العلاقة مع اللاشيء

شكل جديد وغريب من أشكال العلاقات البشرية.. علاقة مع الهواء.. مع الفراغ.. الذي يكون غالباً (الفراغ الإلكتروني).

كثير من الناس يعيشون في علاقات حب أو صداقة على الإنترنت، مع آخرين لم يروهم وجهاً لوجه حتى اليوم.. بعض هذه العلاقات تكون خفيفة وظريفة ولطيفة.. لكن مثل هذا النوع من العلاقات يوجد به مشكلة كبيرة في بعض الأوقات.

هذه المشكلة هي أن تضع.. تضيف.. تسقط على الطرف الآخر في العلاقة صفات وتخيلات وتوقعات لا تمتّ له بصلة.. بل مصدرها الوحيد هو أنت.. بمعنى أنك تقوم بإكمال أجزاء الصورة والشخصية الناقصة بمواصفات من خيالك.. أشياء يمكن أن تكون بعيدة وغير حقيقية.. بل قد تكون الحقيقة عكسها تماماً.. وتزداد الأمور تعقيداً لو تمادى الطرف الثاني وقرر أن يكون معك كما تتمنى.. أو ترغب.. أو تتخيل.. على غير حقيقته.

بمنتهى الصراحة.. أنت هنا تقوم بعمل علاقة.. مع نفسك.

طبعاً الأصعب والأصعب هو أن يقوم الطرفان بذلك في نفس الوقت.. فيرى هو فيها تلك الصورة التي يرسمها لها في عقله.. وتتعامل هي مع الصورة التي ترسمها له في عقلها.. وفي الحقيقة، ليس أي منهما في علاقة.. سوى مع نفسه.. واللاشيء.

هذه العلاقات فيها كثير من العمى.

وهذا النوع منها عمره قصير للغاية.

ولو طال عمره دون أن يستكشف الطرفان بعضهما بشكل جيد، قد تكون مؤذية جداً.

في إحدى المرات، اقترحت على أستاذي الإنجليزي - وكان رجلاً حكيماً عالماً - أن أقوم بإرسال بريد إلكتروني (إيميل) إلى أحد الأساتذة أسأله فيه عن نقطة محورية للغاية في أحد أبحاثي.. فنظر إلى الرجل بعمق.. وقال لي: اطلب مقابلته.. مكانه ليس بعيداً.. لا شيء مثل الحديث وجهاً لوجه.. فنظرات العيون تنطق.. حركات الأيدي تعبّر.. نبرات الصوت تكشف.. وكل ذلك غير موجود عبر البريد الإلكتروني.

صدقته.. وفعلت.. وتعلمت.. وها أنا ذا أقولها لكم الآن:

لا شيء مثل الحديث وجهاً لوجه.

اقرأ أيضاً:
هل أنت مدمن؟
علاقة بشخص عبر الإنترنت.. غيرت حياتي

آخر تعديل بتاريخ
29 سبتمبر 2018