كشَفت دراسة حديثة أن ارتفاع مستويات هرمون التوتر، الكورتيزول، لدى الأمهات خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحمل، قد يؤدي إلى انخفاض درجات معدل الذكاء (IQ) لدى أطفالهن الذكور عندما يصلون إلى سن السابعة. تم تقديم هذه الدراسة في المؤتمر الأوروبي السادس والعشرين للغدد الصماء، الذي عُقد في مدينة ستوكهولم بالسويد في الفترة بين 11 و14 مايو 2024. وبينما لم تُظهر الدراسة أي علاقة بين مستويات الكورتيزول في دم الأمهات ودرجات معدل الذكاء لدى الأطفال الإناث، فإن ارتفاع مستويات الكورتيزون في البول قد ارتبط بتحسين درجاتهنّ على مقياس الذكاء. تُشير هذه النتائج إلى الدور المهم الذي يلعبه هذا الهرمون في نمو الجنين لدى الذكور والإناث.
ما هو الكورتيزول؟
الكورتيزول هو هرمون من الستيرويدات يُنتجه الجسم استجابةً للتوتر والخوف. وقد أثبتت الدراسات أن التعرّض للكورتيزول قبل الولادة ضروري لنمو الجنين، ويُعتقد أيضًا أن له تأثيرًا محتملًا على الوظائف الإدراكية للأطفال في مرحلة لاحقة من حياتهم.
هرمون الكورتيزول والحمل
ترتفع مستويات هورمون الكورتيزول لدى النساء خلال فترة الحمل، وبشكل عام تفرز النساء الحوامل بالأجنة الإناث كمية أكبر من هذا الهرمون مقارنة بالنساء الحوامل بالذكور. ومع ذلك، يوجد إنزيم معيّن يُسمى إنزيم 11-بيتا هيدروكسيستيرويد ديهيدروجينيز من النوع الثاني (11β-HSD2) في المشيمة (أو الخَلاص)، ويقوم هذا الإنزيم بتنظيم كمية الكورتيزول التي تصل إلى الجنين من خلال تحويله إلى شكله المعروف باسم الكورتيزون.
تأثير هرمون الكورتيزول على ذكاء الأطفال
كشَفت دراسة سابقة أجراها باحثون من مستشفى جامعة أودنسه في الدنمارك أن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سنة وثلاث سنوات يتمتّعون بمهارات أكثر تقدمًا في الكلام واللغة إذا كانت لدى أمهاتهم مستويات مرتفعة من الكورتيزول خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من حملهنّ.
وفي هذه الدراسة، قام الباحثون بتحليل البيانات المتعلقة بمستويات الكورتيزون والكورتيزول لدى 943 امرأة حامل خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحمل، بالإضافة إلى اختبارات الذكاء التي أُجريت لأطفالهن البالغ عددهم 943 عندما يبلغون من العمر 7 سنوات، من دراسة مجموعة أودنسه للأطفال.
وأظهرت النتائج أن لدى النساء الحوامل اللاتي يحملنَ ذكورًا مستويات أقل من الكورتيزول في الدم مقارنة بالنساء اللاتي يحملنَ إناثًا. وفي حين سجّل الأطفال الذكور الذين تعرّضوا لمستويات أعلى من هذا الهرمون في الرحم درجات أقل في اختبارات الذكاء في سن السابعة، سجّلت الإناث في العمر نفسه درجات أعلى في اختبارات الذكاء عندما كانت أمهاتهم لديهن مستويات أعلى من الكورتيزون في البول.
وأوضحت المؤلفة الرئيسية للدراسة، الدكتورة أنيا فينجر دراير، أن هذه الدراسة هي الأولى من نوعها التي تبحث في العلاقة بين مستويات الكورتيزون في البول أثناء الحمل ودرجات معدل الذكاء لدى الأطفال. وأشارت إلى أن الدراسات الأخرى قد اقتصرت على تحليل مستويات الكورتيزول في الدم أثناء الحمل ومعدل ذكاء الطفل فقط، بينما شملت هذه الدراسة تحليل عينات البول بالإضافة إلى عينات الدم، كما أنها فحصت الأطفال الذكور والإناث بشكل منفصل.
تَباين في تأثير هرمون الكورتيزول قبل الولادة على مهارات اللغة والذكاء
أشارت الدكتورة فينجر دراير إلى أن نتائج الدراسة تُظهر أن الإناث قد يتمتّعنَ بحماية أكبر من خلال نشاط إنزيم (11β-HSD2) الموجود في المشيمة، في حين قد يكون الذكور أكثر عرضة للتعرض للكورتيزول الموجود عند الأم قبل الولادة.
وتابعت قائلة: "على الرغم من أن دراستنا السابقة أظهرت أن التعرض للكورتيزول قبل الولادة كان مرتبطًا بشكل إيجابي بتطور مهارات اللغة لدى الأطفال، فإن هذه الدراسة أظهرت أن التعرض للكورتيزول قبل الولادة، بشكل مباشر عن طريق الكورتيزول في الدم أو بشكل غير مباشر عن طريق الكورتيزول في البول، يرتبط بشكل سلبي بدرجات معدل الذكاء".
وأوضحت الدكتورة فينجر دراير أن هذه النتائج قد تعني أن التعرض لمستويات مرتفعة من الكورتيزول قبل الولادة قد يكون له تأثير إيجابي مؤقت على النمو المعرفي للطفل. وأشارت إلى أن الآباء أبلغوا عن تطوُّر المفردات لدى أطفالهم في الدراسة السابقة، في حين قيَّم علماء النفس المدرَّبون معدل ذكاء الأطفال في هذه الدراسة.
ختامًا، أشارت هذه الدراسة إلى الدور المهم الذي يلعبه هرمون الكورتيزول في نمو الجنين لدى الذكور والإناث بشكل مستقل، وأظهرت نتائجها أن ارتفاع مستوياته لدى النساء الحوامل خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحمل مرتبط بانخفاض درجات معدل الذكاء لدى أطفالهنّ الذكور، بينما يرتبط ارتفاع مستويات الكورتيزون في البول لدى الحوامل بارتفاع درجات معدل الذكاء لدى أطفالهنّ الإناث.