02 يوليو 2018

أزمتي مع التردد والتعطل والمثالية

حضرتك أنا بعاني كل يوم من مرض ووباء تضييع الوقت والتأجيل بصورة كبيرة جدا، وده بيأثر عليا وعلى إنتاجيتي كمان، أنا بعيد عن ربنا جداً، وده مسببلي اضطراب نفسي وخنقة، فيا ريت لو تنصحوني نصائح ألتزمها عشان أقدر أوصل للمثالية والاستقامة والجدية اللي عايزها
أهلا بك يا مكرم،
هل تتصور أن رغبتك في المثالية والاستقامة والجدية هي نفسها سبب تسويفك، وإضاعة وقتك، فالمثالية والجدية تتعارض مع طبيعة الإنسان نفسه الذي يتعرض للخطأ ويتعلم منه، ويتعرض للضعف ويتشجع من بعد التعرض له، ويتعرض للفشل لينجح في المرات التي تليها.


المرونة في التعامل مع النفس، هي التي تجعلنا نقترب من أنفسنا الحقيقية، وتمكننا فعلا من التحرك للأمام، أما الهدف غير الواقعي بعدم الخطأ، أو عدم قبول الفشل، أو عدم التسامح مع أنفسنا حين نقع في أي منها فهو ما يذبحنا، وكلما كنت تهدف لهدف لا يمكن تحقيقه مع كونك بشر، كلما زاد القيد؛ وكلما زاد الحكم على نفسك بسلبيات كثيرة، كلما زاد تعطلك لعدم القدرة على الوصول؛ وتظل في تلك الدائرة المغلقة دون حدوث تغيير.

وإن لم تنتبه بنضوج أنك تحتاج إلى أن تعدل تلك الأفكار التي تصدقها دون أن تسمح لنفسك بمراجعتها، سيثقل ظهرك يا ولدي بمشاعر الذنب والتقصير، والتي تسبب بلا جدال "التعطل"، وبدلا من التحرر منها، لتتمكن من المسير، سترتبك وتحتفظ بها أكثر ظنا منك أنها ستساعدك في التحرك، والعكس صحيح، والدليل أنك الآن تشعر بالذنب والتقصير وترى أنها مشاعر ستساعدك في الانطلاق، ولكن ما هي الحقيقة؟ هل تحركت؟ لا.. إذن هي لا تفعل ما تتصوره دورا لها؛ فلتتحرر من مشاعر الذنب المعطلة، لتبدأ رحلة التغيير برشاقة بعد ثقل وجودها على كاهلك كثيرا، وراجع من خلال الواقع أين هو الشخص المثالي الذي يحصل أو يحقق أعلى الدرجات في كل مساحات حياته مهما كان قدوة؟ فالكمال لله وحده، وخلق الإنسان ضعيفا.



هذه ليست دعوة للخنوع، أو الاستمتاع مثلا بالخطأ والضعف والفشل، أبدا أبدا، ولكنها دعوة لمرونة طبيعية، فيها تتحرر من مشاعر الذنب غير المجدية، وبمجرد فعلك لذلك بصدق، ستبدأ رحلة المسؤولية الصادقة، وكلما صدقت أنك يمكن أن تضعف وتتعلم وتطلب المساعدة، وكلما سمحت لنفسك بالتعلم من أخطائك بصدق دون ذبح.. كلما كنت قريبا من نفسك الحقيقية كما خلقها الله وكلما نجحت.


وأهمس لك بما تعلمناه في مجالنا، وهو أن تلك المثالية التي تحاربنا ونحاربها، بجانب أنها ليست أنفسنا الحقيقية التي فطرنا الله عليها، هي زرعت زرعا عن غير عمد ممن ربونا، ورغم أن والدينا أرادا لنا الخير، إلا أن الوسيلة لم تكن سليمة، وقد تكون زرعت بداخلنا لأنها مفاهيمهما هما وليس نحن، وهو أمر كبير، ويحتاج لمراجعة حقيقية. وأخيرا المثالية دورها الحقيقي هو تحفيزنا للتطور والطموح، ولكنها أبدأ لا تصلح أن تكون هدفا في كل مساحات حياتنا، لأن الإنسان الذي يتمكن من ذلك لم ولن يكون موجودا.
آخر تعديل بتاريخ
02 يوليو 2018