هل يمكن علاج السكري بالبنكرياس الصناعي؟

أظهرت دراسة جديدة كفاءة وسلامة استخدام البنكرياس الصناعي عند الأطفال الصغار، وأنّ ضبط سكر الدم آليّاً، ومنع زيادته ونقصانه، وخاصة في أثناء الليل، يريحان الطفل وأسرته.


اكتشَف العالمان الكَنَديان فريديريك بانتينغ وتشارلز بِست الإنسولين، وأثبَتا ارتباط نقص هورمون الإنسولين بحدوث مرض السكري في تجاربهما الشهيرة على الكلاب، التي نُشرت نتائجها سنة 1921.

وحاز فريق جامعة تورنتو الذي أسهم في اكتشاف الإنسولين سنة 1923 جائزة نوبل. واكتشَف الأميركيان كيمبال ومورلين هورمون الغلوكاغون سنة 1923 في خلايا البنكرياس، وأثبَتا أنه يُسهم في رفع مستوى سكر الدم.

ما هو دور الإنسولين والغلوكاغون في تنظيم سكر الدم؟

في الإنسان الطبيعي، تُنظَّم مستويات سكر الدم بصرامة تامة مهما تناول من أطعمة، وذلك من طريق نوع من الخلايا في غدة البنكرياس تفرز هورمون الإنسولين الذي يخفض سكر الدم، وخلايا أخرى فيها تفرز هورمون الغلوكاغون الذي يرفع سكر الدم.

ويتأثر نشاط هذه الخلايا في البنكرياس بمستوى السكر في الدم. فإذا ارتفع السكر، يفرز الإنسولين، وإذا انخفض يفرز الغلوكاغون في توازن دقيق بينهما يحافظ على مستوى السكر في الدم، ويساعد خلايا الجسم على استخدام السكر في نشاطاتها الحيوية المختلفة.


في الطريق إلى البنكرياس الصناعي

استُخدم الإنسولين الحيواني منذ عشرينيات القرن العشرين في علاج السكري، كذلك جرى تصنيع الإنسولين البشري بوسائل الهندسة الوراثية، وأُنتِج على نطاق واسع، وحلَّ مَحلَّ الإنسولين الحيواني في علاج السكري منذ الثمانينيات بنجاح كبير، خاصة عند مرضى السكري من النوع الأول (الشبابي). ولكن يحتاج العلاج بالإنسولين إلى قياس مستوى السكر في الدم عدة مرات يومياً في بعض الأحيان لضبط الجرعة المناسبة من الإنسولين، ولتجنب حدوث نوبات نقص السكر.

قياس سكر الدم

يحتاج قياس سكر الدم إلى أخذ عيّنة من الدم وإرسالها إلى المختبر، ثم تحسنت طرق قياس سكر الدم بحيث أصبح ذلك ممكناً من طريق شرائط حساسة تستطيع قياس سكر الدم بأخذ كمية ضئيلة جداً من الدم من طريق وخزة صغيرة في الأصبع.

ومع ذلك، إن تكرار الوخزات يسبب إزعاجاً للمرضى، خاصة عند الأطفال والمصابين بالنوع الأول من السكري.

أمكن أخيراً صنع حساسات صغيرة توضع تحت الجلد، وتقيس سكر الدم بشكل شبه مستمر على فترة تمتد إلى أسبوعين. تستطيع بعض هذه الحساسات إرسال قياساتها إلى أجهزة استقبال خاصة، أو إلى الهاتف الجوال.

حساسات قياس الجلوكوز.. طفرة في مجال السكري 

وتستخدم هذه الحساسات الآن على نطاق واسع، خاصة عند المرضى الذين يحتاجون لقياس سكر الدم بشكل متكرر يومياً.


مضخة الإنسولين والغلوكاغون

أمكن بالفعل صنع مضخة خارجية صغيرة في حجم الهاتف الجوال تقريباً، يمكنها تخزين كمية من الإنسولين، وحقن الجرعة المناسبة منه وفق برنامج إلكتروني يستطيع حساب الجرعة المناسبة من الإنسولين إذا أعطيت له معلومات تتعلق بوزن المريض وطوله، والطعام الذي يتناوله، أو مستوى قياس سكر الدم قبل إعطاء جرعة الإنسولين.

كذلك أمكن زرع بعض مضخات الإنسولين المبرمجة الصغيرة تحت الجلد لتقوم بهذا العمل، ويمكن تزويدها بالإنسولين بحقنة عبر الجلد كل فترة تطول أو تقصر بحسب كمية الإنسولين المستعملة.

ثم طورت بعض المضخات التي يمكنها تخزين الإنسولين والغلوكاغون، وتتم برمجتها لكي تعطي الجرعات المناسبة من هذين الدواءين بحسب معطيات سكر الدم أو الطعام الذي يتناوله المريض.

