05 أبريل 2019

والدي توفي وأنا معه.. وصدمت من حينها

وهو يقود السيارة أتته سكرات الموت، لقنته الشهادة الحمدلله رب العالمين، أنزل علي قوة الإيمان لكي أوقف السيارة فوراً.. أنا متدينة وإيماني قوي. أبي رحمه الله كان نصفي الثاني.. أحيانا أستيقظ فجآه، وأعتقد أن أمي ماتت.. أتاكد من نفسها.. عندي حالات نهم طعام كل ما أحزن.. أنا كتير كتوم.. بس أنا بيحصلي حالات بكاء فجائية.. وأحيانا أفقد الشعور.. اعتذر ولكن الدورة الشهرية قطعتني شهرين بعد وفاته، وذهبت لطبيب أعطاني أدوية.. ولكن قطعتني الآن ٣ أشهر.
أهلا وسهلا بك يا هنادي،
أسأل الله أن يبدل والدك داراً خيراً من داره، ويقره في مقر عفوه ورحمته، وأقول لك بصدق وبواقعية أن والدك رغم غيابه بجسده عنكم إلا أنه ما زال، ولا يزال، وسيبقى موجوداً حاضراً بداخلك يا ابنتي؛ فلقد خُلقنا هكذا يا هنادي من الناحية النفسية.. أي علاقة حقيقية قوية كانت معنا لا تغيب بداخلنا حتى مع غياب أصحابها؛ فستجدينه في كل ما علمه لك، وفي كل قيمة اكتسبتها منه، وفي نصائحه فيما تحدثتم فيه، أو حتى ما لم يشاركك فيه الآن؛ فستجدين نفسك تعرفين جيداً ماذا كان سيقول، ويفعل.



وعدم قبولك لغيابه يا هنادي هو عقبة كؤود يخسر فيها كل من يحاول تحطيمها؛ فالذي يقرر من سيبقى حتى حين، ومن سينتقل للحياة الأخرى هو علام الغيوب، المقيت الحكيم؛ فهو صاحب الحكمة التي تغيب عنا تماماً، فأنت تحتاجين أن تقبلي موته يا ابنتي، وأن موته لا يعني غيابه، وحقيقة الأمر بشكل أعمق أنك لا تقبلين موتك أنت شخصياً، وبالتالي لا تقبلين موت أي آخر، حتى لو قلنا أن موتنا أهون علينا من موت من نحب؛ فهي محاولة طفولية لتجنب الألم من فقد من نحب أولاً ليس أكثر؛ فهذه خدعة كبيرة لا نعلمها عن أنفسنا؛ فقبولنا الحقيقي لموتنا هو ما يجعلنا نتمكن من قبول موت من نحب، وهذا القبول هو نفسه سر إكمال الحياة الحقيقية بشجاعة، ولم أقل قبول الموت يجعلنا نعيش؛ فالحياة الحقيقية حياة فيها سماح وفرح وحزن وألم وقدرة وثقة، لكننا قد نعيش من الخارج ونذهب ونغدو ونتزوج، ونأكل ونشرب، وننجب ولكننا من الداخل أموات؛ فقبول الموت حياة، ورفض الموت موت يلبس ثوب الحياة، فأقبلي موتك؛ لتقبلي موت والدك، وتحيي كما كان يتمنى لك، واسمحي لنفسك أن تحيي الحياة بصدق؛ فهذه هي حقيقة الشجاعة في الحياة.. أن نقبل الألم الموجود فيها؛ لأنه جزء منها لا يمكننا أن نتجنبه، ولكن يمكننا بقبولها أن نختار ألا نحول الألم الممكن لمعاناة صعبة غير ممكنة.


صديقتي لقد اخترت أن أحدثك عن قبول الموت؛ لأنه بيت القصيد، ولم أرد أن أحدثك عن القلق وتبعاته وخطوات تقليله الآن لنفس السبب، وأرجو بالطبع أن تساعدي نفسك أكثر بقراءة المزيد مما تحدثنا عنه هنا في موقعنا؛ فيما يخص كيفية التعامل مع القلق وتقليله، والذي سيظهر حينها في استقرار نومك، وانتظام دورتك الشهرية، والسماح للحياة بداخلك، وإرسال كل الامتنان لوالدك الكريم يرحمه الله.. دمت بخير.
آخر تعديل بتاريخ
05 أبريل 2019