14 يناير 2018

الحب.. كيمياء أم ميكانيكا؟

 كيف أحرك مشاعر البنت التي أريدها، علما بأنها تكن لي كل احترام وتقدير، وأنها تسعى حثيثا في إرضائي وتسعد جدا برؤيتي، ودائما تجد في المنقذ لكل مشاكلها، تحاول أن تشعر باحساس الحب تجاهي، وهي تقول في مشاعر بس مش للدرجه اللي هي، وبحاول وغصب عني وكلام من هذا القبيل، ومن حيث الخطوات الإيجابيه ابلغتها بجديتي في الموضوع لاقصى درجه، هل هناك مايسمى ب تأخر النمو العاطفي والشعوري لديها، حيث إني ضغطت عليها كثيرا، وإن كان خطأ لكن كي أتأكد وأعرف، وهي كل شويه تقولي لسه لسه، مايسمى بلديها مشاعرها. ما الحل، علما بأنها في سني تقريبا :٢٣ سنة
يحيى؛
أنت تتحدث عن المشاعر التي تملأ القلب والروح؛ بعملية، وعقلانية.. لدرجة أنك تبحث في تأخر نموها العاطفي، وتبحث عن وجود تعطل ما عندها يمكن إصلاحه؛ ولكن ما أود إخبارك عنه أن ضعف النضوج العاطفي الوجداني أو أي مشكلات فيه أمر مختلف تماما عن عدم القدرة على تبادل الحب بحب مماثل من شخص يقول لي أنه يحبني.

أنت تحتاج ياصديقي أن "تدرك" و"تصدق" أن مشاعر الحب بين رجل وامرأة كشركاء في الحياة ينتميان لعالم المحبين يختلف تماما عما تحاول أن تشير له، وتحتاج أن تصدق أننا يمكن أن نحترم أشخاص ونحبهم امتنانا وتقديرا ورغبة في إسعادهم دون أن تتطور تلك المشاعر لمساحة الحب الخاص جدا بين رجل وامرأة، هذه المساحة التي تجعل المحبين يتشاركان فيما بينهما عدة مستويات متداخلة تداخلا عميقا قال عنه سبحانه "ميثاق غليظ"، وتلك المستويات تظل تعمل بينهما طوال العمر؛ فهناك التقاء في المستوى النفسي والعاطفي والجسدي والروحي والعقلي والمجتمعي؛ والتقاء بين الصداقة والرغبة والانتماء والراحة النفسية، والاطمئنان على أنه مسموح لنا أن نكون أنفسنا كما نحن دون أن نضطر للضغط عل أنفسنا للقيام بما لا نريد، أو عدم القيام بما نريد؛ فنكون أنفسنا فعلا، ونحب أنفسنا كما هي في وجود الشريك أصلا، وهو كذلك يحبنا كما نحن.

ببساطة تجربتك لا تتطلب تدخل متخصص؛ فهي لا تحبك حب رجل وامرأة، ولكنها تحترمك وتثق في قدراتك، وتثق في قدرتك على مساعدتها حين تحتاج لك، وهذا أمر طبيعي جدا ويحدث.

وأرى من الضروري أن تدرك أن من حقنا أن نحب، ومن حق الآخرين كذلك أن يحبونا أو لا يحبونا، وتحتاج لرد صادق حقيقي جدا من داخلك على سؤال مهم ألا وهو، "لماذا أبحث عن حبها لي بكل تلك الطرق، والمحاولات التي ترهقني وترهقها؟"؛ فالعلاقة الحقيقية التي تحقق سعادة حقيقية تحتاج لوجود ثلاثة أمور لا يمكن التغاضي عن أحدهم لتصح المعادلة التي تُبقي تلك العلاقة حية نابضة، وهم "الحب" و"الزواج" و"الواقع".

فمن تزوجا وساعد واقعهما على الزواج وغاب الحب - كما أوضحت - لم يسعدا، ومن أحبا بعضهما وتزوجا ولم يهتما بالواقع الذي قد يشمل طباعهما الشخصية لم يسعدا، ومن أحبا بعضهما البعض وواقعهما كان مناسبا، ولم يتزوجا ضاعا؛ وحديثي هذا من أجلك أنت يا صديقي.

فالحب يحمل في طياته مساحتين لا يمكن لإحداهما أن تلغي الأخرى؛ ليظل حبا حقيقيا؛ فالحب فيه مساحة لا إرادية تجعلنا نحب هذا دون ذاك، ولم يتمكن علماء النفس ولا الشعراء ولا الفلاسفة من معرفة سبب ذلك، والمساحة الأخرى هي ذلك الجهد الحقيقي في شراء قلب من نحب بالصبر والإيثار والرغبة في إسعاده ودعمه وتعزيته حين يتألم أو يحزن وغيره، وبهاتين المساحتين تطيب العشرة بينهما.

والمهم ما أود أن أؤكد عليه أن كلامي هذا لا يعني إطلاقا أن بك أمرا ما يسيء لك جعلها لا تتمكن من حبك كما تحب الأنثى رجلا تهواه وترغب في مشاركته لها الحياة، ولكنه أمر لا علاقة له بالعقل، أو بك أنت كشخص، أو بمشكلة وجدانية تستحق العلاج مثلا، فقصتك تلك تحتاج لحكمتك وشجاعتك؛ لتتمكن من فهم ما قلته، وفهم ما تحتاج للقيام به حتى لا تؤذي نفسك أو تؤذيها دون أن تدرك.

أعلم أن فراقك لها سيؤلمك، ولكن ستتمكن بمرور الوقت من تقييم تجربتك تلك، وتتأكد أن الحب يحتاج لتبادل حقيقي، وأنك تستحق ألّا تحيا في عذاب، وهذا الإدراك سيمكنك من الكف عن الضغط عليها لتشعر نحوك بمشاعر لا تحملها، أو بإشعارها بالذنب أنها لا تقدر ما تقوم به من أجلها؛ لأنها بالفعل تحترمك وتقدرك وتحبك حبا آخر غير ما تتحدث عنه.. أعانك الله في القيام بالأمر الصحيح.

اقرأ أيضاً:
هل الزواج علاقة؟
الحب.. صور نفسية ومعانٍ منسية
الحب.. السهل الممتنع
حتى لا يضيع الحب
فقد الحبيب ألم ومعاناة.. كيف تتجاوزه؟
آخر تعديل بتاريخ
14 يناير 2018