12 يناير 2018

كيف نتعامل بشكل صحي مع مشاعرنا؟

السلام عليكم.. دكتور منذ فترة بدأت أعاني من حزن شديد وعدم التفاعل مع أي شيء مفرح.. عصبية.. لا أطيق أي شخص حتى أمي.. وأستفز من أي شيء، خصوصا الأصوات.. ضيق صدر مستمر.. تعبت من حياتي.. مع العلم أني مررت بفترة طفولة عصيبة وانفصال والدي ثم مرض لسنوات، ومن ثم انفصلت عن شخص عزيز كنت أعتبره أمان الحياة، أشعر بأني وحيدة مع أن هناك أشخاصا كثيرين حولي.. مع العلم أني ناجحة بحياتي ومتفوقة وأحفظ القرآن الكريم

أحياناً نقرر يا سارة قرارات نفسية عميقة من الداخل دون وعي منا منذ سنوات عمرنا الصغير، ومن هذه القرارات قرار ألا نسمح لأنفسنا بالتواصل مع ألمنا أو مخاوفنا أو فقدنا للأحباء، رغم احتياجنا الشديد لأن نحترم هذه المشاعر احتراماً حقيقياً، وأن نعبر عنها بشكل صحي، وأن نقبل بوجودها مع عدم الغرق المؤذي فيها بلا طوق نجاة.

وعندما ننكر احتياجنا لاحترام مشاعرنا واحتياجنا للتعبير عنها يظل جهازنا النفسي العظيم يتحمل ويتحمل لسنوات، فإذا لم ننتبه للقيام بالتعامل الصحي مع تلك المعاناة، يبدأ في "الشكوى"، وشكواه دوما تسبقها رسائل يقرأها من يقرأها، ويجهلها من جهلها؛ فمثلا تخرج تصرفات منا غريبة عما نعرفه عن أنفسنا، ونفقد بمرور الوقت الحياة بداخلنا، فنتخلى عن المشاعر، فنفقد الحزن بما يحزن البشر، ونفقد الفرح بأمور كنا نفرح بها سابقا، أو تُفرح البشر.

ومع استمرار كبت مشاعرنا يطلب جهازنا النفسي من جسدنا أن يعينه في ما يتحمله وحده دون علاج منذ سنوات؛ فيبدأ الجسم بالتألم أو حمل بعض الثقل عنه، ويتلون المناخ بداخلنا بلون رمادي داكن تتصورينه حزنا، وهو درجة من درجات الاكتئاب، وحينها بدلا من أن نأنس بمن حولنا، نجدهم عبئا علينا، ونخرج ألمنا وقلقنا في صورة غضب على أنفسنا، وعلى من حولنا.

لذا تحتاجين إلى أن تستكشفي مشاعرك التي ترفضين قبولها، وهذا يحتاج لنضوج وفهم؛ فقبولك لها لا يعني موافقتك عليها، ولكن الآن وفي تلك المرحلة عليك قبول وجودها، لتتمكني من تجاوزها بصدق ودون تشويش، فتقبلي مثلا وجود غضبك وتتعرفي عليه وتعبري عنه بشكل صحي؛ وهذا يحميكِ من أن يغمرك، كما يحميك من أن تعبري عنه بشكل غير صحي في شكل صراخ وتوتر وصمت وتجاهل؛ كما أن قبولك له يساعدك على أن تتحدثي عنه مع من تطمئنين على نفسك معه، أو مع الشخص الذي تشعرين بأن سلوكياته تؤدي لهذا الغضب.

الفكرة بالأساس هي التعامل مع المشاعر بنضوج، لتتمكني من تجاوزها، فإن تمكنت بصدق من القيام بهذا، ستتخذين قرارا صادقا نابعا من الداخل بالعودة للحياة، ولكن تلك المرة بقرار واع، وسيخفت فعلا صوت الألم، ويتلون الداخل بلون الحياة، وستأنسين بمن حولك من جديد، ويختفي الثقل الذي تشعرين به في صدرك.

ذكرت لك بعض النصائح المفيدة، ولكن إذا استخدمتِها ولم تشعري بالتحسن المرجو، فلا تتأخري في خطوة التواصل مع متخصص يساعدك، وقد تحتاجين لمساندة دوائية لفترة محددة حتى تمري من تلك المعاناة بصحة نفسية.. فقط تذكري أنك تستطيعين تجاوز معاناتك مثل كثيرات عانين مثلك، ولكنهن فعلن بصدق شديد ما اقترحته عليك، وأرجو أن تقرئي في مشكلات القلق، ومقالات كثيرة كتبتها، منها فراق الحبيب، لتتمكني من استيعاب ما تحتاجين لاستيعابه.. دمت بخير.

اقرئي أيضاً:
الحزن الطويل.. التشخيص والعلاج
س وج حول مضادات الاكتئاب للأطفال والمراهقين
آخر تعديل بتاريخ
12 يناير 2018