على الرغم من تقدم الإنسان وقدرته على تشييد العمران والبناء في أغلب بقاع الأرض، فإن قدرته على تفادي الكوارث التي تخلف آلاف الضحايا في العالم تجعله معرضاً للخسائر في الأرواح والإصابات البدنية والتأثيرات النفسية. وهذا ما كان واضحاً في المأساة التي لم نفق من آثارها الجسيمة وأخبارها وتوابعها الصحية والنفسية في زلزال تركيا وسوريا الأيام الماضية.
وبذكر الزلزال، لا يغيب عن البال منظر الطفلة شام، وما تناقله وسائل الإعلام حول الحاجة إلى بتر طرفيها بسبب معاناتها من متلازمة هرس الأطراف بعد سقوط البناية عليها جراء الزلزال. فما هذه المتلازمة؟ وما خطورتها؟
ما متلازمة هرس الأطراف؟
هي عبارة عن إصابة للأطراف نتيجة ضغط عليها لساعات طويلة، مما يقلل أو يمنع وصول الدم إلى الأطراف، مما يسبب أعراضًا حادة في ذلك الطرف المضغوط، وكذلك يخلف أعراضًا مرضية في الجسم كله. تحدث تلك الأعراض نتيجة وصول مخلفات من تكسر الخلايا والبروتينات في عضلات الجزء المصاب ووصول تلك المواد المتكسرة إلى الدورة الدموية في الجسم كله.
أغلب إصابات متلازمة الهرس (74٪ منها) يصيب الطرف السفلي، و10٪ للطرف العلوي و9٪ للعضد وباقي الجسد. ولا تسبب متلازمة الهرس في إصابة الأنسجة التي انقطع الدم عنها فقط، بل تسبب اختلالًا في وظائف أعضاء أخرى (مثل الكلى والجهاز التنفسي)، وتشوهات التمثيل الغذائي، بما في ذلك الحماض، وزيادة نسبة البوتاسيوم في الدم، ونقص كالسيوم الدم.
ما أعراض متلازمة هرس الأطراف؟
- إصابة هرسية أو جرح هرسي لكتلة كبيرة من عضلات الجسم في الأطراف، والتي يوجد بها كدمات في العضلات، وبثور وإصابات سطحية واضحة وإصابات داخلية.
- ألم شديد في العضلات في الجزء المصاب مع وجود اضطرابات حسية وحركية في هذا الجزء المصاب، والتي تصبح فيما بعد مشدودة ومتورمة. وعند فحص المصاب، قد يكون النبض مختفيًا من ذلك الطرف نتيجة لانسداد شريان أو أكثر جراء الجرح الهرسي والتورم الناتج عنه.
- يشعر الفرد المصاب بالبرودة، والإعياء العام، والشعور بالقلق وعدم القدرة على التركيز، وضيق في التنفس، وفي الحالات الشديدة قد يصل إلى الإغماء.
- عدم القدرة على الوقوف خاصة الطرف المصاب، وعدم القدرة على الجلوس، بسبب انخفاض ضغط الدم.
- زيادة معدل النبض ونسبة التنفس وانخفاض ضغط الدم الذي قد يتأخر لبعض الوقت، حيث يعمل الجسم على المقاومة في بداية الإصابة ثم بعد ذلك يفقد الجسم القدرة على المقاومة ويصل ضغط الدم إلى أرقام متدنية جداً.
- الغثيان والقيء والارتباك وعدم القدرة على التركيز كنتيجة لاضطراب كيمياء الجسم.
- ارتفاع اليوريا والكرياتينين وحمض البوليك والبوتاسيوم والفوسفات وكرياتين كيناز. قد يكون هناك أيضًا نقص لمعدل الكالسيوم في الدم.
- ارتفاع نسبة الميوجلوبين في الدم، وأهم توابعه هي الفشل الكلوي الحاد.
ما الذي يجب عليّ فعله في حالة وجود فرد مصاب بهذه الحالة وأنا لست كادرًا طبيًا؟
من أفضل الأشياء التي قد يفعلها أحدنا هو إنقاذ إنسان أو المساهمة في إنقاذه، وعند رؤية أحدنا لمصاب مضغوط عليه أو على أحد أطرافه فعلينا فعل الآتي أو ما أمكننا منه، مع أهمية الحفاظ على أمان كل فرد منا لعدم زيادة أعداد المصابين:
- المساهمة في تقليل الوزن القابع فوق الضحية.
- الاتصال بفرق الإنقاذ المدني إذا لم نستطع الحصول على الانقاذ السريع.
- الحفاظ على أمانك الشخصي هو جزء مهم جداً، حتى لا تزيد التعب على نفسك وعلى الطواقم الطبية التي تسعف الآخرين.
- الاتصال بالإسعاف والمساهمة معهم بقدر ما يمكنك فعله دون تعطيل عمل الكوادر الطبية، وعدم الاجتهاد بفعل شيء إلا ما تمليه عليك الطواقم الطبية.
- الحفاظ على دفء الجسم.
*من أهم الخطوات التي قد تكون معينة للجميع هي الحصول على دورة تدريبية في الإسعافات الأولية، فتلك الساعات القليلة في التدريب قد تساعدك في معرفة معلومات بسيطة قد تنقذك حياة إنسان.
ما طريقة علاج متلازمة هرس الأطراف؟
الإسعافات الأولية والطواقم الطبية من المفضل أن يكون بعض أفرادها متواجدًا في مكان الكوارث لتقديم بعض المساعدات العاجلة التي قد تساعد في إنقاذ حياة المصاب، وبعض تلك الإسعافات تكون كالتالي:
- تقييم مجرى الهواء والتنفس، وهو أهم وأول شيء يقوم المسعف بتقديمه لأي مصاب في مثل تلك الحوادث، بل في كل الحوادث.
