هل لقاح كورونا يسبب أمراضاً فيما بعد؟

ردًا على سؤالك، أود قبلًا أن أوضح أن هناك إحصائيات واقعية وحقائق بخصوص اللقاح كما هي بخصوص كوفيد-19 (كورونا). أولًا علينا أن نعلم أن هناك لقاحات عديدة في العالم، لعل أشهرها اللقاح الأميركي فايزر، مودرنا، وجانسن، اللقاح البريطاني أوكسفورد أسترا زينيكا، واللقاحان الصينيان سينوفارم وسينوفاك واللقاح الروسي سبوتنك.

​

ومن المؤكد أن لكلا منها طبيعته وأعراضه الجانبية. إلا أن أغلبها يشترك في الأعراض الجانبية المؤقتة مثل أي لقاح، وهي الصداع وألم الكتف وارتفاع الحرارة، وغالبًا ما تستمر هذه الأعراض ليوم أو يومين ثم تنتهي.

* إحصائيات

سأعرض لكم سريعًا بعض الإحصاءات الخاصة بلقاحات شركات الأدوية الأميركية والبريطانية لوجود شفافية أعلى في أبحاثهم ودراساتهم حول مضاعفات اللقاحات الخاصة بهما.

• هناك 1 من كل 100,000 تلقوا لقاح أوكسفورد- أسترازينيكا أصيبوا بنقص الصفائح التخثرية، والذي سبب لهم تجلطات في الدم، وفي المملكة المتحدة أصيب بهذا التخثر 79 شخصا من أصل 20 مليونا تلقوا اللقاح وتوفي منهم 19. وحدث ذلك أيضًا مع لقاح جانسن ولكن بنسب أقل بكثير. وحدثت هذه المضاعفات خلال أسبوعين وحتى 6 أشهر من تلقي اللقاح وما يزال العلماء يعكفون على البحث عن السبب الذي أدى إلى ذلك.
• وبالنسبة للقاحي فايزر ومودرنا فإن هناك حالات نادرة جدًا لأشخاص أصيبوا بالتهاب عضلة القلب، وهي نسبة تقريبًا 1 في المليون، وحدثت بعد أكثر من شهر من تلقي هذين اللقاحين. كما أعلنت هيئة الغذاء والدواء الأميركية أن هناك 100 حالة من أصل 12,8 مليون تلقوا لقاح جانسن أصيبوا بمتلازمة غيلان باريه (وهي متلازمة تصيب عضلات الجسم بضعف سريع، ولكن نسب التعافي منها عالية جدًا).

​

بعد عرض هذه الأرقام التي توضح حدوث المضاعفات لدى فئة صغيرة جدًا ممن تلقوا لقاحات كوفيد-19 ما يزال العلماء يبحثون عن سبب حدوث هذه المضاعفات لهذه الفئات بالتحديد. ومع أن البروتين الرئيسي المستخدم في لقاحات كوفيد-19 قد جُربت سابقًا منذ سنوات في أمراض أخرى ولم يظهر من تبعاتها بعد هذه السنين ما يصيب العلماء بالقلق.

ولك أن تعلم أن ما يقرب من 2,3 مليار تلقوا اللقاحات بحلول يونيو 2021 في كل دول العالم بما فيها الدول التي أنتجت هذه اللقاحات. وهناك مثال تاريخي بخصوص اللقاحات، وهو تاريخ نشأة لقاح شلل الأطفال، فلقد تم تقديمه في سنة 1955 وكان عبارة عن فيروس شلل الأطفال المستضعف والذي يتم حقنه في الأطفال لتنشيط مناعتهم تجاه الفيروس، إلا أن هناك حالة من كل 2,4 مليون تلقوا اللقاح أصيبوا بالفيروس جراء اللقاح، فإذا قارنا هذا بنسبة الإصابة به في الولايات المتحدة قبل اختراع هذا اللقاح والتي كانت إصابة 60,000 طفل سنويًا به ووفاة 3000 منهم، نجد أن المضاعفات تكاد لا تذكر بجوار الفائدة التي عادت على أطفال العالم من تلقي هذا اللقاح. وعلى هذا المنوال نجد أن إحصائيات لقاحي مودرنا وفايزر قد خفضت من العدوى بكوفيد-19 (كورونا) بنسبة 90% وحالت دون الاحتياج لدخول المستشفيات جراء الفيروس بنسبة 94%.

​

فكما تعلم سيدي الكريم أن عدوى كوفيد-19 هي جديدة على البشرية وما يزال العلماء يكتشفون أعراض العدوى ومضاعفاتها ومتلازمة ما بعد كوفيد والتي تتنوع بين مضاعفات عصبية ونفسية وعضلية وصدرية وقلبية، وتكاد تؤثر على أعضاء الجسم كافة بنسب متراوحة، فإذا ما قارناها بمضاعفات اللقاح، نجد أن اللقاح أكثر أمانًا وأقل كلفة على صحة الإنسان والبشرية جمعاء. ونحن لا يمكننا التكهن بالمستقبل، ولكن يمكننا بالعلم والأبحاث والإحصاءات معرفته واستقراؤه نوعًا ما.

يقول البارودي:
ولست بعلام الغيوب وإنما .......... أرى بلحاظ الرأي ما هو واقع

وبالطبع لا يمكننا الجزم بأمر أو التحدث بحتمية، فحتى العلماء لا يقولون بحتمية شيء، بل يظهرون الأرقام والإحصاءات ويجرون التجارب ويختارون الأفضل. ففي هذا العصر البحث والعلم أصبحا النظارة والمصباح اللذين يمكننا الرؤية بهما حين يداهمنا الظلام، فحين حدثت الجائحة وأغلقت الدول أبوابها وامتلأت أسرة المستشفيات وطرقاتها بالمرضى وزادت الوفيات كما رأينا بأم أعيننا على شاشات التلفاز وحتى بشكل مباشر في مستشفياتنا، ولم نشهد التحسن إلا بعد ظهور اللقاحات وتطبيقات إجراءات التباعد والعزل. في النهاية نحن لا نقول إن كورونا أو اللقاحات خالية من المخاطر، ولكن إذا قارنّا مخاطر كوفيد مقابل مخاطر اللقاح نرى أن كفة اللقاحات هي الأفضل والأقل خطرًا.
تمنياتنا لكم بدوام العافية ودمتم بألف خير.