24 يونيو 2018

تعرضت لمصائب متوالية وفقدت كل من أحب

أنا الآن عمرى ٢٣ عام، حصلي حاجات كتير ف حياتى سيئة، أولها ماما ماتت وأنا صغيره عندى ٣ سنين، بابا كان ديما برا مصر، وسايبنى هنا مع مراته، اتجوزها عشان تربيني بس انا بكرهها قوى، كانت بتعاملنى وحش وانا صغيرة وتعذبنى، ولما بابا ينزل أجازة تعاملنى حلو قدامه، وكانت بتطلب منه فلوس على أساس اني عاوزاها، وتاخدها ليها، فضلت كده لحد لما بابا مات قدام عيني، حرامى دخل علينا، ولما بابا حاول يقاومة موته كان عندى ١٥ سنة، وقتها دخلت في حاله اكتئاب كبيرة وفضلت في مصحة ست شهور، ولما طلعت لقيت واحد اسمه هشام، قالى انه قريب بابا، وبابا كان كاتب في وصيته انه يعيشنى معاه.. كان اسمه عمو هشام.. حسيت أنه أبويا بس دلوقتي هو مات.. وأنا معرفش غيره في حياتى، وأنا مليش أصحاب وعايشه في الدنيا لوحدى حاسة اني هنتكس
أهلا بك يا هند،
رسالتك أثرت في كثيرا يا ابنتي، فالأحداث صعبة، ومؤلمة، ولكن بجانب الألم رأيت فخرا كبيرا برحلة حياتك حين تمكنت في كل مرة تهوين فيها للقاع من الوقوف على قدميك من جديد، وعلى عكس ما تتصورينه عن نفسك من هشاشة؛ فأنت تمتلكين متانة نفسية جعلتك تخوضين معركة النجاة في كل مرة غرق رغم ما أصابك من اكتئاب.


وأنا لا أحدثك هنا حديثا فلسفيا إنشائيا؛ فلقد رأيت الألم، والضعف كثيرا في كواليس العيادة، ورأيت من تعرض فقط لخبرة فقد الأم صغيرا، أو التعامل السيئ فقط من الراعي، أو صدمة نفسية واحدة في حياتهم كصدمة حادثة والدك - يرحمه الله ويرزقه مكانة الشهداء؛ فلقد مات دفاعا عن بيته ونفسه وماله - ورأيت كيف لم يتمكنوا من النجاة، أو نجى بعضهم بكثير جدا من الصعوبات لأمر واحد فقط مما تعرضت له أنت يا ابنتي، لذا تحتاجين أن تصدقي أن رحلة حياتك تحمل في نفس ذات الوقت الألم والفخر، والقدرة على النجاة والبدء من جديد.



كما تحتاجين أن تحولي قلقك من الانتكاسة؛ لزيارة واجبة لمعالجك النفسي لتحصلي على جرعات الوقاية بالكيفية التي سيحددها معك.

وأقول لك بصدق شديد أن الوحدة "اختيار"، نعم الوحدة ليست مشاعر، ولكنها فكرة نختارها، ويختلط علينا الأمر ونتصورها مشاعر، وكلما تعاملنا معها على أساس أنها مشاعر؛ كلما استنفدت طاقتنا النفسية بلا عائد حقيقي؛ فلن تجدي شخصا عاش وحيدا إلا باختياره، فأمامك أن تنخرطي في أنشطة مفيدة مع فتيات تطمئنين لهن، أو الاشتراك في أعمال تطوعية، أو مزيد من الدراسة والتعلم، أو غيره مما يستهويك، ويمكنك السؤال عن طريقة من طرق العلاج تعرف باسم الجروب العلاجي أو العلاج الجمعي؛ والذي سيفيدك جداً، والمهم أن يكون لك بستان متنوع من الأشخاص من حولك بدلا من جعله شخصا واحدا يقدم لك احتياج الونس والدعم والإنصات.



وأخيرا أقول لك.. هناك من مررن بكثير مما مررت أنت به؛ فمنهن من عاشت ضحية فكرة الوحدة؛ فهانت عليها نفسها بالدخول في علاقات مؤذية فقط مقابل الونس، أو استسلمت للوحدة؛ فعاشت فعلا وحيدة لا يذكرها أحد، ومنهن من قررن أن قيمتهن ووجودهن ليسا مربوطين بوجود شخص أو رجل؛ فسمحن لأنفسهن بالحياة الحقيقية تدب بداخلهن؛ فعشن الحياة، واهتممن بأنفسهن، وقدمن لأنفسهن، ولغيرهن الكثير دون أن يخسرن أنفسهن الحقيقية.. فالألم لا يمكن تفاديه؛ لأنه جزء من الحياة، أما المعاناة فيمكن تفاديها لأنها اختيار.. دمت بخير وسلام وحياة.
آخر تعديل بتاريخ
24 يونيو 2018