المناوبات الليلية هي أنماط عمل تتضمّن العمل في ساعات متأخرة من الليل، قد تستمر أحيانًا حتى ساعات الصباح الباكر، وقد يؤثر هذا النمط على صحة الإنسان، بما في ذلك على النوم ونمط الحياة اليومي، بالإضافة إلى أنه قد يزيد من خطر الإصابة بالعديد من الأمراض. وفي هذا السياق، أظهرت دراسة جديدة أن قضاء بضعة أيام فقط في العمل في المناوبات الليلية يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات في الإيقاع الطبيعي للبروتينات المسؤولة عن تنظيم نسبة السكر في الدم (الجلوكوز)، وفي عملية استقلاب الطاقة، وزيادة الالتهابات في الجسم، فهذه العوامل يمكن أن تساهم في تطور اضطرابات التمثيل الغذائي المزمنة على المدى الطويل.
دراسة تحذّر من مخاطر المناوبات الليلية على الصحة
كشَفت دراسة حديثة أجراها باحثون في جامعة ولاية واشنطن ومختبر شمال غرب المحيط الهادئ الوطني في الولايات المتحدة الأمريكية، عن أدلة جديدة تربط بين العمل في المناوبات الليلية وارتفاع خطر الإصابة بمرض السكري والسُّمنة، وغيرها من اضطرابات التمثيل الغذائي (الاضطرابات الأيضية).
يعتقد الباحثون أن هذه المخاطر ناتجة عن اضطراب الساعة البيولوجية للجسم، فقد أوضح الدكتور هانز فان دونغن، الباحث الرئيسي في الدراسة من كلية الطب بجامعة ولاية واشنطن، أن هناك عمليات داخلية في الجسم مرتبطة بالساعة البيولوجية الرئيسية في دماغنا تخبرنا بأن النهار هو نهار والليل هو ليل، وكذلك هناك عمليات أخرى تتبع إيقاعات محددة في مكان آخر من الجسم تخبرنا بأن الليل هو نهار والنهار هو ليل. فعندما تكون الإيقاعات الداخلية غير منتظمة، يحدث ضغط مستمر في نظام الجسم، وقد يؤدي ذلك إلى عواقب صحية طويلة المدى.
أظهرت الدراسة أن هذه الإيقاعات المضطربة يمكن ملاحظتها في أقل من ثلاثة أيام فقط من العمل الليلي، مما يُشير إلى إمكانية التدخل المبكر لمنع الإصابة بمرض السكري والسمنة. كما يمكن أن يساعد التدخل المبكر أيضًا في تقليل مخاطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية، فهذه المخاطر مرتفعة لدى العاملين في المناوبات الليلية.
المناوبات الليلية تؤدي إلى تغيّر إيقاعات بروتينات الجسم
أجرى الباحثون دراسة تضمّنت تجربة معملية خاضعة للرقابة، ونُشرت نتائجها في مجلة Journal of Proteome Research للأبحاث العلمية في 15 أبريل 2024، وشمَلت متطوعين تم تقسيمهم إلى مجموعتين: مجموعة نُظمت لها جداول مناوبات ليلية لمدة ثلاثة أيام، ومجموعة نُظمت لها جداول مناوبات نهارية لمدة ثلاثة أيام كذلك.
وبعد انتهاء نوبة عملهم الأخيرة، بقي المشاركون مستيقظين لمدة 24 ساعة في ظل ظروف محددة ثابتة من حيث الإضاءة، ودرجة الحرارة، ووضعية الجسم، وتناول الطعام، لقياس الإيقاعات البيولوجية الداخلية لجسمهم دون أي تأثير الخارجي. وتم تحليل عينات الدم التي تم سحبها على فترات منتظمة طوال فترة 24 ساعة لتحديد البروتينات الموجودة في خلايا الجهاز المناعي في الدم.
وأظهرت النتائج أن بعض هذه البروتينات لها إيقاعات مرتبطة بالساعة البيولوجية الرئيسية التي تُحافظ على إيقاع الجسم على مدار 24 ساعة. وتتميز الساعة البيولوجية الرئيسية بقدرتها على التكيُّف مع جداول مناوبات العمل المتغيّرة، ولذلك لم تتغير إيقاعات هذه البروتينات كثيرًا استجابةً لجدول المناوبات الليلية. ومع ذلك، تغيّرت إيقاعات معظم البروتينات الأخرى بشكل كبير لدى المشاركين في المناوبات الليلية مقارنة بالمشاركين في المناوبات النهارية.
مخاطر المناوبات الليلية على تنظيم مستويات السكر في الدم
وبالنظر من كثب إلى البروتينات التي تلعب دورًا رئيسيًا في تنظيم مستويات السكر في الدم، وجَد الباحثون أن إيقاع تغير مستوى السكر (الجلوكوز) لدى المشاركين في المناوبات الليلية كان معاكسًا تمامًا لإيقاع المشاركين في المناوبات النهارية. ووجدوا أيضًا أن العمليات المرتبطة بإنتاج الإنسولين وحساسية الجسم للإنسولين، والتي تعمل عادةً معًا للحفاظ على مستويات السكر في الدم ضمن النطاق الصحي، لم تعد متزامنة لدى المشاركين في المناوبات الليلية.
وأوضح الباحثون أن هذا التغير يمكن أن يكون ناتجًا عن عملية تنظيم الإنسولين ومحاولة الجسم لتنظيم مستويات السكر في الدم استجابةً للتغيرات التي تسببها مناوبات العمل الليلية. وأضافوا أن هذا قد يكون استجابة صحية قصيرة المدى، لأن هذه التغيرات في مستويات الجلوكوز قد تؤدي إلى تلف أعضاء الجسم وخلاياه، ولكنهم حذروا من أن هذه التغييرات قد تكون مشكلة على المدى الطويل.