16 أبريل 2020

أتعرض للضرب من أبي.. فهل أنا فاشل؟

منذ صغري، وأنا أتعرض للضرب من أبي، ضرب شديد يصل إلى نزول الدم، أحببت معلمتي، وتمنيت أن تكون أمي وأذهب لأعيش معها، أصبت بوسواس النظافة، تركت الدراسة، أصبت بالاكتئاب وتركت هواياتي، بدأت أشكك فى وجود الله لأنني أدعوه أن ينقذني من عائلتي، ولكنه لا يستجيب. 
السؤال الأول: هل عدم الرغبه بالدراسة بسبب العنف، أو أنني مجرد فاشل وألقي اللوم على العنف لتبرير فشلي؟ السؤال الثاني: إذا تخيلنا أن عائلة أخرى اهتمت بي، هل سأعود طبيعيا، أو أنني غبي أساساً ولم يتغير شيء؟
أهلا وسهلا بك يا ميدو،
لم أعد أتمكن من الدفاع عن تصرفات الآباء يا ولدي حين يؤذون أولادهم رغم أني أتمكن من الدفاع عن حبهم لهم، والذي يتم التعبير عنه بكل غباء وعنف.

فلو كنت تسأل علمياً إن العنف والقسوة يؤثران على التحصيل الدراسي، فأقول لك بكل وضوح نعم؛ فالإنسان يولد بلا خبرات ولا تجارب، مثل الصفحة البيضاء، حتى ولو كان يحمل بعض الوراثة الخارجة عن إرادتنا؛ إلا أن المناخ حوله يجعل ما قد ورثه في حالة سيطرة ما دام المناخ حاضناً متفهماً مستقراً، يحترم الاحتياجات النفسية إلى الحب والاهتمام والاحترام والتشجيع والثقة.. إلخ، لأن القصة ليست في الألم الجسماني الذي يشعر به الشخص نتيجة الضربة، حتى لو أخرجت دماً، بل في ألم الإهانة وفقدان الثقة بالنفس، والتوتر.



فلا يوجد شخص غبي لأنه غبي، ولكن هناك شخص يرتبك فيختار بارتباكه اختيارات لا تتسق مع ما يريد لنفسه، أو لديه صعوبة ما في مساحة ما، فتحتاج لتعامل معين يجعله يخوض ما يستصعبه؛ فمذاكرة الرياضة مثلا ليست كمذاكرة اللغة الإنجليزية كل مادة لها طريقتها الأنسب للشخص عرفها من عرفها وجهلها من جهلها.

وحلم الحياة مع أسرة جيدة حلم أخاف عليك منه يا ولدي، وأنا اخترت أن أكون صادقة جداً معك، وأحترمك، وأحترم عقلك، فكما قلت لك إن المناخ له أثر كبير في الراحة النفسية والثقة بالنفس والتحسن، ولكن الحقيقة أيضا أن ما حدث لنا في طفولتنا يظل أثره علينا حتى نعالجه؛ فنتحرر منه فعلاً ويحدث التغيير الحقيقي لنا من الداخل، والداخل، أي داخلنا، هو الأهم وهو الذي يحرك تصرفاتنا من الخارج سواء صدقنا هذا أم لا، وسواء انتبهنا لتصرفاتنا أم لا.



فأبوك مثلا يخاف عليك جداً من الفشل، ويخاف على مستقبلك، وبدلاً من التعبير عن خوفه عليك، والتحرر من خوفه عليك، يستسلم لخوفه كلما وجد درجاتك تقلقه؛ فيضربك، فلا يصل إليك خوفه أبداً، ولا تصدق أنه يخاف عليك لأن ما يصل إليك هو قسوته وألفاظه.

وكذلك لا يصل إليه أنك تحتاج لحنانه، وأنك تريد أن يرضى، ولكن يصل إليه منك أنك لا تشعر "وجتتك نحست" فيزداد ضرباً لك، قلت لك هذا لأن الهروب في حلم أسرة أفضل سيجعلك تتوه أكثر حتى لو ارتحت من الخارج، فاحتياج الإنسان للحنان والاهتمام بمشاعره يوقعه في مشكلات أضخم مما تتصور كعلاقات مؤذية تستغله، أو تسيء إليه، لانحرافات في القيم أو الأخلاق.

والرجولة تتطلب منك أن تتحدث معه على ما تشعر به وتريده منه بأدب وود من دون خوف أو ارتباك، لأنك وهو تحتاجان إلى هذا، وإن وجدت ذلك صعباً يمكنك طلب المساعدة من شخص عاقل يحترمه أبوك ليتحدث معه في وجودك، وتبدأ في التعبير عن رفضك لأي إهانة أو ضرب يحدث من أبيك، ولا مانع من الدفاع عن نفسك إن قام بضربك بأن تتجنب ضربه لك، وعدم وقوفك تتلقى ضربه مهما طلب منك هذا، وقل له "كفاية"، أو "أرفض أنك تضربني تكلم معي أفضل"، أو "مش هافضل واقف تضرب في.. أنا زعلان منك وعاوزك تسمعني"، ولا تتحدث معه بطريقة طبيعية بعد ضربك لتكون رسالة له بأنك لا تقبل تلك الطريقة، فهذه حقيقة شجاعتك ورجولتك مع نفسك على الأقل الآن، وأنا أشعر بمعاناتك جداً يا ولدي وأقترح عليك التواصل معنا دوماً لنساعدك، فنحن هنا لأجلك.
آخر تعديل بتاريخ
16 أبريل 2020