سنة حاسمة في تاريخ جراحة القلب: 1948

عمليات جراحية لإصلاح أو تبديل صمامات القلب

شهدت سنة 1948 تطورات مهمة في تاريخ جراحة القلب، ففي شهر يناير مِنْ تلك السنة قام الجراح الأمريكي هوراس سميثي Horace Smithy (1912-1948) في كلية الطب لولاية كارولينا الجنوبية في مدينة تشارلستون بإجراء عملية ناجحة لقطع الصمام التاجي لمريضة كان عمرها 21 سنة وذلك بإدخال مبضع جراحي (سكين قاطعة خاصة) عبر قمة البطين الأيسر. نجحت العملية، وعاشت المريضة بعدها لمدة 10 أشهر، إلا أنها توفيت بعد ذلك إثر حدوث نزف مفاجئ في مكان إدخال المبضع الجراحي. قام سميثي بإجراء عملية مماثلة ثانية في شهر مارس مِنَ السنة ذاتها، إلا أنّ المريض توفي بسبب وجود تكلسات شديدة في الصمام التاجي. وقام بعملية ثالثة بعد ذلك بأسبوع واحد، إلا أنّ النجاح لم يحالفه أيضاً إذ توفي المريض بعد العملية بأسبوع إثر إصابته بالتهاب رئوي.

لم تحبط هذه النتائج الأولية همته، وتابع العمل واستطاع أنْ يحقق النجاح، والمهم أنّ عملياته القلبية قد نجحتْ بعد ذلك لدى أربع مرضى عاش كلهم بعد العملية بسلام. ولكن مِنْ سخرية القدر، انتهت المسيرة الرائدة الناجحة لهذا الجراح الشاب الماهر فجأة في أكتوبر مِنَ السنة ذاتها عندما توفي عن عمر لم يتجاوز 34 سنة بسبب إصابته بمرض تضيق الصمام الأبهري في القلب! كان يعلم بمرضه هذا، ولكن ذلك لم يمنعه مِنَ العمل، بل شَكَّل حافزاً له لكي يتابع العمل بهمة ونشاط في سباق مع الزمن، فقد كان يأمل في الوصول إلى علاج جراحي لحالته المرضية قبل فوات الأوان.

 

الجراح الأمريكي هوراس سميثي Horace Smithy (1912-1948)

عمليات مماثلة

في تلك السنة ذاتها، 1948، قام تشارلز بيلي بإجراء عمليته الثالثة لقطع الصمام التاجي، ولكن المريض توفي أيضاً في اليوم الخامس بعد العملية الجراحية بسبب خطأ في تنظيم إعطائه السوائل وأدوية سيولة الدم. لم تثبط هذه النتائج الأولية مِنْ عزيمة بيلي، فقام بترتيب خاص لإجراء عمليتين مماثلتين في يوم واحد، ففي العاشر مِنْ شهر يونيو مِنْ سنة 1948 أجرى بيلي عملية قطع الصمام التاجي في مستشفى فيلادلفيا العام لمريض شاب. كانت العملية صعبة بسبب وجود التصاقات شديدة داخل الصدر، وحدثتْ اضطرابات عديدة في نظم القلب. أُعطي المريض دواء لتنظيم نبض القلب، ولكن القلب توقف تماماً عن العمل! توفي المريض رغم كل المحاولات لإنعاشه وعلى الرغم من قيام الجراح بيلي بمحاولة يائسة لفتح الصمام التاجي بأصبعه. في اليوم نفسه وبعد ساعات قليلة فقط قام الجراح نفسه بإجراء عملية قطع الصمام التاجي لفتاة عمرها 24 سنة في مستشفى مجاور في المدينة نفسها. وفي هذه المرة سارت العملية بسهولة ويسر، وتماثلت المريضة للشفاء بسرعة في فترة النقاهة. وفي مدينة بوسطن بعد ذلك بستة أيام فقط استطاع الجراح هاركن أن يقوم بعملية مماثلة ناجحة أيضاً في قطع الصمام التاجي لدى رجل عمره 27 سنة.

 

تشارلز بيلي Charles Bailey (1910-1993)

في الوقت نفسه، على الشاطئ الآخر للمحيط الأطلسي، تمكن اللورد رسل بروك Lord Russell Brock (1903-1986) وفريقه في انكلترا مِنْ توسيع الصمام الرئوي للقلب جراحياً، وأضافوا أنهم يعتقدون بإمكانية تطبيق هذه العملية على الصمام التاجي. وبالفعل نجح بروك في القيام بأول عملياته لتوسيع الصمام التاجي في سبتمبر 1948. وما أنْ حَلّتْ سنة 1950 حتى نَشر تقريراً عن قيامه بإجراء ست عمليات ناجحة على الصمام التاجي.

 

اللورد رسل بروك Lord Russell Brock (1903-1986)

وهكذا خلال سنة مجيدة واحدة، 1948، تمكن أربعة جراحين في أرجاء مختلفة من العالم، ودون أنْ يعلم أحد منهم بما يفعله الآخرون، مِنْ ترسيخ قواعد العلاج الجراحي لمرض تضيق الصمام التاجي في القلب. فتح هؤلاء الرواد الأربعة: سميثي وبيلي وهاركن وبروك آفاق العلاج الجراحي لأمراض صمامات القلب، وتلت بداياتهم القليلة الناجحة آلاف مِنَ العمليات المشابهة. وبعد مرور نصف قرن على الملاحظات والآراء الخجولة التي طرحها ميلتون وسامويز وبرونتون عن إمكانية العلاج الجراحي لتضيق الصمام التاجي أصبحت هذه التنبؤات حقيقة واقعة.

واستمر التقدم

اخترع بروك Brock وبيلي Bailey ودوبوست Dubost وتَبس Tubbs أدوات جراحية خاصة ساعدت كثيراً على تسهيل عملية توسيع الصمام التاجي وجعلتها أكثر أماناً ونجاحاً. ونجح بيلي وهاركن في تطبيق عمليات مماثلة على الصمام الأبهري والرئوي. وفي سنة 1952 استطاع الجراح الأمريكي تشارلز هفناجل Charles Hufnagel (1916-1989) بعد سنوات مِنَ البحث العلمي أنْ ينجح بزرع صمام صناعي في الأبهر النازل لعلاج مريضة عمرها 30 سنة كانت مصابة بمرض قصور الصمام الأبهري. وكانت تلك هي العملية الأولى في التاريخ يتم فيها زراعة صمام صناعي في جسم الإنسان بنجاح.

أما الطرق المتبعة حالياً في زرع الصمام صناعية وإصلاحها، فقد كان عليها أنْ تنتظر حتى أوائل الستينيات بعد أنْ اختُرعتْ مضخة القلب والرئة وتطورتْ عمليات القلب المفتوح. أصبحت عمليات صمامات القلب هذه الأيام ناجحة وسليمة، وتجرى يومياً في كثير من المستشفيات في العالم، وتبلغ نسبة نجاحها نحو 98 بالمئة في معظم الحالات.

 

المصدر:

كتاب "قصة القلب، كيف كشفه رجالة" للدكتور عامر شيخوني

 

30 مارس 2023
آخر تعديل بتاريخ