والدك الآن في ذمة الله.. وأنت فقط المسؤولة عن نفسك.. والاختيار لك.. إما أن تكملي حياتك طفلة تتألم لفقد والدها حتى تتسرّب أيامك من بين يديك.. وإما أن تقرري بوعي ومسؤولية إنهاء هذا الأمر.. القرار قرارك والاختيار لك.

فإذا اخترت الحياة والخروج من هذه الدائرة التي تكبّلك، فكل الاحتمالات مطروحة، بما في ذلك اللجوء لاختصاصي نفسي ليساعدك في رحلة نضوجك من خلال العلاج النفسي الفردي أو الجماعي.

يمكنك أن تقرأي أيضا:
احتياجات الطفل.. الطريق إلى السواء النفسي
العلاج النفسي.. رحلة نمو (ملف)

آخر تعديل بتاريخ
20 فبراير 2016