18 يونيو 2016

الصدمات النفسية في مقتبل العمر وتبعاتها المستقبلية

كيف يمكنني التخلص من معاودة ظهور آلام ماضي البائس (يتمي بفقدان الوالدين في فترة وجيزة أقل من عام ثم فقدان السند الوحيد جدي) أنا متوسط الحال ماديا أعمل بلا هوادة انعزالي وكتوم وكثيرا ما تنتابني شكوك حتى في أقرب الناس إلي وكثير الاعتماد على نفسي وأعتبر مساعدة الغير لي بؤسا. أرجو النصح وإن كان هناك علاج طبي فمرحى.

أخي الكريم يوسف؛
تحية مباركة وبعد..
بالرغم من إحساسي بمعاناتك الشديدة تماما، ورغم قسوة ما تعرضت له حين فقدت والديك منذ نعومة أظافرك، إلا أنك لم تقرر بعد حتى الآن أن تخرج من سجنك الكبير، فبدلا من أن تمد يدك لنفسك لتهدهدها وتعطف عليها، وتتعامل مع غضبك، وألمك، وخوفك، بقبول ما حدث لك، استسلمت لها جميعا بجدارة.

عزيزي، القبول لا يعني الموافقة، ولا يعني الصراع مع ما ترفضه، ولا يعني الاستسلام لما يؤلمك، بل يعني أن ما حدث قد حدث مع احتفاظك بعدم الموافقة على ما يوجعك.

باستسلامك لوجعك تكون قد خلقت سجنا كبيرا لك يمنعك من الحركة، والفرح، وكلما شيدت أسوارا لسجنك يوما من بعد يوم توجه ألمك، وغضبك لنفسك وحدك، فتزيد من وحدتها، ووجعها، وغضبها لتبقى في الدائرة نفسها! وكأنها صارت غذاءك لتتمكن من العيش كما عودت نفسك.

يؤلمني جدا أن تتخيل أني أقسو عليك، بل العكس تماما، فأنا هنا من أجلك، ولصالحك، فأنا أراك توجع نفسك بنفسك بلا فائدة، فكم من شخص تعرض لمثل ما تعرضت له، واختار اختيارا آخر غير حياته، وكم من شخص تعرض لتجارب قاسية أخرى وكان شجاعا في مواجهة ألمه وغضبه، وخوفه فتجاوزها؟ 

الحياة اختيارات، واختيارك هو ما سيغير حياتك، فكفاك تجرعا للألم ودور(الضحية) الذي يمتص روحك، فأنت تحتاج لعلاقات صحية في حياتك فيها تقبل كما أنت، ولا تخاف على نفسك فيها، وتستطيع أن تكون فيها كما أنت بلا خوف من الحكم، أو الأذى، فيها مسامحة، و اهتمام.

جدك كان علاقة صحية في حياتك، وقد غاب من حياتك، ﻷن الموت جزء من الحياة أصلا، وسأموت وستموت، وسيموت كل من نحبهم، فعلينا قبول الموت كما وضحت لك معنى القبول، فحين تقبل الموت ستحيا بصدق، وستكف عن تجرع الألم والتلذذ به ﻷنك ستصدق وقتها أنك تستحق الفرح، وهذا ما سيساعدك على تخطي الألم بالاستمتاع بوجود علاقات صحية في حياتك.

كتبت في رسالتك أنك متزوج فكيف هي علاقتك بزوجتك؟ لماذا لا تسمح لنفسك بالفرح بوجود شريك يهتم بك؟

وأخيرا، أنت سألت ماذا تفعل، وأنا أوضحت لك أن البداية هي أن تسمح لنفسك أن تفرح، وأن تصدق أنك تستحق الحب، وأن تتحرر من سجنك الداخلي ﻷن مفتاح أبوابه في يديك وحدك، ومفتاحه سيعمل بقرار حقيقي بالكف عن دور الضحية الذي يميتك وأنت حي، وإن صعب عليك أن تفعل ذلك وحدك، فلتتحلَّ بالشجاعة والرجولة التي تجعلك تطلب المساعدة، ﻷن راحتك واستقرارك النفسي مهم.
دمت طيبا مطمئنا راضيا حيا بصدق.

آخر تعديل بتاريخ
18 يونيو 2016