04 ديسمبر 2023

الصمت العقابي بين الأزواج

زوجي يعاقبني بالصمت لأتفه الأمور، حاولت مرارًا أن يقلع عن هذه العادة وأن يكون بيننا حوار لكن دون جدوى، صمته يدفعني للجنون فأستسلم وأبادر بالصلح والاعتذار منه حتى لو الغلط منه، سئمت من هذا الوضع حاليًا، هل أستعمل نفس عقابه لكي يتوقف عن هذا الأمر؟ لأنه لا يكلمني ولا يأكل معنا وينام لوحده كأني غير موجودة، إلا الاهتمام بالأطفال فقط، سئمت المبادرة فهو لا يرضى بسهولة فأشعر بعد ذلك باحتقار لذاتي.

الأخت الفاضلة:

نعم.. هذه الأحاسيس بالظبط التي يريدك أن تشعري بها وترافقيها بداخلك، وترتبط دوماً برضاه، وحتى لا أتعجل في ذكر احتمالات صمته الذي يعاقبك به بوضوح، سأكتفي فقط بأن أوضح لك عدة نقاط تشمل تساؤلات أحياناً لنفسك لترُدّي عليها بالواقع الذي تعيشينه معه، وكذلك اقتراحات لتستوعبينها بصدق لتتمكني بعد ذلك من القيام بها:

  •  هل لا حظتِ أن محاولاتك المستميتة للحديث معه مع تكرارها حلت المشكلة؟ أم لا حظتِ أن هذه الطريقة يتم اعتمادها أكثر وأكثر رغم توضيحك لقسوتها وتأثيرها عليكِ وعلى علاقتكم؟
  • علاقة الزواج السوية تقوم على “التواصل الطيب“ حتى مع حدوث اختلافات أو مشكلات، فالحياة ستأتي بتحدياتها الطبيعية، والتفاهم والتواصل الطيب الطبيعي بين الزوجين المحبين هي ما تجعلهما يتمكنان معاً بالتعامل معها، فالصمت هنا ليس عدم تواصل؛ بل هو تواصل قاسٍ؛ يجعلك تشعرين أنك”هواء” لا قيمة ولا وجود لكِ، كأنك غير مرئية، وهذة الرسالة أصعب رسالة يتلقاها الإنسان في حياته من أي علاقة خاصة إن كانت علاقة تهمه، لذلك في التربية نتحدث كثيراً عن احترام مشاعر وأفكار وتصرفات الطفل والاستماع له وتشجيعه؛ ببساطة لنوصِل له أننا نراك ونسمعك ونهتم بك حتى لو أخذنا قرارًا أو اختيارًا مخالفًا لما يريده لصغر سنه أو لعدم اكتمال إدراكه بعد، فهذة الوسيلة وسيلة عليكِ رفضها وعدم قبولها، ولكن وقت الحديث عنها بالكلام قد فات، فالآن تحتاجين لتوصيل هذا الرفض بتصرفات مختلفة عن الجهد المُرهِق والابتذال ليقبل بالحديث معكِ.
  • هذة الوسيلة الصعبة؛ ستجعلك بمرور الوقت تتنازلين عن اختياراتك، أو تصرفاتك، أو تلقائيتك؛ لتتفادي هذا الصمت الصعب، وبمرور الوقت سيملأ نفسك الغربة والحزن والغضب والإحساس بالدونية، فكيف ستكون الحياة معه؟ ما الذي سيتبقى منك لتقدميه لعلاقتك به ولأولادك؟!
  • هل تتصوري إن قمتِ بالتزام الكف عما لا يريده في كل ما هو متوقع أو سبق وتعرفتِ عليه؛ أن القائمة ستنتهي؟ أقول لك بوضوح لن تنتهي؛ لأن الهدف هو “السيطرة والتحكم”، وليس أي أمر آخر.
  • هل الصمت أسلوب شخص ناضج مسؤول؟ أم أسلوب غير صحي وغير سوي؟
  • رغم أن علاقة الزواج علاقة مهمة في حياة كل من الزوجين “الطبيعيين”؛ إلا أنها في النهاية لا يجوز أن تكون هي العلاقة العملاقة التي لا تسمح معها بأي علاقات إنسانية طبيعية أخرى، فكأني أريد أن أقول لك: أن من تمام صحة العلاقات الأساسية المهمة في حياتنا؛ ألا تكون هي مركز  الكون وفلك الحياة الذي ندور حوله، وفي حالتك هذا ما يريده تحديداً أن تتعطل حياتك واستقرارك النفسي ويرتبط فقط برضاه، وحول رضاه،  وتفادي عدم رضاه، كأنه إله تدندنين حول رضاه لتستقري!، وكلما دربك على ذلك؛ كلما وقعتِ في تلك المصيدة.
  • استمرارك على هذا المنوال لن يجعلك فقط حزينة أو مفتقدة روحك التي تعرفينها، ولا فقط ستتنازلين عن تلقائيتك؛ بل سيغيرك لشخص آخر لا تتصوري أنك ستكونيه، فمن في مثل علاقتك صاروا مرواغين كذابين، ولا يثقون بأنفسهم، ولا يثقون في البراءة والتلقائية، والخير ، إلخ.
  • أقترح عليكِ أولاً أن تنتبهي لمدى سوء تلك العلاقة وأذاها لكِ، وأن تُسمّي الأشياء بأسمائها حتى لو قبيحة أو رفضك لتصديقها، فهذه العلاقة مؤذية لكِ وتسمم سلامك النفسي.
  • رفض هذه الطريقة وألا سبيل لحل مشكلاتكم إلا بالحديث المهذب الطبيعي والنقاش، وغير ذلك لا تحومي حول إرضائه المَرَضي هذا.
  • انخرطي في باقي حياتك التي تحبينها وتعرفينها جيداً، مثل علاقاتك مع أصدقاء وأقرباء وهوايات أو دراسة أو تطوع أو أي شيء؛ ليصل له رسالة أنك لن تتعطلي، وحتى لو لم تخرجي من منزلك لديك الكثير الذي يمكنك فعلًا القيام به.
  • لا تجعلي هذه اللعبة النفسية بينكما تتحول للعبة أخرى، مثل انتظار أيام الهناء فتجلسي في أيام الشقاء انتظاراً لأيام الهناء، خصوصًا إذا كان يتمكن من تقديم “تميز” في وقت الهناء والرضا، لأنها جزء من سلوكياته المتشابكة والتي تحتاج لمراجعة متخصصة.
  • إن كنتِ لا زلت لم تنجبي فانتظري يا صديقتي على تلك الخطوة؛ حتى تتبيني مدى مناسبتها لكِ، وإن كنت رُزِقتِ بأبناء؛ فأقترح عدم إنجاب المزيد لنفس السبب.
  • لا زال هناك احتمالات ألا يكون لدية مشكلات سوى تلك الوسيلة السيئة، فأعطي نفسك الفرصة لاستكشاف ذلك دون إفراط أو تفريط؛ لأن سلامتك النفسية وراحتك هي أساس نجاح كل شيء يهمك في حياتك، دمتِ بخير.
آخر تعديل بتاريخ
04 ديسمبر 2023