- مراقبة العلامات الحيوية ومستوى تشبع الأكسجين.
- إعطاء الأكسجين من خلال قناع أكسجين عالي الضغط.
- تقييم الأطراف بالنسبة لمعدل الألم، الشلل، والقدرة على التحرك، الشحوب، وانعدام النبض.
- تركيب مسار وريدي بأسرع وقت.
- الحفاظ على دفء الجسم.
- عند البالغين، يجب بدء ضخ محلول ملحي بمقدار 1500 مل/ساعة، وبما لا يقل عن 10 لترات في أول يوم للحفاظ على وظائف الكلى.
- إدخال قسطرة بولية في مرحلة مبكرة ومراقبة إخراج البول بسبب المخاطر العالية جدًا للإصابة الكلوية الحادة.
- يجب إعطاء مسكن للألم، قد يكون Entonox (دواء عبارة عن مواد استنشاقية) أكثر ملاءمة من التسكين الوريدي أو الفم بسبب مخاطر انخفاض ضغط الدم.
تشخيص ومتابعة المريض
لتشخيص أي مرض لا بد من وجود بعض الدلالات، وفي حالة متلازمة هرس الأطراف:
- تُؤخذ مستويات الكرياتينين كيناز في الدم (CKMM) التي تزيد عن 1000 وحدة دولية/لتر مع الأعراض المذكورة السابقة المرتبطة بشكل عام كمؤشر على متلازمة الهرس ودليل لوجود تلك المشكلة ومتابعتها أيضاً.
- وظائف الكلى بشكل منتظم كل 8 ساعات
- صورة الدم الكاملة والتي تعطينا مؤشرًا على نسبة الهيموجلوبين الذي يعتبر دلالة مهمة على وجود عدوى في الجسم في حالة نقصانه بشكل مستمر، وارتفاع كرات الدم البيضاء عن المعدل الطبيعي يدل على وجود عدوى والتهابات.
- غازات الدم بشكل منتظم طبقاٍ لحالة المصاب.
- الصوديوم والبوتاسيوم ووظائف الكبد ومعدلات التجلط والسيولة في الجسم.
ما طرق علاج متلازمة هرس الأطراف؟
علاج تلك الحالة تتم بشكل كامل في المستشفى، حيث يحتاج المصاب للتواجد في المستشفى لمدة خمسة أيام وأكثر، والعلاج ينقسم لعدة أجزاء:
أولا: العلاج التحفظي
- زيادة إفراز البول عن طريق بعض الوسائل مثل مدرات البول ومحاليل المانيتول والذي سوف يساعد على تقليل أخطار مركبات الميوجلوبين الناتجة عن تكسر العضلات.
- حقن بيكربونات الصوديوم عن طريق الوريد لتقليل الأخطار التي تقع على الكلى.
- قد يكون هناك حاجة لعمل غسيل كلوي عاجل، والذي قد يحمي من الفشل الكلوي المزمن.
- علاج المضاعفات مثل التخثر المنتشر داخل الأوعية DIC (وهو عبارة عن انتشار تجلطات دموية في أنحاء متعددة في الجسم) ويتم ذلك عن طريق حقن البلازما الطازجة المجمدة، والراسب القري والصفائح الدموية.
ثانيا: العلاج الجراحي
طبقاً لحالة المريض وحالة الطرف المصاب يتم تحديد التدخل العلاج الجراحي المناسب طبقاً لحالة الطرف المصاب:
- ففي حالة انسداد الدم بشكل كامل لفترة تتجاوز 18 ساعة قد يكون التدخل الجراحي بعمل بتر الطرف المصاب هو الطريقة الأنسب للحفاظ على حياة الشخص المصاب وعلى باقي أعضاء الجسم.
- هناك جراحة تسمى بضع اللفافة fasciotomy، وهذا الإجراء يتم فيه عمل فتحات في الطرف المصاب بين العضلات مما يسهل خروج السوائل والفضلات من تلك الفتحات وتقليل الأضرار، ولكن يمكن عمل ذلك الإجراء قبل حدوث تلف العضلات بشكل كامل.
كيف يمكننا الوقاية من هرس الأطراف؟
- التعامل الفوري مع الزلازل والكوارث وسرعة الإنقاذ هي الطريقة المثلى لتجنيب المصابين والضحايا متلازمة هرس الأطراف وغيرها من المضاعفات الجسدية والنفسية.
- الفرز الطبي الصحيح وتقديم الأولوية لمصابي الهرس.
- السوائل الكافية المناسبة لكل مصاب، وعلاج المصاب بصورة صحيحة تجنب الجسم العديد من الأخطار والمضاعفات.
- حدوث الكوارث هو أمر لا يمكننا تجنبه، لكن التعامل الجيد مع توابعه هو ما يستطيع الإنسان أن يقدمه لنفسه وللآخرين.
* المصادر:
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC4919827/
https://www.cancertherapyadvisor.com/home/decision-support-in-medicine/critical-care-medicine/crush-injury-crush-syndrome-traumatic-rhabdomyolysis-muscle-reperfusion-syndrome/
https://patient.info/doctor/crush-syndrome
https://patient.info/doctor/resuscitation-in-hypovolaemic-shock
https://www.acep.org/imports/clinical-and-practice-management/resources/ems-and-disaster-preparedness/disaster-preparedness-grant-projects/cdc---blast-injury/cdc-blast-injury-fact-sheets/crush-injury-and-crush-syndrome/
https://www.uptodate.com/contents/severe-crush-injury-in-adults#:~:text=Crush%20syndrome%20%E2%80%94%20Crush%20syndrome%20is,death%20%5B2%2D5%5D.
