القنوات الأيونية .. شريان الصحة والحياة لأجسادنا

الخلية الحية هي الوحدة الأساسية في أجسامنا، وصحة وحيوية أجسامنا تعتمد بشكل أساسي على صحة وحيوية الخلايا المختلفة، وهناك العديد من الأنظمة التي تحفظ لخلايانا حيويتها، ويعتبر جدار الخلية - بما يحويه من قنوات أيونية - من أهم هذه الأنظمة، فما هي هذه القنوات الأيونية؟ وماهو دورها في حفظ حيوية أجسادنا؟ وما هي الأمراض التي تحدث نتيجة خلل هذه القنوات؟ وكيف السبيل لإعادة ضبط هذه القنوات لتؤدي دورها على أكمل وجه؟



* ما هي القنوات الأيونية؟
هي مجموعة من البروتينات التي تتكون على سطح معظم الخلايا الحية لتكوّن ثقوباً في جدران تلك الخلايا، ويمر من خلال هذه الثقوب الأيونات المختلفة (الصوديوم، البوتاسيوم، والكالسيوم...) من وإلى الخلايا.

* لماذا نحتاج للقنوات الأيونية؟
يحتاج الكائن الحي إلى هذه الأيونات حتى تعمل الأجهزة المختلفة في جسده، فالقلب لا يستطيع أن ينبض بدون وجود أيونات الكالسيوم والصوديوم والبوتاسيوم، وخلايا المخ ستتوقف تماماً عن الاتصال ببعضها لو اختفت تلك الأيونات من الدم، وحجم خلايانا سيختلف كليةً لو اختل تركيز أيونات الكلوريد في الجسم.

وتعتمد أيضاً معظم حواسنا على القنوات الأيونية، فقدرتنا على الإبصار تعتمد في الأساس على مجموعة معينة من هذه القنوات التي تقوم بتحويل فوتونات الضوء التي تسقط على شبكية العين إلى إشارات كهربية تسري في الخلايا العصبية البصرية حتى تصل إلى القشرة المخية البصرية التي تقوم بفك مضمون هذه الإشارات الكهربية لتحولها إلى صورة لها معنى.

كما نستطيع السمع لأن هناك مجموعة أخرى من القنوات الأيونية التي تقوم بتحويل الموجات الصوتية إلي أصوات نفهمها، والقنوات الأيونية هي التي تمكن الفنان من أن يحرك يديه ببراعة ليرسم لنا لوحة فنية رائعة، وهي التي تعطي القدرة لبعض الأنواع من ثعابين البحر لإطلاق شحنات كهربية عالية الجهد، لكي تشل حركة فريستها أو لتدافع بها عن نفسها.

ولا تتوقف أهمية القنوات الأيونية عند حد الكائنات متعددة الخلايا كالإنسان والحيوان، بل تمتد لتشمل الكائنات الدقيقة كالبكتيريا مثلاً، ففي دراسة حديثة نشرت في الدورية العلمية الشهيرة "نيتشر"، أشار العلماء الي دور هذه القنوات في تمكين الاتصال ما بين خلية وأخرى في التجمعات البكتيرية.



* ماذا لو حدث خلل في عمل هذه القنوات؟
توصل العلماء إلى أن الخلل في عمل هذه القنوات قد يؤدي إلى الكثير من الأمراض، وقد يكون هذا الاعتلال في عمل القنوات الأيونية "خلُقياً"؛ أي أنه نتيجة خلل جيني معين أدى إلى توقف عمل هذه القنوات كليةً أو إلى اضطراب عملها، من ناحية أخرى، يمكن أن يكون هذا الخلل "مكتسباً" أي أن القنوات كانت تعمل بشكل جيد، ثم اختل عملها بسبب آخر كمهاجمة الجهاز المناعي لها.

ومن أمثلة الأمراض التي تتسبب فيها الأمراض الأيونية:
- أمراض القلب والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً باختلال عمل بعض هذه القنوات، فاضطراب إيقاع نبضات القلب (Long and short QT-syndromes) يرجع في الأساس إلى عطب يصيب قنوات البوتاسيوم أو الصوديوم الموجودة في عضلة القلب.

- مرض آخر كالشلل الدوري (Hypo and Hyper Kalemic periodic paralysis) يعود إلى حدوث طفرة جينية في قناة الصوديوم الموجودة في الخلايا العصبية ما يؤدي إلى ازدياد إثارتها بشكل متكرر، ومن ثم انقباض العضلات بشكل مستمر وعدم قدرتها على الانبساط، وينتج عن ذلك شلل وقتي.

- أمراض أخرى مثل الصداع النصفي والصرع ومتلازمة "درافت" (Dravet Syndrome) ترجع أسبابها إلى طفرات جينية في قنوات الصوديوم والكالسيوم.

- لا يقتصر الأمر على أمراض الجهاز العصبي فقط بل تمتد إلى الأجهزة الأخرى، على سبيل المثال، يتسبب اعتلال قنوات الكلورايد في حدوث التلفيات الكيسية (Cystic fibrosis).

* هل يوجد علاج؟
تعكف الكثير من المعامل في كبرى الجامعات وشركات الدواء على إيجاد علاجات ناجعة للأمراض الناشئة من اختلال عمل القنوات الأيونية، تعتمد آلية عمل معظم هذه العلاجات على تنظيم عمل هذه القنوات، إما بوقف عمل بعض القنوات عند ظهور الأعراض بشكل حاد (كما في حالة مرض الصرع)، أو تنظيم عملها (كما في حالة اضطرابات القلب).

والقنوات الأيونية هي قنوات الحياة، عندما تعمل بشكل صحيح تضمن للإنسان حياة صحية، وفي المقال القادم، بإذن الله، سنتكلم عن كيفية عمل هذه القنوات وأنواعها المختلفة.
آخر تعديل بتاريخ
23 ديسمبر 2019