كشف باحثون من كلية ميلمان للصحة العامة بجامعة كولومبيا في نيويورك ومركز دراسات الشيخوخة فيها، عن تأثير التعليم الإيجابي على طول العمر، وذلك في دراسة جديدة نُشرت نتائجها على الموقع الإلكتروني لمجلة جاما الطبية (JAMA Network Open). وتُعد هذه الدراسة الجديدة، التي أجريت على المشاركين في دراسة فرامنغهام للقلب، الدراسة الأولى من نوعها التي تربط بين مستوى التعليم ووتيرة الشيخوخة البيولوجية والوفيات.
دراسة تكشف تأثير التعليم على وتيرة الشيخوخة وخطر الوفاة
أظهرت الدراسة الجديدة أن المشاركين في دراسة فرامنغهام للقلب (Framingham Heart Study)، وهي دراسة طويلة المدى قائمة على المتابعة المستمرة منذ عام 1948 وتشمل ثلاثة أجيال، أن الذين حصلوا على مستويات تعليمية أعلى عاشوا حياة أطول مقارنة بأولئك الذين لم يواصلوا تعليمهم، ولم تتوقف الدراسة عند هذا الحد وحسب، بل أظهرت أيضًا أن التعليم المتصاعد كان له تأثير إيجابي على إبطاء الشيخوخة وتقليل خطر الوفاة.
علّق الدكتور دانييل بيلسكي، المؤلف الرئيسي للدراسة من كلية ميلان للصحة العامة بجامعة كولومبيا الأمريكية ومركز الشيخوخة، قائلاً: "نحن نعرف منذ فترة طويلة أن الأشخاص الذين لديهم مستويات أعلى من التعليم عادةً ما يعيشون حياة أطول، ولكن هناك مجموعة من التحديات لاكتشاف كيفية حدوث ذلك، والأهم من ذلك، اكتشاف ما إذا كانت التدخلات لتعزيز التحصيل العلمي ستساهم في طول العمر الصحي".
استخدام ساعة غير وراثية متقدّمة لقياس وتيرة الشيخوخة البيولوجية
استخدم الباحثون ساعة DunedinPACE اللاجينية غير الوراثية، وهي أداة متقدِّمة لقياس وتيرة الشيخوخة البيولوجية، لتقييم تأثير التعليم على طول العمر. وتُشير الشيخوخة البيولوجية إلى عملية التغيّرات الجزيئية التي تحدث في أجسامنا مع تقدّمنا في العمر، والتي تُضعف تدريجيًا سلامة وقوة خلايانا وأنسجتنا وأعضائنا.
تم تطوير ساعة Dunedin PACE اللاجينية من قبل باحثين في جامعة كولومبيا، وتم تسميتها على اسم مجموعة المواليد في دراسة Dunedin التي استخدمها الباحثون لتطوير هذه الساعة. وتعتمد هذه الساعة على تحليل مثيلة الحمض النووي، وهي علامات كيميائية على الحمض النووي الموجود في خلايا الدم البيضاء، ويتم قياسها من خلال فحص الدم، وتعمل الساعة اللاجينية مثل عداد السرعة لعملية الشيخوخة، حيث تقيس مدى سرعة أو بطء تغيرات جسم الشخص مع تقدمه في العمر.
وأظهرت أحدث النتائج التي توصلوا إليها أن كل عامَين إضافيين من التعليم يُؤديان إلى تباطؤ وتيرة الشيخوخة بنسبة 2% إلى 3%، وذلك حسب قياسات ساعة Dunedin PACE اللاجينية. وارتبط هذا التباطؤ بانخفاض بنسبة 10% تقريبًا في خطر الوفاة في دراسة فرامنغهام للقلب، وذلك وفقًا لدراسة سابقة أجراها دكتور بيلسكي حول العلاقة بين ساعة Dunedin PACE اللاجينية وخطر الوفاة.