وهكذا، إذا استطاع العلماء ترتيب نوع من التواصل بين حساسات تقيس سكر الدم، ومضخة مبرمَجَة تستطيع حسابَ وحَقن الجرعة المناسبة من الإنسولين والغلوكاغون، فقد اقتربوا كثيراً من اختراع نوع من البنكرياس الصناعي.

دراسة حديثة عن البنكرياس الصناعي

في 20 يناير 2022، نُشرت نتائج دراسة عالمية اشترك فيها باحثون من سبعة مراكز في أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا والنمسا ولوكسمبورغ في الفترة 2019-2020، جرت فيها مقارنة ضبط سكر الدم عند مجموعتَين من الأطفال المصابين بداء السكري من النوع الأول الذين تراوح أعمارهم بين سنة وسبع سنوات.

استُخدمت في أفراد المجموعة الأولى مضخة تقوم آلياً بوظيفة البنكرياس في تنظيم سكر الدم اعتماداً على معلومات تأخذها لاسلكياً من حساسات تحت الجلد تقيس سكر الدم، وتنقل هذه القياسات إلى هاتف جوال يحمل برنامجاً خاصاً يغذي المضخة بالمعلومات اللازمة لكي تحقن كمية الإنسولين اللازمة تحت الجلد (نوع من البنكرياس الصناعي).

جرت مقارنة ضبط مستويات سكر الدم عند هذه المجموعة مع مجموعة من أقرانهم الذين ضُبط سكر الدم عندهم باستخدام مضخات إنسولين تُزوَّد يدوياً بمعلومات عن سكر الدم لديهم. سُجِّلَت النسبة المئوية من الزمن الذي تكون فيه قياسات سكر الدم ضمن المجال المقبول من 70 إلى 180 مغ/دل عند أفراد هاتَين المجموعتَين خلال فترة التجربة (16 أسبوعاً).

كذلك جرى تسجيل النسبة المئوية للفترات التي يكون فيها سكر الدم أكثر من 180، أو أقل من 70، وقياس السُّكر التراكمي (الخضاب السكري)، ومتوسط مستوى سكر الدم، وتسجيل السلامة والتحمل في استخدام الجهاز.


ما هي نتائج الدراسة؟

أجريت الدراسة على 74 طفلاً مصاباً بداء السكري من النوع الأول. كان متوسط أعمارهم حوالى 5 سنوات ونصف، ومتوسط السكر التراكمي لديهم 7.3%. لوحظ في الدراسة أن البنكرياس الصناعي قد تمكن من ضبط سكر الدم ضمن المجال المقبول في معظم الأوقات (71.6% من اليوم) وبشكل أفضل من مضخة الإنسولين العادية، خاصة في منع ارتفاع سكر الدم أكثر من 180 مغ/دل، بينما لم يكن هنالك فرق مهم بين المجموعتَين في منع هبوط سكر الدم أقل من 70 مغ/دل.

كذلك كان متوسط انخفاض السكر التراكمي أفضَل في مجموعة البنكرياس الصناعي بحوالى 0.4%. لم تكن هنالك فروق مهمة بين المجموعتَين في حدوث نوبات انخفاض أو ارتفاع سكر الدم.

ما الذي يمكن أن تؤدي إليه نتائج هذه الدراسة؟

أثبتت دراسات مماثلة سابقة عند الشباب والأطفال الأكبر سناً كفاءة البنكرياس الصناعي ومضخة الإنسولين في ضبط سكر الدم، ولم تتوافر من قبل نتائج مثل هذه الدراسات عند الأطفال الأصغر سناً الذين يشكلون مجموعة خاصة أكثر تعرضاً لتقلبات سكر الدم ونوبات ارتفاع وانخفاض السكر التي قد تؤدي إلى أضرار دماغية على المدى البعيد.

أظهرت هذه الدراسة كفاءة وسلامة استخدام البنكرياس الصناعي عند الأطفال الصغار، كذلك إن ضبط السكري عند الأطفال الصغار يشكل هاجساً وتوتراً شديداً في الأسرة. وإن ضبط سكر الدم آلياً، ومنع زيادة سكر الدم ونقصه، وخاصة في أثناء الليل، يريح الطفل وأسرته، ويسمح لهم بالحصول على فترات كافية من النوم والراحة في أثناء 80% من الليل.

تفتح هذه الدراسة المجال أمام استخدام أوسع لهذه الأجهزة في علاج المرضى المصابين بداء السكري من النوع الأول، وربما في بعض الحالات غير المنضبطة من الداء السكري من النوع الثاني. وربما توصل العلماء قريباً جداً إلى بنكرياس صناعي يمكن زرعه تحت الجلد بشكل كامل، خاصة إذا تحسنت فترة عمل حساسات قياس سكر الدم إلى أكثر من أسبوعين.

المصادر:
24 يناير 2022
آخر تعديل بتاريخ