17 أغسطس 2018

مكتئبة وطاقتي مستنفدة.. اعرفي احتياجاتك

دايما مكتئبه ومستنفدة، معنديش طاقة لفعل أي شيء، فاقدة الشغف والحماس والرغبة حتى تجاه أي شيء وأي شخص مهما كنت بحبه، ممكن أضغط على نفسي وأصمم على بداية جديدة، وأحاول مع نفسي، وأظبط علاقاتي بالله.. بس مش بتستمر وارجع انتكس تاني، فترات اكتئابي وخمولي قريبة جدا من بعضها، كل ما أقاوم وأحس إني وقفت ع رجلي أرجع تاني.. خايفة أستسلم وأسيب نفسي كده، وأقبل بحياة بلا معنى، ومقاوماتي كمان لا تستمر.
أهلا وسهلا بك يا مروة،
صدقتِ يا ابنتي، إن ظللت هكذا ستتحول علاقتك بنفسك لنمط تكررينه، والحمد لله أنك تشعرين أن هناك أمراً يحتاج إلى تغيير، والحمد لله أنك ما زلت ترغبين في التغيير، وهذا أمر فارق جداً حتى وإن لم تقدريه الآن.

ولاحظي أنك حين عبرت عما تشعرين به من داخلك قلت "إن طاقتك مستنفدة"، وهنا حقيقة التغيير، وحقيقة الحل؛ فكل ما تحاولين فعله لا يكتمل، أو يكون بحركة صعبة وثقيلة نفسياً عليك؛ لأنك بالفعل مستنفده، لذا فأول خطوة تحتاجين إليها بصدق هي "التعرف" على ما يجعل طاقتك مستنفدة؛ فطاقتك المستنفدة تلك تعني "الماضي"، "قصتك"، "تكرار لأمر سلبي"، سواء كنت تدركين سلبيته أو لا تدركين.



ولأن ما أحدثك عنه موضوع ضخم؛ يمكن أن تكون البداية التي تجعل الموضوع الضخم موضوعاً أكثر سهولة أن تبدئي باحتياجاتك النفسية؛ فغالبا عدم حصولنا على احتياجاتنا يكون وراء كل معاناة تتغذى على طاقتنا النفسية، وقدرتنا على القيام بأدوارنا في الحياة؛ والاحتياجات النفسية تلك لا يجوز أن نتعامل معها على أنها "فضل" من الآخر علينا؛ فننتظر حتى يقتنع بها، أو يعطيها لنا، أو يعترف بحقنا فيها، ولكن احتياجاتنا هي "حقوقنا"، والحق يؤخذ فقط.. فما هي احتياجاتك إذن؟ وهل هي تخصك أنت فقط؟ وممن تأخذينها؟

احتياجاتك؛ هي احتياجات كل البشر، في كل مراحل أعمارهم. هكذا خلقنا الله تعالى، فلا يمكننا أن نستغني عنها، حتى وإن حدث ما يجعلنا نظنها غير مهمة، أو أنها ليست حقوقنا لنا، أو كما وجدنا البعض يسخر منها، والأصل أننا نحصل عليها بجرعات مناسبة لصحتنا النفسية من دون إفراط أو تفريط من أبوينا تحديداً، وقد تحدث ظروف تخص كل حالة بحالتها تجعل الأبوين غير قادرين على منحها؛ فيحدث لتلك الاحتياجات "تعطل"؛ فيكون البديل هو "علاقات صحية" في حياتنا.



هذه الاحتياجات درسها علماء النفس، ومنهم من حددها، ومنهم من رتب أهميتها، ولكن تظل كلها حقوقاً لنا نحتاج جداً إلى أن نحصل عليها، وبدونها نعاني، وتندرج معاناتنا تلك حسب تكويننا النفسي، والمناخ المحيط بنا، وإرادة تغيرنا، ونوع علاقاتنا ومدى سلامتها النفسية، سواء بيننا وبين أنفسنا أو بيننا وبين الآخرين أو الحياة، وفي كل هذا، ومن خلاله، علاقتنا بمن خلقنا سبحانه وتعالى.

واتفق معظم علماء النفس على هذه الاحتياجات:
1. احتياجنا للقبول غير المشروط.
2. احتياجنا للحب غير المشروط.
3. استحقاقنا الحب والاهتمام والاحترام.
4. أن يرانا الآخرون كما نحن لا كما يريدون أو يتوقعون.
5. احتياجنا أن نقول لا.
6. احتياجنا للتعبير عن مشاعرنا بمسؤولية حقيقية تبعد كل البعد عن الغم والهم من أهم احتياجاتنا كبشر.



فحين نعلم أن والدينا يحباننا لأننا نستحق الحب من دون أن ندفع ثمنه (طاعة/ نظام/ تنفيذ اختياراتهم/ إرضاؤهم /تفوق.. الخ)، وأننا موجودون ونستحق الاحترام، ومن حقنا أن نخطئ ونضعف ونفشل لنتمكن من التعلم، وأننا محل إعجابهم وثقتهم، وحين يصل إلينا منهم أن من حقنا أن نرفض أو نختلف، ونتحمل مسؤولية اختيارنا المخالف لرأيهم في أوقات ما؛ ولكن بوجود علاقة آمنة صحية معهما؛ ننضج، ونخرج إلى الحياة مستقرين عاطفياً ونفسياً وفكرياً، ونتمكن من التواصل مع أنفسنا ومع غيرنا، ومع الحياة بتحدياتها وصعوباتها وألمها الذي يصل إلى الفقد والموت؛ بقبول طبيعي يحمينا من الوقوع في حفر الكمالية، أو مشاعر الذنب غير المبررة، أو عدم تحمل الإحباط، أو عدم القدرة على التواصل مع أحزاننا بشكل صحي.


فلتبدئي من هنا يا ابنتي، ومارسي استخدامك للحقوق التي منحها الله لنا جميعاً، ولكن راعي أن الوالدان لا يعيان ذلك لألف سبب وسبب، وقد أعجز عن الدفاع عن تصرفاتهما، ولكنني أستطيع أن أدافع عن حبهم لأبنائهم، وأن تلك الممارسة بعد طول غياب تكون في البداية شاقة نسبيا، ولكن حين تكون واضحة ومستقرة ومحاطة بأدب حاسم حقيقي بداخلك يحترمها من حولك، وإن كنت تريدين أن تحصلي على احتياجاتك ممن حولك في علاقاتك كلها، فلا أعظم من أن نبدأ نحن بمنحها لهم؛ لنحصل عليها، فإن كنت تريدين أن تحصلي على قبول من حولك مثلاً بلا شروط فابدئي بقبولهم أنت بلا شروط، ليذوقوا قيمته، فتسهل عليهم ممارسته، لأنه نفس احتياجهم.. فاحتياجك حقك، والحق يؤخذ بفن ومهارة وحسم مهذب.. دمت بخير.
آخر تعديل بتاريخ
17 أغسطس 2018