دراسة تأثير التعليم على وتيرة الشيخوخة البيولوجية بين أفراد العائلة
استخدم باحثون من جامعة كولومبيا بيانات من 14106 مشاركين في دراسة فرامنغهام للقلب التي شمَلت ثلاثة أجيال لربط بيانات التحصيل العلمي للأطفال ببيانات والديهم، ثم استخدموا بيانات من مجموعة فرعية من المشاركين الذين قدموا عينات دم أثناء جمع البيانات لحساب وتيرة الشيخوخة البيولوجية باستخدام ساعة Dunedin PACE اللاجينية.
في التحليل الأول، اختبر الباحثون الارتباطات بين التعليم والشيخوخة ونسبة الوفيات في مجموعة فرعية مكوّنة من 3101 مشارك أمكن حساب مستوى تطور التعليم ووتيرة الشيخوخة لديهم. وفي التحليل الثاني، اختبروا ما إذا كانت الاختلافات في التحصيل العلمي بين الأخوة مرتبطة بالاختلاف في وتيرة الشيخوخة لدى 2437 مشاركًا لديهم أخ أو أخت.
التعليم سلاح بيولوجي ضد الشيخوخة ولإطالة العمر
أشارت الدكتورة غلوريا غراف، المؤلفة الرئيسية للدراسة، إلى أن المقارنة بين الأشخاص ذوي مستويات تعليمية مختلفة قد تكون صعبة، وذلك بسبب اختلاف الخلفيات التعليمية والاجتماعية بين العائلات. ولذلك، ركّزت الدراسة على الحراك التعليمي، أي الفرق في المستوى العلمي بين الشخص ووالديه، وكذلك بينه وبين إخوته، وسمحت هذه الطريقة بتقييم تأثير التعليم على وتيرة الشيخوخة بشكل مباشر دون التأثر بالعوامل الخارجية.
وباستخدام هذه الطريقة بالإضافة إلى ساعة Dunedin PACE اللاجينية، درس الباحثون تأثير الحراك التعليمي على عملية الشيخوخة. وبعد ذلك، ربطوا بيانات التعليم ووتيرة الشيخوخة بسجلات المشاركين الطويلة المدى التي توضح المدة التي عاشوها، لتحديد ما إذا كانت وتيرة الشيخوخة الأبطأ مسؤولة عن زيادة طول العمر لدى الأشخاص ذوي مستوى التعليم الأعلى. وأكدت الدكتورة غراف على أن نتائج الدراسة تدعم فكرة أن تعزيز التحصيل العلمي يُساهم في إبطاء وتيرة الشيخوخة البيولوجية وإطالة العمر.
الحاجة إلى إجراء المزيد من الدراسات لإثبات تأثير التعليم على وتيرة الشيخوخة
قال الدكتور بيلسكي: "في نهاية المطاف، هناك حاجة إلى إجراء المزيد من الدراسات لتأكيد النتائج التي توصّلت إليها دراستنا. تمتلك الساعات اللاجينية مثل ساعة Dunedin Pace القدرة على دعم مثل هذه الدراسات التجريبية من خلال تقديم نتائج يمكن أن تعكس تأثير التعليم على وتيرة الشيخوخة الصحية قبل بداية ظهور المرض في وقت لاحق من الحياة".
ومن جانبها، أكدت الدكتورة غراف على وجود علاقة قوية بين الحراك التعليمي التصاعدي، وتباطؤ وتيرة الشيخوخة، وانخفاض خطر الوفاة. وأضافت: "في الواقع، تم تفسير ما يصل إلى نصف التدرج التعليمي في معدل الوفيات الذي لاحظناه، من خلال مسارات الشيخوخة الأكثر صحية بين المشاركين الأكثر تعلمًا".
وكان هذا النمط من الارتباط بين التعليم والشيخوخة متشابهًا عبر الأجيال، وقد تبيَّن ذلك من خلال المقارنة بين الأخوة في العائلة، حيث كان الإخوة الذين يتمتعون بحراك تعليمي أعلى يميلون إلى أن يكون لديهم معدل شيخوخة أبطأ مقارنة بإخوتهم الأقل تعلمًا.
